بالكلمة الطيبة والحضور الراقي، يبني المربي والشاعر "مرعي شاهين" جسورَ المحبة والأخوة مع كلّ من عرفه، وبكلّ صدق وإصرار ما يزال يواصل السعي لإيصال رسالته مجتازاً الكثير من المحطات التي لم يكن أغلبها سهل العبور.

مدوّنةُ وطن "eSyria" التقت بتاريخ 11 كانون الأول 2019 المربي والشاعر "مرعي شاهين" ليتحدث لنا عن أبرز محطات حياته حيث قال: «ولدت في أسرة فلاحية فقيرة، أكلت من عرق جبينها، حالنا كحال بقية الأسر القاطنة في قرية "القبو" في ريف "حمص" آنذاك، حيث لا ماء ولا كهرباء ولا طرقات، وقد عانيت ما عانيته من أمراض وشفيت منها بعناية إلهيّة، وما أن بلغت السادسة من عمري ألحقني والدي بالخطيب لأتعلم وأحفظ القرآن الكريم، وفي العام 1953 تم افتتاح مدرسة ابتدائية التحقت بها، وكنت دائماً في المرتبة الأولى، وفاة والدي في العام 1957 وهو في عمر التاسعة والثلاثين جعلتني طفلاً يتيماً فقيراً، ومع ذلك حصلت على شهادة الدراسة الابتدائية في العام 1958، لأنتقل بعدها للدراسة الإعدادية في قرية "رباح" التي تبعد ستة كيلو مترات عن قريتي، مسافة قطعتها مشياً ذهاباً وإياباً مدة أربع سنوات في سبيل الحصول على الشهادة الإعدادية، كنت أمشي ورفاقي شبه حفاة وعراة في سبيل تحقيق حلم المستقبل في الحصول على وظيفة، أيضاً نجحت وبتفوق نجاحاً مكنني من الدخول إلى دار المعلّمين في مدينة "حمص"، وهنا تبدلت حياتي رأساً على عقب، حيث التعلّم وكل مستلزماتنا من أكل وشرب وإقامة كانت مجانية، إلى جانب راتب شهري قيمته ثلاثين ليرة سورية، وفي دار المعلمين أيضاً تعلّمت الموسيقا والعزف على آلة العود، وبدأت ملكات الشعر تبزغ من زواياها الخفيّة، ربما ساعدها الإيقاع الموسيقي على ذلك، وفي العام 1966 تخرجت وعُينت معلّماً في محافظة "دير الزور" في قرية تسمى "حسرات" إلى الغرب من "البوكمال"، ثم نُقلت إلى بلدة "الصالحيّة" الشهيرة والتي تحتوي على آثار مدينة "دورا أوروبوس"، وحينئذ تم تكليفي بإدارة المدرسة».

"أبو فداء" إلى الكلمة الطيبة ينتمي، وإلى العمل الصالح يبادر، يتميز بنباهته الراقية، وقد نشأ عفيفاً وعصامياً، وبقي شامخاً كشجرة دائمة الخضرة في ذروة الكبرياء، وبكد جبينه بنى ذاته وأهلها بكفاءة عالية، ليبني أجيالاً، فكان الرائد المحب والمحبوب، كانت لي معه رحلات في عالم الحقيقة وعالم المجاز، أغبط فيه طموحه الأشم ونشاطه المتألق وانحيازه للحق، واستعداده لدفع الثمن من أجله مهما كان، والشعر لديه موهبة متألقة مفعمة بالنور، تصقلها الثقافة النوعية الواسعة، وهو الشاعر الملتزم بقضايا الأمة والوطن والإنسان، ناهيك عن أشعاره الدينية والوجدانية السمحاء والمرهفة العذبة التي تعبق ببخور المحبة الصادقة

ويتابع القول: «في العام 1968 التحقت بخدمة العلم، وفيها أمضيت أربع سنوات مقاتلاً في الصف الأول في مواجهة العدو، وقصصي في المعارك التي خضتها طويلة جداً ذكرتها في كتابي "على متن العاصفة" المسجل في وزارة الإعلام، وبعد أن أنهيت خدمتي الإلزامية في العام 1973 عدت إلى المدرسة الإبتدائية في قريتي مديراً، وأمضيت فيها أحد عشر عاماً خرّجت فيها أجيالاً منهم الأطباء والمهندسون والضباط والمدرسون والموظفون، وإلى جانب إدارة المدرسة كُلّفت برئاسة بلدية القرية، في تلك المرحلة لم يكن عملي مقتصراً على الإشراف على العملية التربوية كمدير مفرّغ، بل بدأت بكتابة الشعر، وقد قدّمت لمنظمة "طلائع البعث" الصيحات الطلائعية التي رددها أطفالنا، أيضاً شاركت في الدورات الطلائعية ولم أتخلف يوماً عن دورة حتى تخرجت في العام 1983 قائد معسكرات، وكنت حينها من الرواد الأوائل».

من إحدى المشاركات

ويكمل: «أيضاً في العام 1979 تخرجت من قسم الجغرافيا، هذا الاختصاص الذي اخترته بناء على محبتي لدراسة الأرض والفلك والبحار والجيولوجيا، وبذلت كل جهدي وتخرجت بدرجة جيدة تؤهلني للسفر إلى "روسيا" لاستكمال الدراسة ونيل درجة الدكتوراه، ولكن ظروفي لم تسمح لي وأحجمت عن فكرة السفر، ولكن في تشرين الأول من العام 1983 غادرت "سورية" عضواً في البعثة التعليمية السورية إلى "اليمن" الشقيق، وقضيت فيه أربع سنوات في ريف مدينة "إب" الجميلة، وفيها بدأت الحلقة الأهم في كتابة الشعر بمختلف ألوانه، فكتبت عن الوطن وعن "اليمن" أيضاً، واستثمرت الوقت جيداً وأجبرت نفسي على حفظ عشرة أبيات من الشعر يومياً، وكانت النتيجة حفظ ثلاثة آلاف بيت في سنة واحدة، وكنت أقرأ كل ما وقعت عليه عيناي من الكتب، ولا أكتفي بالقراءة فقط، بل لخصتها بمجلدات لا زلت أحتفظ بها، بعد عودتي إلى بلدي لم تخدمني الظروف بشكل جيد، فعدت مجدداً إلى "اليمن"، وتعاقدت مع وزارة التربية اليمنية وعينت في محافظة "صعدا"، وهناك كان لي الكثير من القصص والحكايات التي لا تنسى».

ويختم بالقول: «بعد عودتي إلى الوطن في العام 1991، عُينت مدرساً في ثانوية قرية "المحناية" بـ "حمص"، وإثر عمل جراحي قدمت استقالتي في العام 1996، وتفرغت للمطالعة والكتابة والتأليف، حيث صدر ديواني الأول في عام 2002 عن طريق اتحاد الكتاب العرب، الذي قدمت له اثني عشر ديواناً وجميعها تحمل بين طياتها الشعر الملتزم بقضايا الوطن والمجتمع، إلى جانب الشعر الوجداني والغزلي، وعنها كتبَت العديد من الصحف منها صحيفتي "العروبة" و"الوحدة"، كما أنّ وكالة "سانا" نشرت مقالاً مطولاً عن أعمالي، أيضاً عن الشهداء كتبت الكثير الكثير، إلى جانب العديد من كتبي في وزارة الإعلام، وكانت لي محطات ثقافية في إذاعة "صوت الشعب" التي استمرت لمدة عامين مع المذيع والشاعر "أحمد اسماعيل"، أما الكتب الأخرى التي لم تنشر بعد فهي كثيرة تزيد على الخمسين كتاباً، وقد ساهمت في أمسيات شعرية كثيرة، وما أزال مستمراً في هذا النشاط حتى الآن، وحصلت على المرتبة الثانية في الشعر على مستوى القطر، ونلت الجائزة من نقابة المعلمين المركزية في "دمشق"، وكرمت أيضاً من نقابة المعلمين في "حمص" بشهادة تقدير أحتفظ بها».

صديقه الشاعر "فايد ابراهيم" قال عنه: «"أبو فداء" إلى الكلمة الطيبة ينتمي، وإلى العمل الصالح يبادر، يتميز بنباهته الراقية، وقد نشأ عفيفاً وعصامياً، وبقي شامخاً كشجرة دائمة الخضرة في ذروة الكبرياء، وبكد جبينه بنى ذاته وأهلها بكفاءة عالية، ليبني أجيالاً، فكان الرائد المحب والمحبوب، كانت لي معه رحلات في عالم الحقيقة وعالم المجاز، أغبط فيه طموحه الأشم ونشاطه المتألق وانحيازه للحق، واستعداده لدفع الثمن من أجله مهما كان، والشعر لديه موهبة متألقة مفعمة بالنور، تصقلها الثقافة النوعية الواسعة، وهو الشاعر الملتزم بقضايا الأمة والوطن والإنسان، ناهيك عن أشعاره الدينية والوجدانية السمحاء والمرهفة العذبة التي تعبق ببخور المحبة الصادقة».

يذكر أنّ المربي والشاعر "مرعي شاهين" من مواليد قرية "القبو" في ريف "حمص" عام 1945.