تفوقُها الرياضيّ في صباها وشبابها، إضافةً للموروث الموسيقي الذي نهلته من عائلتها، حوَّلتهما إبداعاً وتميُّزاً في تصاميم رقصاتها مع الأطفال والشباب على مدى نحو ثلاثين عاماً وما تزال، تاركةً بصمةً من الفرح والحبّ في تاريخ مدينة "حمص".

مدوّنةُ وطن "eSyria" التقت بتاريخ 9 تشرين الثاني 2019 مع "صدقية الشبعان" مصممة رقص "السماح"، البداية كانت للتعرف على نشأتها فقالت: «أن يولد الإنسان في مدينة لها تاريخها العريق، وإرثها الغني بمحتواه الثقافي والفنِّي هو أمرٌ يبعث على الفخر والإبداع باللاشعور منه، ولادتي كانت في عائلةٍ تهوى الفنَّ والموسيقا تحديداً، من ذلك أذكر يوم الجمعة الذي كنا ننتظره من أجل الاستماع للأغاني ذات الطابع التراثي الطربي لكبار مطربي "حمص" القدامى من أمثال "عبد الواحد شاويش" و"نجيب زين الدين"، والغائبون للأسف تماماً في الزمن الحالي عن آذان الناس وأسماؤهم كذلك، عشقت الرياضة في مراحل الدراسة الابتدائية وبرعت في مسابقات ألعاب القوى ورياضة الجمباز، حققت المراكز الأولى في البطولات التي شاركت بها على مدار سنوات متتالية على صعيد الرياضة المدرسية، وهنا أذكر مدرباتي "صباح ديوب" و"ابتسام شاهين" اللواتي أشرفن على تدريبي مع زملائي في المرحلة الإعدادية، وفي صفوف نادي "الكرامة" لاحقاً على يدي المدرِّب القدير "سعيد عبد المولى"، والذي نلت معه المركز الأوّل في بطولة الجمهورية في سباق 200 م سرعة عام 1983، هذا الشغف بالرياضة ترجم لاحقاً بدراستي التخصصية لها في معهد التربية الرياضية الذي تخرجت منه عام 1987 وكنت الأولى في الترتيب العام على مستوى "سورية"، هذا التفوُّق منحني فرصة الإيفاد في بعثةٍ خارجيةٍ للتخصص أكثر، ولكن ظروفاً عائليةً حالت دون ذلك، وابتدأت رحلة التعليم في حياتي كمعلمةٍ للرياضة».

عرفتها في بداياتها صاحبة مواهب خلّاقة ومبدعة، إن كان كرياضيةٍ متميّزة صاحبة بطولات على مستوى الجمهورية، مع صوتها الجميل والأخَّاذ، ابتعادها عن الرياضة عوَّضته بإبداعها الفنِّي مع رقص "السماح" الذي أعطته بمحبة وفرح للأطفال الذين أشرفت على تدريبهم في المهرجانات الطلائعية والشبيبية، نجاح أعمالها يشهد على براعتها وتميّزها، وأهم ما يميّزها برأيي هو صدقها وإحساسها العاليين تجاه المحيط الذي تعيش فيه وأقصد هنا بالطبع مدينة "حمص"

المرحلة اللاحقة في مسيرتها وعلاقة الفنِّ بالرياضة، عنها تقول: «الإرث الموسيقي الذي اختزنته من جوّ العائلة، إضافة لممارسة الرياضة ومنها الجمباز ساعداني كثيراً على التوجُّه نحو فنِّ الرقص التعبيري، والذي كنت مولعةً به خلال مراحل دراستي الإعدادية، حيث كنت أساعد معلماتي في اختيار تصاميم اللوحات الراقصة والمشاركة فيها، والتي كنا نقدِّمها في الحفلات المدرسية على خشبة مسرح "الشعب" حينها، إضافةً للغناء بسبب جمال صوتي كما كان يقول جميع من يستمع إليه، تكرر الأمر خلال مشاركتنا في المسابقات الرياضية، وهنا أذكر الاحتفال الذي أقيم في حمام "يلبغا" الأثري بمناسبة فوز منتخب "حمص" ببطولة الجمهورية التي جرت حينها في مدينة "حلب"، حيث قرر المنظمون تكريمنا على ما أنجزناه من حصدٍ وفيرٍ لألقابها، حينها بادرت إلى تصميم لوحةٍ راقصة شاركت بها منتخبات المحافظات المشاركة جميعها، وقد لاقت ترحيباً وإعجاباً من عموم الحاضرين، هذا الاهتمام بفنِّ الرقص ازداد تدريجياً لحين دخولي مهنة التعليم، وبدأت بتشكيل الفرق الراقصة في المدارس التي عينت فيها، وتدريبهم على الرقص الغنائي التعبيري ورقص "السماح"، أوّل لوحةٍ قدمتها بعنوان "مواسم" من مؤلفات الراحل "زكي ناصيف" في حفلات التنسيب التي كانت تجري العادة على إقامتها كلَّ عام، كانت مع طلبة إعدادية "الغوطة" كما كان اسمها آنذاك، القائمون على المسرح المدرسي أثارتهم جمالية العروض التي كنت أقدمها مع طلبتي في جميع المدارس التي وجدت فيها، وأصبحت مفرَّغةً للعمل مع منظمة "طلائع البعث" ودائرة المسرح المدرسي في مديرية التربية، لوحاتي الراقصة كانت موجودةً في جميع المهرجانات المركزية التي كانت تقيمها المنظَّمة كلَّ عام في إحدى المحافظات، هذا كان يحمِّلني مسؤوليةً أكبر تجاه الالتزام بنجاح ما أقوم به مع الأطفال والشباب الصغار، تجلى ذلك في تصميمي للّوحات الراقصة وتدريبي نحو عشرة آلاف طفلٍ مع زملاء لي في المهرجان القطري لـ "طلائع البعث" والذي جرى في مدينة "حمص" عام 1993، تلك كانت لحظات لن تنسى، وأنا أشاهد نجاح مدينتي وأطفالها أمام الملايين من السوريين عبر شاشات التلفزة، هذا النجاح تكرر من خلال عملي مع منظمة "شبيبة الثورة" في المهرجانات المركزية التي كانت تجري سنوياً في ذكرى تأسيسها، وكانت الفرقة التابعة لفرع "حمص" تفوز بالمرتبة الأولى دوماً منذ عام 2003 ولسبعة أعوامٍ على التوالي».

صدقية الشبعان مع فرقة رقص السماح

عن رقص "السماح" وإحيائه وتفاعل الجمهور معه أضافت قائلة: «من خلال عملي في المسرح المدرسي ومع منظمة "طلائع البعث" تعرَّفت على الفنان "محمد بري العواني" وهو من فناني مدينة "حمص" المعروفين، ومدير لنادي "دوحة الميماس" الموسيقي والتمثيلي، تعاونت معه منذ عام 1998 وقدَّمنا أعمالاً رائعةً في كلِّ المهرجانات التي ذكرتها سابقاً، ولكن انضمامي عام 2004 للنادي الذي يقدَّم الموسيقا الشرقية المشبعة بالأصالة والتراث، دفعني للاهتمام أكثر برقص "السماح" الذي كنت أظهره في مشاركاتي سابقاً ولكن بطريقةٍ مختلفة وفق نوع الموسيقا المرافقة، لكن هنا كان له شكلٌ آخر من ناحية العرض والملابس والصورة البصرية للجمهور، وجودي في النادي جعل اطلاعي أوسع على موسيقا الموشحات والأدوار ومعرفة تقسيمات أوزانها، قدَّمنا عروضاً في مناسباتٍ عدَّة أهمها العيد الماسي للتأسيس عام 2009، وبعد عامٍ شاركنا في حفلٍ رعته نقابة الفنانين وجرى على مسرح سينما "الكندي" وقد لاقت العروض إعجاباً لافتاً، سبقت ذلك مشاركتي مع فرقة نادي "الخيام" في مهرجان "الاسماعيلية" الثقافي عام 2005، حيث طلبوا مني مرافقتهم وتقديم لوحاتٍ لهذا الرقص من تصميمي وتدريبي، وقد كان عرضاً لافتاً لأنظار الحضور، وحتى المسؤولين عنه قدَّموا لي على إثرها عرضاً بالبقاء والتدريب ولكني رفضت لعدم قدرتي على العيش خارج "حمص" مطلقاً، أمَّا آخر مشاركاتي مع نادي "دوحة الميماس" فكانت خلال أمسيةٍ رائعةٍ قدِّمت ضمن فعاليات مهرجان "الثقافة الموسيقية" التاسع عشر الذي جرى مؤخراً، رأيت فيها محبة الناس لما قُدِّم ومحبتهم الشخصية لي، وخاصةً عندما ألتقي بشبابٍ كانوا من سنواتٍ طويلةٍ خلت أطفالاً راقصين معي، جاؤوا ليشكروني على العروض ويحملون الامتنان لي على عملهم معي، هذه هي سعادتي الكبرى في الحياة ومع أبناء مدينتي التي أحبُّها».

"محمد بري العواني" مدير نادي "دوحة الميماس" عنها يقول: «برأيي إنَّ "صدقية الشبعان" هي إحدى اهم مصممات ومدرِّبات رقص "السماح" في "سورية" والوطن العربي، هذه حقيقةٌ تشهد عليها وتؤكدُّها تلك العروض الفنِّية التي قدَّمتها مع الأطفال والكبار منذ عام 1998 حيث تعرَّفت عليها آنذاك، برعت في المزج بين تقنيات رقص "الباليه" من حيث حركات الأرجل والذراعين، مع حركاتٍ من الرقص الشعبي التراثي، وعيها لأهمية العلاقة بين الرقص والفضاء المسرحي حوَّلته إلى احتفال مسرحيٍ خلاَّبٍ ومبهج للجمهور، أبدعت في خلق صورٍ بصريةٍ تشغل عقل المشاهد تحليلاً لها، هي وريثةُ "أبو خليل القباني" رائد تطوير رقص "السماح" ما أنتج نهجاً إبداعياً يحمل اسمها وتوقيعها الخاص».

مشاركتها الأخيرة مع نادي دوحة الميماس في مهرجان الثقافة الموسيقية التاسع عشر

"محمد خير الكيلاني" الممثل المسرحي والصحفي عنها قال: «عرفتها في بداياتها صاحبة مواهب خلّاقة ومبدعة، إن كان كرياضيةٍ متميّزة صاحبة بطولات على مستوى الجمهورية، مع صوتها الجميل والأخَّاذ، ابتعادها عن الرياضة عوَّضته بإبداعها الفنِّي مع رقص "السماح" الذي أعطته بمحبة وفرح للأطفال الذين أشرفت على تدريبهم في المهرجانات الطلائعية والشبيبية، نجاح أعمالها يشهد على براعتها وتميّزها، وأهم ما يميّزها برأيي هو صدقها وإحساسها العاليين تجاه المحيط الذي تعيش فيه وأقصد هنا بالطبع مدينة "حمص"».

أخيراً نذكِّر بأنَّ "صدقية الشبعان" من مواليد "حمص" عام 1965.

الفنان محمد بري العواني مع صدقية الشبعان وابنتها سارة