كان طموحها أكبر من الظروف التي كانت تسود في القرية حين كان التعليم محرّماً على المرأة، لتنال "جورجيت عبدوش" شهادة دار المعلمين، ثم تعود لتحصيل الثانوية، وتعمّق دراستها في الجامعة، اختصاص لغة عربية، وتصبح مرجعاً لكل محتاج.

مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 7 تموز 2019، التقت المربية "جورجيت عبدوش" لتحدثنا عن طفولتها ودراستها قائلة: «ولدت في عائلة مكونة من خمسة أفراد، أمي التي تقدمت عصرها، وصممت على تعليمي حتى وصلت إلى ما أنا عليه. لم يقف طموحها عند حدّ، بل حثتني وإخوتي لنصل إلى الأفضل، كانت خيّاطة، وأبي يعمل في البناء، وعندما بلغت سنّ المدرسة أرادت والدتي العيش في "حمص" لننال التعليم فيها، فدرست في مدارسها، وتخرّجت من "دار المعلمين والمعلمات" في "دمشق"، ونلت الدرجة الأولى، وكان ذلك عام 1961-1962، ومكافأة لي تمّ تعييني في قريتي "كفرام"، ولما كان محرماً على الفتاة الدراسة في قريتي، كان هدفي الأول محو الأمية فيها، فبنات جيلي كنّ فلاحات أو يمارسن الخياطة، وشجعت الأخريات للدراسة.

عملت المربية "جورجيت" في مدرسة "كفرام" الابتدائية، ورأت التعليم رسالة وليس مهنة، لذا كانت تقبل التلميذ كما هو، وتعمل على تشجيعه ليتقدم، ونسجت علاقة مميزة بربط الأهل بالمدرسة، وذلك باطلاع الأهل على مستوى أبنائهم وسلوكهم. تميزت باعتمادها الطرائق الحديثة في التعليم التي تجعل التلميذ محور العملية التعليمية، فكانت علاقتها مع التلاميذ ديمقراطية، وتساعدهم على التقدم، وكانت تسعى لربط البيت بالمدرسة ليقف أهل التلميذ على مدى تقدمه، ونتيجة تميزها كان مدرّسو إعداد المعلمين يتسابقون لتكون تطبيقاتهم عندها

خلال عام 1964 حصلت على الثانوية الفرع الأدبي، ودرست بجامعة "دمشق"، قسم لغة عربية، وتخرّجت فيها عام 1969، ثم انتقلت للتدريس بمدينة "حمص" في ثانوية "القدس"، و"الغسانية" حتى عام 1979، ثم ذهبت إعارة إلى "اليمن الجنوبي" لثلاث سنوات، وبعدها عدت إلى مدينة "حمص" في مدرسة "خولة بنت الأزور"، وبقيت فيها حتى التقاعد».

المربي إبراهيم خوري

وعن أهم نشاطاتها في المرحلة الابتدائية قالت: «أقمت نشاطاً كان الأول على مستوى المنطقة، بحضور جماهيري وشعبي، وضمّ أربعين طفلاً وطفلةً، حيث قمت بتدريبهم في لوحات جماعية راقصة، مع الغناء، وتصميم اللباس لهم، وهذا النشاط كان داعماً لحب المدرسة، وحرصاً مني على تنمية مهارات عدة لدى التلاميذ. أما عن طلابي في المرحلة الثانوية، فقد ابتكرت لكل بحر أغنية على لحن أغنية دارجة لتسهيل فكرة العروض لهم، فمثلاً البحر الوافر: "سكابا يا دموع العين سكابا"، مفاعل مفاعيل فعول، والبحر البسيط: "عالروزانا عالروزانا"، مستفعل فاعلن مستفعل، وكانت نسبة نجاح الطلاب 80%، وهي نسبة أعتزّ بها. ولما كنت في "حمص" كان طلاب معهد إعداد المدرّسين يحضرون حصصي التعليمية كدروس نموذجية ليتعلموا طريقة تنفيذ الدروس وإيصال المعلومة إلى الطلاب، وقد تكرّمت مرتين من مديرية التربية في المرحلة الابتدائية، ومرتين عن عطائي في المرحلة الثانوية».

ويحدثنا المربي "إبراهيم خوري" عن معرفته بالمربية "جورجيت" قائلاً: «عملت المربية "جورجيت" في مدرسة "كفرام" الابتدائية، ورأت التعليم رسالة وليس مهنة، لذا كانت تقبل التلميذ كما هو، وتعمل على تشجيعه ليتقدم، ونسجت علاقة مميزة بربط الأهل بالمدرسة، وذلك باطلاع الأهل على مستوى أبنائهم وسلوكهم. تميزت باعتمادها الطرائق الحديثة في التعليم التي تجعل التلميذ محور العملية التعليمية، فكانت علاقتها مع التلاميذ ديمقراطية، وتساعدهم على التقدم، وكانت تسعى لربط البيت بالمدرسة ليقف أهل التلميذ على مدى تقدمه، ونتيجة تميزها كان مدرّسو إعداد المعلمين يتسابقون لتكون تطبيقاتهم عندها».

المربي فيليب بشور

المربي "فيليب بشور" قال: «إن قرية "كفرام" محظوظة بعودة ابنتها المتفوقة "جورجيت" للتعليم فيها؛ ولا سيما أنها المرأة الأولى التي أصبحت مربية في المنطقة، وفي جبل "الحلو" تحديداً، وعندما دخلت ميدان التعليم كانت تستخدم وسائل الإيضاح المتوفرة في البلدة، وتتابع تلاميذها متابعة دقيقة من حيث حسن القراءة والاستيعاب، وسلوكهم، وتعاملهم من دون تمييز؛ وهو ما ترك أثراً طيباً عند الذين أصبحوا معلمين أو أطباء أو مهندسين، وكانت تشارك في إقامة الاحتفالات الوطنية، وتكوّن فرقاً فنية من أجل ذلك، وكان عملها رائداً. إن المربية "جورجيت" شعلة من الطاقة والطموح، عمقت دراستها بعد "دار المعلمين والمعلمات" إلى أن تخرّجت في الجامعة، اختصاص لغة عربية، وانتقلت للتدريس في "حمص" بعدها لمدة ثلاثين عاماً، كانت تشرف على الدروس النموذجية في اختصاصها، وقد تميزت بمادتي البلاغة والعروض. إن المربية "جورجيت" لم تتعرض خلال مسيرتها التعليمية لأي عقوبة، بل نالت التقديرات والتكريمات، وكانت على جانب كبير من الاحترام من رؤسائها وزملائها وطلبتها وكل من عرفها».

يذكر، أن المربية "جورجيت عبدوش" من مواليد "حمص"، قرية "كفرام"، عام 1944.