امتلك من الحس الجمالي ما ميزه عن أقرانه، فهو المتسلح برؤية فنية وقوة لغوية مكّنته من إثبات نفسه في الساحة الثقافية، ليجمع العلم والأدب والعمل التطوعي في شخصه.

مدونة وطن "eSyria" تواصلت بتاريخ 9 شباط 2018، مع الشاعر "جون المحو" ليخبرنا عن قصائده الأولى، حيث قال: «كان والدي رحمه الله مدرّساً من الجيل الأول، وكان مميزاً في اللغة العربية، وامتلك موهبة شعرية تجسدت في العديد من القصائد الزجلية والفصحى، ولما كنت أستسيغ الشعر وجدت فيه بوابة للولوج إلى مكنونات نفسي وطريقة للتعبير عن مشاعري، حيث بدأت محاولاتي الشعرية في المرحلة الإعدادية، ولم تكن شعراً، لكنها كانت تعبيراً عن خلجات روح قررت أن تتفتح تحت ضوء القصيدة، وقد تركني والدي أنمو كشجيرة بلا تقليم، حيث كان يعطيني ملاحظاته حول الأوزان والبحور الشعرية مع الكثير من التشجيع للاستمرار، ولأنني كنت متفوقاً في جميع مراحل دراستي؛ فقد نالت اللغة العربية اهتمامي الأول، ورحت أصقل موهبتي بالكثير من الدراسة، وبدأ شعري يتزّن من دون أن أشعر، ثم شجعني صديق لي على النشر في صفحة "على طريق عبقر" في مجلة "العروبة"، وقد لاقيت تشجيعاً كبيراً من محرر الصفحة الأستاذ "غسان طعمة"، وبدأت أنشر كل أسبوع، ثم نشرت عدداً من القصائد في صحف "البعث، والثورة، وحمص" ومجلة العربي».

أعشق شعر الزجل بأوزانه وألحانه، لكنه حتى اليوم عبارة عن هواية لا أفكر في توثيقها بعد، وإنما أعدّها تعبيراً لحظياً بسيطاً وسلساً لمشاعر آنية أو مناسبات عابرة أمرّ بها، وقد شاركت في أكثر من أمسية في قريتي، وأهمها مهرجان "مار إلياس" السنوي، كما شاركت في مهرجان "صدد"

أما عن بوح قصيدته، فقال: «أكتب الشعر الفصيح العمودي من دون غاية سوى أن أعبر عن مشاعري، وما في داخلي من آراء ومواقف، ولما لم أكن من محبي الشهرة أو النشر والمشاركة في أمسيات أو نشاطات، فقد تأخرت في جمع قصائدي ضمن كتاب حتى اقترح صديقي المهندس "جورج عطية" جمعها وطباعتها، وهكذا كان كتابي الأول ديوان "بوح اليراع" عام 2003، ثم ديوان "في مهب الروح" عام 2008، ولدي عدد من القصائد المتفرقة التي أسعى إلى نشرها قريباً، كما انتهيت من مخطوطة نثرية جاهزة وهي بعنوان: "قلم وحفنة من النور"، سأقوم بنشرها في وقتٍ لاحقٍ، وجُلّ شعري في المنحى الغزلي أو النقد الاجتماعي، حيث إن كتاباتي جزء لا يتجزأ من روحي وقناعاتي ومبادئي التي لا أتخلى عنها. و أعدّ الشعر لغة الروح، ولا فرق عندي بين الفصحى والعامية، طالما نرسم بالكلمات ألحاناً نعبر بها عما يجول في خاطرنا، ولإدراكي أن المرأة في وطننا تصنع مجتمعاً متكاملاً فقد جسدتها بكل حالاتها، فهي الأم والأخت والمربية والعاملة، وهي كمخلوق إغريقي خيالي يحمل كتلة من المشاعر يصعب تجسيده ووصف مشاعره وخلجاته بالكلمات أو الشعر، فيها صلاة خالصة للمحبة، وترنيمة تستحق الإنشاد».

بوح اليراع

وقد كتب فيها قصيدة بعنوان: "قلادةُ الهُنَّار"، ومنها هذه الأبيات:

"هَلْ وصْفُ حُسْنِكَ يا حبيبُ حَرامُ؟

في مهب الروح

أَمْ أَنَّ شِعْري إِن ْ وَصَفْتُ يُلامُ؟

عَبَثاً أُحاوِلُ وصْفَ تِرْبٍ للنَّدى

زياد حداد

وأَمامَهُ كلُّ الحروفِ هُلامُ

وجْهٌ تباركَتِ السَّماءُ بنورِهِ

يَهْمي حَياءً.. والحَياءُ مُدامُ

شَفَّ الأَريجَ مِنَ الدُّنى فَإِذا انْتَشى

عَبِقَتْ بمِسْكِ أَديمِهِ الأَنسامُ

الشَّعْرُ تِبْرٌ واللُّجَيْنُ جبينُهُ

والخَدُّ وَرْدٌ واللِّحاظُ سِهامُ

والعينُ سِحْرٌ والرُّموشُ مَناسِرٌ

والجِيْدُ صُبْحٌ والدُّموعُ رِهامُ

والثَّغرُ سُكَّرَةٌ وأَطْيابُ اللَّمَى أَرْيٌ

وماءُ الزَّهْرِ فيهِ يَنامُ

في عُرْوَةِ الشَّفَتيْنِ أَسْرارُ الحَلا

وقلادةُ الهُـنَّارِ والأَنغامُ

فالطَّعْمُ عـنَّابٌ وفِعْلُهُ بَلْسَمٌ

والصَّوتُ غُنْجٌ والحديثُ غَرامُ

كلُّ الطُّيوبِ أَمامَ نَشْرهِ حُرِّمَتْ

وأَمامَهُ كُلُّ البدورِ ظَلامُ

وبِغَيْرِ ريقِهِ كلُّ شَيْءٍ عَلْقَمٌ

والفطِرُ إِلاَّ مِنْ لَمَاهُ صِيامُ

فسلامُ قلبي للجَمالِ وطُهْرِه ِ

وَلِمَنْ تجَلَّى واصْطَفاهُ سَلامُ"

وتابع بالقول: «أعشق شعر الزجل بأوزانه وألحانه، لكنه حتى اليوم عبارة عن هواية لا أفكر في توثيقها بعد، وإنما أعدّها تعبيراً لحظياً بسيطاً وسلساً لمشاعر آنية أو مناسبات عابرة أمرّ بها، وقد شاركت في أكثر من أمسية في قريتي، وأهمها مهرجان "مار إلياس" السنوي، كما شاركت في مهرجان "صدد"».

وحول عمله الطوعي في قريته، قال: «قريتي ريفية صغيرة تدعى "فيروزة"، وتشتهر بزراعة اللوز والعنب والزيتون، كما أن ربيعها دائم الخضرة كما كل فصول السنة، وتشبه قلوب أهلها؛ فمع تغرّب نسبة كبيرة منهم، إلا أنها لم تفارقهم لحظة واحدة، ومع بدء الأزمة في بلدي الحبيب ونتيجة عملي التطوعي السابق، حاولت أنا ومجموعة من أصدقائي أن نقدم ما نستطيعه وعلى قدر إمكانياتنا لمساعدة كل فئات مجتمعنا، فكوّنا فريق عمل تطوعياً تحت مسمى حملة الوفاء لـ"فيروزة"، وكانت أبرز نتائجه ملتقى الوفاء، وهو نواة لمكتبة للكبار والأطفال تضم نحو 400 كتاب، ومدينة ملاهٍ صغيرة، وقمنا بافتتاح منزل الوفاء، وهو بيت عربي يستضيف آباءنا من كبار السن ليمارسوا نشاطاتهم مجاناً فيه، كما يتم افتتاح دورات تعليمية للطلاب في الشهادتين، ودورات تعليم موسيقا، وورشات لتعليم الرسم، وغيرها من الأنشطة المجتمعية، وكل ذلك كان بدعم من أهل قريتي الأوفياء، كما قدمنا منحاً مادية لبعض الطلبة والحالات المرضية والأسر المحتاجة، وعلى الرغم من شعوري بأن يومي مملوء بالعمل، ولا أجد وقتاً للراحة، إلا أن كل أنشطتي عبارة عن إكمال لدوري كشاعر، فالشاعر الذي لا يكون طفلاً وشيخاً وإنساناً، تسقط حروفه على الورق سقوط أوراق الخريف من دون معنى أو فائدة، فلا تعنيني كل ضروب الشعر والشعراء مهما كان مدى إبداعها، إن لم يمارس الشاعر ما يكتبه على أرض الواقع في حياته».

كما تواصلت المدونة مع الشاعر "زياد حداد" ليحدثنا عن تجربة "جون" الأدبية، حيث قال: «يتميز شعره بالألفاظ الجزلة القوية، فمع قوتها، إلا أنها ليست ثقيلة على الأذن، حيث تأتي بجرس موسيقي بديع يدغدغ روح القارئ، ويعتمد صوراً بيانية جميلة تحسن قصائده وتعزز معانيها، وهو لا يلجأ إلى التكرار، وإنما يهتم بالتجديد والشفافية ورهافة الحس، وكأنه في رحلة من التفاصيل تختزل الأفكار والصور بقدرة إبداعية، وترتدي في كل مرة مدركات متنوعة ذات ملمح خلاق ضمن نسق متوازن ومتنوع، وتواضعه يقوده إلى الابتعاد عن الأضواء والأمسيات، وفي هذا ظلم له ولجمهوره».

الجدير بالذكر، أن "جون عبد المسيح المحو" ولد في "ريف حمص" الشرقي في قرية تدعى "فيروزة" عام 1974، وهو خريج كلية "حمص"، قسم الهندسة البتروكيميائية، ويعمل حالياً مهندساً في الشركة العامة لمصفاة "حمص"، كما يزاول مهنة حرة في مجال صيانة الحاسوب لشغفه الكبير في الإلكترونيات، إضافة إلى هوايته الأدبية.