مهندس ميكانيك، نجح بصناعة أكثر من مئتي آلة ومحرّك ميكانيكي بجهده وإبداعه، يبدأ بالفكرة، ثم التصميم، فالتنفيذ، يحوّل الخردة وبقايا المحركات -بمعايير علمية وفنية- إلى آلات صناعية تؤدي النتائج المرغوبة.

زارت مدونة وطن "eSyria" المهندس "عطية جرجس" بتاريخ 21 حزيران 2017، في منزله بقرية "عين الباردة" بريف "حمص" الغربي، ليحدثنا عن بداياته، فقال: «تخرّجت في كلية هندسة الميكانيك، جامعة "حلب" عام 1989، وكان ترتيبي السادس على دفعتي، وبسبب ظروف شخصية قاسية، لم أستطع إكمال الدراسات العليا مع أن علاماتي تؤهلني لذلك، ودخلت سوق العمل كمهندس. صحيح أنني كنت مهتماً كثيراً بعملي، لكن الضغوط والظروف كانت صعبة، فكان لا بد من البحث عن مصدر آخر للعيش والاعتماد أكثر على الذات.

عندما سمعت عنه، ثم ذهبت إلى مكان عمله، فوجدت ورشة صغيرة لا تدل على نوعية الإنتاج الذي تحدث الناس عنه، طلبت منه أن يصنع آلة لتكسير الحطب، وعندما أنهاها تفاجأت بالأسلوب والنتيجة الممتازة جداً، بعد هذا بدأ يصنع مختلف أنواع الآلات، مثل: الحقن والتعبئة، وجميعها كانت تضاهي الآلات المستوردة، وتتميز بالسهولة وعدم التعقيد، هو شخص مبدع مبتكر، وبالوقت نفسه إنسان متواضع، وطيب القلب

وفي عام 1995، حدث معي ما كان محفزي والدافع لعملي؛ كان لدي آلة هندسية معطلة، أخذتها إلى فنّي صيانة، وعندما أصلح العطل، دهشت لأنه كان خبيراً، واستطاع بخبرته أن يغيّر مكان "إسوارات" المحور المعطل التي لا تزيد مدة صلاحيتها عن سنة أو أكثر بقليل، ويستبدلها بـ"رولمانات" تعمل لعشر سنوات على الأقل؛ وهذا أمر ليس سهلاً، وهنا بدأت التفكير بأن أصمّم أنا ذاتياً آلات ومكنات إنتاجية تقوم بأعمال مطلوبة من قبل الزبائن وكان القرار حينئذٍ أن تكون هذه مهنتي، وهذا عملي».

حلزون رفع مع خلاط ومكنة كبس وخط سير لإنتاج الفحم الصناعي

وعن بدايات العمل وصناعة الآلات يضيف "جرجس": «بعد هذا القرار كان يجب أن أشتري مخرطة معادن، وكان ثمنها غالياً؛ وهو ما رتب علي تكاليف والتزامات إضافية، لكنني استطعت شراءها، لكن هذا لا يكفي، فالعمل بحاجة إلى خبرة ومهارة، وبعد مرور عام كان بمقدوري أن أعمل عليها كما هو مطلوب، وأن أصنع كل مقاييس وأحجام المعادن، ومن هنا بدأت رحلة الصناعة وإنتاج الآلات والمحركات، وفي عام 2000 طلب مني أحد الأشخاص صناعة آلة لطحن الأخشاب وتنعيمها ليستخدمها في مجال الدواجن، وتم إنجاز هذه الآلة بعد شهرين، وكانت نتائجها ممتازة، وبعد مدة طلب مني شخص آخر صناعة آلة تقوم بطحن بقايا الأشجار لاستخدامها في دعم التربة الزراعية، وتمكنت من صنعها على الرغم من وجود بعض الصعوبة؛ لأن على هذه الآلة طحن أي نوع من الأشجار من دون استثناء، وبصرف النظر عن درجات الصلابة، ومرة صنعت آلة واحدة تعمل على مجموعة الكهرباء ومجموعة الديزل، وفيها أدوات قص وجلخ جميعها ضمن كتلة هندسية واحدة، وهذه الآلة تستطيع التنقل ضمن الأراضي والمعامل بسهولة.

وبعد أن زادت خبرتي وقدرتي على الصناعة، أصبحت قادراً على صناعة مختلف أنواع الآلات والمحركات، مثل: آلات تعبئة وتغليف، ومراوح لإنتاج الطاقة الكهربائية، وآلات طحن، ومكابس، وغيرها الكثير متعدد الاستخدامات والوظائف صنعتها كلها بمفردي، فأنا أصمّم الآلة وأنا أحضر موادها الأولية، وأقوم بتطبيقها ضمن المعايير العلمية والفنية الصحيحة إلى المرحلة الأخيرة؛ وهي الطلاء، فأنا أقوم».

فرامة أغصان شجر

وعن صناعة خطوط الإنتاج بالكامل، يوضح "جرجس": «في عام 2012، طلب مني أحد الأشخاص من محافظة "طرطوس" صناعة آلة ليست فقط للطحن، وإنما تنتج قوالب دائرية من مخلفات الأشجار لاستخدامها في التدفئة؛ وهذا يعني أننا بحاجة إلى آلة تقوم بعملية طحن المفرزات ثم تنعيمها، ثم عجنها بمادة لاصقة، وأخيراً قصها بقوالب؛ أي إن الآلة تحولت إلى خط إنتاج، وهنا كان الانتقال من مرحلة وظيفية واحدة إلى عدة مراحل ووظائف مختلفة الاستخدامات؛ وهذا تمّ فعلاً، فصمّمت الآلة وطبقتها كما هو مطلوب، بعدها قمت بصناعة ذات الآلة لأحد الأشخاص من ذات المحافظة، وكان يعمل بمديرية زراعة "طرطوس"، فاقترح الفكرة على مجلس المديرية حيث طلبوا لقائي، وتم الاتفاق على صناعة هذه الآلات لمصلحة مديريات الحراج التابعة للمحافظة، وبقيت نحو خمس سنوات أصنع لهم هذه الآلات، بعد هذه الآلة المتعددة الاستخدامات، بدأت صناعة خطوط إنتاج كاملة ذات مراحل متعددة ووظائف مختلفة، واليوم أقوم بصناعة خط إنتاج كامل لمعمل؛ وهو عبارة عن تحويل "التمز"؛ أي مخلفات عصر الزيتون إلى قوالب؛ وهذا خط إنتاج غير موجود في "سورية"؛ وهو يتألف من سبع مراحل، وهي: مرحلة الغربلة الأولى، ثم الغربلة الثانية، ثم مرحلة الكسر، تليها مرحلة الخلط، ويتبعها الحقن، وبعدها مرحلة التجفيف، وصولاً إلى التعبئة؛ وهذا يعني صناعة معمل كامل بسبع آلات وسبع وظائف وصولاً إلى النتيجة المطلوبة منه».

وعن القيمة التي يحصل عليها الناس من ابتكاره للآلات الميكانيكية، يتابع "جرجس": «في الحقيقة إن القيمة التي تعود على الشركات والمعامل أو المؤسسات سواء بالقطاعين الخاص والعام، ليست فقط الخدمة التي تقدمها الآلة لهم، وإنما يوجد عدة أمور أخرى يستفيدون منها، أولاً: إن ابتكار الآلة وصناعتها يوفر أكثر من نصف ثمن استيرادها من الخارج؛ فالآلة التي يصل ثمنها إلى عشرة آلاف دولار، نستطيع صناعتها بأقل من نصف السعر. ثانياً: الصيانة؛ فعند تصنيع الآلة محلياً، نأخذ بعين الاعتبار أن تكون الصيانة سهلة، والقطع جميعها متوفرة في الأسواق، أما إذا استوردنا الآلة من الخارج، فحتماً نحن بحاجة إلى الخارج لصيانتها، ناهيك عن اختلاف الخبرات بين الأشخاص وهدر الوقت.

مكبس هيدروليك متعدد الاختصاصات

أنا أؤمن بالبحث العلمي والدراسات العلمية لنكون قادرين على إنتاج كل الأشياء التي لها علاقة بهندسة الميكانيك محلياً؛ إذ لدينا من الخبرات والمهارات ما يكفي».

المهندس "سامر حشيمي" من الأشخاص الذين تعاملوا مع "عطية جرجس"، واختبروا أهمية ابتكاره وإبداعه بصناعة الآلات والمحركات الميكانيكية، قال: «عندما سمعت عنه، ثم ذهبت إلى مكان عمله، فوجدت ورشة صغيرة لا تدل على نوعية الإنتاج الذي تحدث الناس عنه، طلبت منه أن يصنع آلة لتكسير الحطب، وعندما أنهاها تفاجأت بالأسلوب والنتيجة الممتازة جداً، بعد هذا بدأ يصنع مختلف أنواع الآلات، مثل: الحقن والتعبئة، وجميعها كانت تضاهي الآلات المستوردة، وتتميز بالسهولة وعدم التعقيد، هو شخص مبدع مبتكر، وبالوقت نفسه إنسان متواضع، وطيب القلب».

يذكر أنّ "عطية جرجس" من مواليد "عين الباردة"، ريف "حمص"، عام 1964.