على أنغام العود أمضى الحرفيّ "مهيب عبود" تعلّم حرفة النحت على الخشب، فتميّز بتصميم القطع الفنية ذات الطابع الديني والمعالم السياحية الدقيقة بعد أن عجز عنها أمهر الحرفيين.

امتلك "مهيب عبود" أكثر من موهبة، لكنه اختار حرفة النحت على الخشب لتكون ظلّه الذي يرافقه في الحياة، وتحقّق له حياة كريمة يرضى عنها، وكان جلّ اهتمامه أن يصمّم قطعاً فنية لا تزول.

سنة 1997 عُرض علي "موديل" لأيقونة، وطلب مني أن أعمل مثله، وأنا بطبيعتي أعشق العمل الصعب؛ فبدأت تصميم أيقونات صغيرة ذات دلالات سياحية ودينية، تُحمل كتذكار، أو تعلّق على الأبواب، أو تزين بها البيوت، وبيعت هذه الأعمال في عدد من البلدان الأوروبية والأجنبية كاليونان وروسيا

مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 10 كانون الثاني 2017، التقت الحرفيّ "مهيب عبود" ليسترجع أهم ذكرياته التي أثّرت في تكوين شخصيته، وكان لها دور كبير في اختيار طريقه، وتنمية مواهبه الفنية، حيث قال: «أنا أعشق الموسيقا، وآلة العود رفيقتي الوحيدة؛ علماً أنني لست محترفاً وأعتمد العزف السماعي، وجميع أفراد عائلتي يعزفون مختلف الآلات الموسيقية.

مع رفيقه الدائم

كل إنسان في داخله أشياء جميلة، فما بالك الموهوب الذي امتلك بيئة فنية منوعة ساهمت بتنميتها وإغنائها؟ محطتي الأولى في السبعينيات، وهي ذكريات من طفولتي، وما زلت أحتفظ بالمشاعر التي كانت تنتابني حينئذٍ، حيث كنّا نجتمع مع حلول المساء في بيت جدي بقرية "القريا" التابعة لمحافظة "السويداء"، مع الأهل والأصدقاء لنسمع عزفه على الربابة وهو يقول "القصيد"».

وعن حرفة النحت وصناعة الأعواد الموسيقية، قال: «تابعت تعليمي في "دمشق"، وكنت من المتفوقين، كما كنت أتردّد إلى منشرة تخص زوج خالتي الحرفي "فوزي النهار" الذي اشتهر بصناعة الأعواد الموسيقية، وحينئذٍ بدأت أتعلم منه صناعة الآلات الوترية بما يناسب عمري، وأول عود صنعته كنت في السابعة عشرة.

"السمكة الخشبية" من أعماله الفنية التي بيعت في بلاد أجنبية

كنت أرغب بمتابعة تحصيلي العلمي، لكن الظروف شاءت أن أمتهن حرفة النحت على الخشب، بسبب انتقال والدي من "دمشق" إلى قريته "القلاطية" التابعة لمحافظة "حمص"، قبل أن أحصل على البكالوريا؛ وهو ما أثّر في دراستي ومنعني من الحصول على علامات كافية تؤهلني لدراسة الفرع الذي أحبّ، وهو "الحقوق"».

وتابع سرد حكايته مع بداية المهنة: «إنني مؤمن بأن على الإنسان أن يحب العمل الذي يمتهنه، أدرت دفة حياتي باتجاه العمل الحرفي، ووجدت في الطبيعة السكون والهدوء، فشعرت بالراحة. ورؤيتي للوديان والتضاريس وأشجار البلوط والأشجار الحراجية ساهمت بإشعال موهبتي؛ فكنت أتخيل أغصان الأشجار تحفاً فنية. وكنت أقلّد التحف ذات الطابع القديم بعد أن أضفي عليها لمساتي الفنية الخاصة فتشعرني بكمالها.

من أعماله

وأعتمد مبدأ التوصيل في أعمالي كي لا أهدر الخشب. في بداياتي طُلب مني أن أصمّم تسعة آلاف قطعة فنية، فقصصت خشباً لألفي قطعة فقط، وكان هناك شخص يتابع العمل ويعدّ القطع، وفي إحدى الليالي اتصل بي وقال إن هناك عدداً من القطع المائلة، وعندما علمت أن الميلان 2مم ولعشرين قطعة فقط، ضحكت وأخبرته إن الحاسوب يخطئ أكثر مني، ورفضت أن أتماشى مع الربح الخيالي للتجار؛ فأنا فنان ولست تاجراً؛ مع العلم أن القطع التي أصمّمها يصعب تقليدها لحرفيتها».

أما عن الفترة الذهبية في حياته، التي ميزته عن غيره من الحرفيين، فقال: «سنة 1997 عُرض علي "موديل" لأيقونة، وطلب مني أن أعمل مثله، وأنا بطبيعتي أعشق العمل الصعب؛ فبدأت تصميم أيقونات صغيرة ذات دلالات سياحية ودينية، تُحمل كتذكار، أو تعلّق على الأبواب، أو تزين بها البيوت، وبيعت هذه الأعمال في عدد من البلدان الأوروبية والأجنبية كاليونان وروسيا».

تميز بتصميم (السمكة الخشبية) التي لها رمز ديني وجمالي منذ سبع سنوات، وصنعها بأشكال مختلفة، حيث قال: «أستعمل خشب الزيتون؛ لأن عرقها جميل وألوانها جميلة، وهي شجرة السلام المقدسة، وأنتقي الخشب الخالي من السوس أو الاهتراء وأنشره بثخانات معينة، ثم أستوحي الشكل حسب طول الخشب والعرق، فأصمّمها كاملة بأحجام ومقاسات مختلفة، والسمكة تتكون من 12 مقطعاً مغزلياً؛ وهو رمز لعدد كتب الإنجيل وعدد تلاميذ السيد "المسيح"، والسمكة التي أصنعها تباع في معظم البلاد الأجنبية، هناك من قلّدها، لكنها لم تكن بذات الدقة والمهارة، كما أنني صنعت أدواتاً خشبية وقطعاً فنية مختلفة كبيرة وصغيرة، وعملت مشاريع تخرج لطلاب الهندسة كقرى سياحية، وصنعت حبات السبحة من الخشب».

زميله في المهنة "ألبير جمل"، تحدث عن معرفته بالفنان "عبود" وما تركه من أثر، فقال: «تعاملت معه بداية التسعينيات، إذ تعرفت إليه من خلال عملي بمجال التذكارات الدينية الخاصة بالكنائس والأديرة، فنان متعدد المواهب؛ فهو عازف وصانع لعدد من الآلات الموسيقية الوترية، ولديه بال طويل بإنتاج القطع الصغيرة والدقيقة، التي تصعب علينا، مثل أبواب الهياكل، وصلبان الكهرباء ذات الحجم الدقيق، وهمّه جودة ونظافة العمل الفني؛ فالسمكة الخشبية التي يصنعها من خشب الزيتون القاسي أرسلناها إلى "الصين" لصناعة مثيل لها، فاعتذروا لصعوبة ودقة عملها، وتعدّ أسعاره مقبولة جداً بالنسبة للسوق وإنتاج المعامل.

صمّم العديد من الآلات التي تسهل عمله، وهذه الأعمال الحرفية تحتاج إلى موهبة وجهد عضلي وذهني وانتباه شديد؛ فهي تأكل من جسمه، ولولا حبه لعمله لما استطاع المتابعة؛ فهو صاحب قناعة بأن الإنسان الموهوب لا يمكن أن يعجز عن عمل ملكه بكل حواسه».

يذكر أنّ "مهيب عبود" يعزف على أكثر من آلة موسيقية ويمتهن حرفة النحت على الخشب، وهو من مواليد قرية "القلاطية" التابعة لمحافظة "حمص"، عام 1970.