برزت في العامين الماضيين على صفحات التواصل الاجتماعي قضية "شخصية العام السورية" المبدعة في مختلف المجالات، وهي قضية شغلت الصفحات الزرقاء كثيراً، صاحب هذه التجربة حولها إلى "مؤسسة" ستتولى تكريم السوريين المبدعين واقعياً.

يعتمد "ناجي عيسى درويش" صاحب الفكرة، الحمصي المولود عام 1971، وخريج كلية الصيدلة جامعة "موسكو" وأكاديمية الأرميتاج في اختصاص "ديكور المسارح"، على أن الأزمات التي طرقت بابنا كسوريين تتطلب منا أن نكون على أهبة الاستعداد للتغيير، يقول في حديث مع مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 22 آذار 2015: «إن التغيير المطلوب في هذه الظروف يرتبط بوجه أساسي بالسوريين الذين تضرروا من الأزمة الراهنة، فزراعة الدفء والمحبة وإعانة هؤلاء هي المهماز الرئيس لأي عمل حتى لو كان يومياً معتاداً».

هذا الرجل أيقونة ومثال للرجل السوري الغيور على سوريته، عبر مبادراته وأعماله خدم الكثيرين دون أن يعرفوه أو يعرفهم شخصياً

قدمت تجربة "شخصية العام" هدايا تذكارية للأشخاص الفائزين بتصويت الجمهور على صفحات التواصل الاجتماعي، وهي عبارة عن نسخة من أقدم أبجدية في العالم "أوغاريت"، وحالياً يجري العمل لبناء جدار تذكاري في "دمشق" سوف تعلق عليه أسماء وصور المشاركين، وهذه الفكرة هي أحد إبداعات "ناجي".

مخيم كراجات طرطوس

بدأت أشغاله تتحول إلى العمل الإغاثي مع بداية الأزمة، بعد أن قضى سنوات طوال في العمل الفني، فأسس في العام 2006 مجموعة "نادا NaDa للثقافة والفنون" المهتمة بتنظيم الفعاليات الثقافية والفنية (غير ربحية) وبتنظيم المعارض والمؤتمرات (ربحية)، ومن أهم أعمالها كان تنظيم مهرجانات "القلعة والوادي للثقافة والفنون، تدمر للثقافة والفنون" بين أعوام 2007 و2010، ثم تنظيم مهرجان "حمص المدينة" أعوام 2009 و2010، كذلك تنظيم الاحتفالية المركزية ليوم البيئة العالمي بمشاركة جميع المدن السورية في "حمص" عام 2009.

مع بداية الأزمة السورية انتقل النشاط أكثر باتجاه العمل التطوعي والاجتماعي والإسعافي، وكان لـ"درويش" ومن بقي في "حمص" وريفها من موظفيه أكثر من نشاط معلن وغير معلن في هذا المجال، يقول "ناجي": «بدأنا توزيع حقائب مدرسية مع بداية كل عام دراسي في "حمص" وريفها، ثم مساعدة أسر شهداء ومفقودين وجرحى إسعافياً ريثما يتم تأمين من يكفل لهم عملاً كريماً أو من يكفل لهم مساعدة دائمة في حال كان لا يوجد لديهم من هو قادر على العمل، وقد ساعدنا في هذه المرحلة أكثر من ألفي عائلة متضررة».

عصام حبال

في مطلع عام 2014 أطلق "ناجي" مبادرة "خذني إلى حمص"، وكما يقول في حديثه معنا: «تهدف هذه المبادرة إلى إعادة تأهيل المناطق المدمرة في "حمص" بهدف إعادة أهاليها إليها بدل البقاء في مخيمات لا تحقق الشروط الإنسانية الدنيا، وبمشاركة المجتمع الأهلي في العمل الإنساني والإغاثي لهذه المناطق المتضررة، كما تهدف إلى إعادة بناء العلاقات الاجتماعية والإنسانية مع هؤلاء الناس الذين عانوا ما عانوه في ظل الأزمة"، وقد حققت المبادرة عودةً لعدد من الأسر إلى مواقع سكنها في مختلف أنحاء "حمص"».

تكثف النشاط الإغاثي مع شتاء العام الحالي وهبوب العاصفة "زينة" على البلاد، وبالتعاون مع عدد من الناشطين ومنهم: "عصام حبال، نسرين زريق" أطلق حملة "دفانا محبتنا" التي ساعدت حتى اليوم حوالي عشرين ألف عائلة سورية في مختلف المحافظات؛ وشاركت بها "مدونة وطن" في "اللاذقية"، يتحدث "ناجي" عما نُفذ من أعمال في "حمص" وريفها قائلاً: «قمنا بإجراء مسح شبه ميداني لواقع الريف والمدينة ما أمكن، وعبر الإصرار على تقديم المساعدات العينية من لباس وأحذية حصراً، نجحنا في تقديمها من خلال المساعدات التي قدمها العديد من المغتربين السوريين وكذلك الفعاليات الاقتصادية والاجتماعية في "حمص" وبقية المدن التي تعاونا معها كـ"دمشق واللاذقية"، نطمح لنقل هذه الثقافة إلى خطوة لاحقة هي البدء بتوفير فرص عمل عبر مشاريع للمحتاجين نتعاون في تنفيذها مع المجتمع الأهلي ومع الهيئات الاجتماعية والاقتصادية أيضاً».

فريق العمل

عن هذه الفكرة تحديداً، وضرورة نقل هذه الثقافة من حيز المساعدة إلى حيز البحث عن عمل، يقول "ناجي": «من المهم ألا يبقى هؤلاء الناس محصورين بفكرة تلقي المساعدة من الآخرين، يجب أن ننقلهم إلى حيز الأمان النفسي والاجتماعي، هؤلاء طاقة، ومنهم تحديداً الشباب والنساء الذين يفضلون العمل على المساعدات، فالعمل يحفظ كرامتهم وحضورهم الإنساني بدلاً من ألف قصة وقصة مرتبطة بالمساعدات وتوفيرها في أوقات معينة، وبما يحتاجون إليه وبما لا يحتاجون أحياناً أخرى».

لتحقيق هذه الغاية الاستراتيجية يقترح "ناجي" إقامة شراكات أهلية ومحلية مع الحكومة لدراسة تأمين المشاغل والأعمال المناسبة لهؤلاء، وكذلك توفير البيئة الاقتصادية المناسبة لهم عبر إلغاء الضرائب -مثلاً- على هذه المشاغل وتأمين حوافز تشجيعية لهم بتبني الإنتاج وشرائه أو تصديره، فهذه الفكرة المشتقة من مبادرة سابقة هي "علمه الصيد" تقدم خدمة لكثير من الشرائح المرتبطة بهذه الأزمة، كالمتبرعين والمستفيدين والحكومة والمجتمع معاً.

شهادات كثيرة قيلت في "الدرويش ناجي"، أولها جاء من المغترب السوري "أنطون عسال" الذي عمل معه في صفحة "شخصية العام"، فكتب: «هذا الرجل أيقونة ومثال للرجل السوري الغيور على سوريته، عبر مبادراته وأعماله خدم الكثيرين دون أن يعرفوه أو يعرفهم شخصياً».

أما الصديق، وشريك العمل الإغاثي التطوعي "عصام حبال"، فقال في "درويش": تجمعني به علاقة صدقة وطيدة، بدأت افتراضياً من Facebook ونتقلت إلى المعرفة الشخصية في مبادرة "دفانا محبتنا"، ما يميزه فعلاً أنه رجل يهتم بالأفعال أكثر من اهتمامه بالأقوال، فيبتعد بذلك عن الادعاءات، وهو يملك غيرة فريدة من نوعها على إخوته من السوريين، ويسعى بكل ما أوتي من قوة ليخفف آلامهم ومعاناتهم جراء ما يعيشه البلد اليوم».