لم يسمح الطبيب "جبور جبور" لظروفه الصعبة أن تتغلب على حبه للعلم وشغفه بالمعرفة، وإصابته في ساقه لم تثبط من عزيمته بل كانت السبب الرئيس لأن يصبح من أطباء منطقته المميزين.

مدونة وطن "eSyria" التقت الطبيب "جبور جبور" بتاريخ 25 نيسان 2014 في منزله ببلدة "عيون الوادي" في ريف "حمص" الغربي، فتحدث بداية عن الظروف الصعبة التي مر بها خلال طفولته قائلاً: «ولدت في بلدة "عيون الوادي" عام 1931 في عائلة فلاحية فقيرة، حيث اضطررت لترك المدرسة وعملت مبكراً في حقول القرية نظراً للحالة المادية الضعيفة للعائلة، وتضاعفت مسؤولياتي أكثر تجاه العائلة حين سافر والدي إلى الجزر الأميركية عام 1939، وانقطعت أخباره عنا لفترة طويلة ولكوني الابن الأكبر في الأسرة كنت المسؤول عنها في غيابه».

ولدت في بلدة "عيون الوادي" عام 1931 في عائلة فلاحية فقيرة، حيث اضطررت لترك المدرسة وعملت مبكراً في حقول القرية نظراً للحالة المادية الضعيفة للعائلة، وتضاعفت مسؤولياتي أكثر تجاه العائلة حين سافر والدي إلى الجزر الأميركية عام 1939، وانقطعت أخباره عنا لفترة طويلة ولكوني الابن الأكبر في الأسرة كنت المسؤول عنها في غيابه

ولكنه من شدة حبه للعلم والمعرفة عاد "جبور" لمتابعة دراسته، ورغم مواجهته لظروف صعبة أخرى استطاع التغلب عليها والوصول إلى المراتب العلمية العليا، حيث يقول: «حاولت التغلب على الظروف وإيماناً بأهمية العلم وضرورته لحياة الإنسان عدت للالتحاق بالمدرسة فأنهيت دراستي الابتدائية في مدرسة القرية، وحصلت على علامات جيدة فقبلوني في متابعة الدراسة في مدرسة "بوقا" الزراعية في "اللاذقية" لمدة أربع سنوات، لكن في نهاية المرحلة الإعدادية تعرضت لحادثة أصيبت فيها ساقي بطلق ناري، فلم أستطع متابعة تعليمي في الثانوية الزراعية بـ"دمشق"، وبقيت طريح الفراش لمدة أربع سنوات، لكنني عزمت على متابعة التحصيل العلمي فدرست الإعدادية العامة في البيت وقدمتها بشكل حر ونجحت، وتابعت المرحلة الثانوية العامة في ثانوية "ابن خلدون" الخاصة في بلدة "مشتى الحلو"».

الدكتور "جبور جبور"

وتابع: «وفي الصف الثاني عشر في عام 1959 سافرت إلى "الاتحاد السوفييتي" -سابقاً- بقصد العلاج لساقي المصابة، وخلال فترة العلاج تقدمت لنيل الشهادة الثانوية وحصلت عليها خلال دراستي في مدرسة العمال الليلية في "موسكو"، وبعد العلاج بسنة تم قبولي في المعهد الطبي الأول في "موسكو" حيث درست فيه لمدة سبع سنوات وحصلت على إجازة في الطب البشري».

في العام 1968 رجع الدكتور "جبور" إلى "سورية"، وعلى الرغم من صعوبة تنقله بسبب الإصابة في قدمه بدأ ممارسة مهنة الطب، وفي هذا الموضوع تحدث بالقول: «بعد عودتي إلى "سورية" تم قبولي للعمل في مستشفى "دمشق" المركزي "المجتهد"، وتسلمت العمل في شعبة الأطفال التي كانت الشعبة الوحيدة في "سورية" المختصة بعلاج الأطفال وبقيت أعمل فيها لمدة عام كامل، ثم انتقلت إلى المركز الصحي في بلدة "مشتى الحلو" القريبة من بلدتي "عيون الوادي"، حيث عملت فيه كمدير للمركز لمدة ثلاثين عاماً، كما توليت مهمة الطب الشرعي في المنطقة طوال هذه المدة».

مع بعض زملائه خلال دراسته الطب في "موسكو"

وعن عمله في المركز قال: «في البداية لم يكن هناك مبنى مستقل للمركز الصحي، فبذلنا جهوداً حثيثة لتأسيس وبناء المركز الصحي الحالي في "مشتى الحلو" الذي شمل العيادات النسائية والسنية والعينية والأطفال، وإضافة إلى عملي في المركز وفي الطب الشرعي عملت كطبيب مولّد يستدعونني إلى المنازل، كما عملت كطبيب صحة عامة تم تكليفي في جولات على المطاعم والمقاصف في تلك المنطقة».

وأضاف: «كان الطب الشعبي منتشراً بكثرة في تلك المنطقة فعملت على مكافحته وحث الناس على الابتعاد عنه، كما قمت بإعداد برنامج كامل لتنظيم الأسرة، وكان لنا جهود كبيرة في مكافحة مرض الكوليرا، وخاصة عام 1977 حين انتشر هذا المرض في المنطقة، ونجحنا في القضاء عليه، وقد تم تكريمي بعدد من الأوسمة والشهادات من وزارة الصحة على الأعمال التي كنت أؤديها خلال عملي.

وبعد تقاعدي من المركز عام 1996 مارست الطب حوالي عشر سنوات حتى تقاعدت من نقابة الأطباء، وإلى اليوم مازلت أقدم استشارات طبية من خلال وجودي في المنزل».

للدكتور "جبور" هواية خاصة وهي كتابة الزجل والشعر الشعبي باللهجة العامية، وعن هوايته يتحدث بالقول: «منذ صغري وأنا أحب الزجل، وقد ألفت الكثير من القصائد الزجلية الوطنية في موضوعات مناهضة الاستعمار وظلم الإنسان لأخيه الإنسان، وقد نشرت في عدد من المجلات وخاصة مجلة "الأدب الشعبي" في "لبنان" لصاحبها "ميشيل قهوجي"، فكنت أنشر في الشهر تقريباً ثلاث قصائد.

وقد جمعت الكثير مما كتبته من القصائد الزجلية ونشرتها في كتاب أصدرته عام 2010، بعنوان "عيون الزجل وعيون الوادي"، ومن شدة حبي لبلدتي "عيون الوادي" أفردت جزءاً كبيراً من كتابي تحدثت فيه عن تاريخ قريتي من معلومات استقيت معظمها من جدي الذي كان مطلعاً على تاريخها بشكل جيد».

وعن والدها تحدثت الدكتورة "لينا جبور" الأستاذة في جامعة الوادي الخاصة: «عمل بكل جد وإخلاص في بلدة "مشتى الحلو" والقرى المجاورة لها، وكان مثالاً للطبيب الإنساني فقد ساعد الكثيرين من المرضى الفقراء؛ ما أكسبه سمعة إنسانية جيدة، إضافة إلى امتلاكه حس الفكاهة وسرعة البديهة، ويحفظ الكثير من القصص والنوادر المتداولة في المنطقة.

كان طوال حياته يحب المطالعة والقراءة في شتى الموضوعات، ويهوى الزجل وله الكثير من القصائد غير المكتوبة المتداولة والمحفوظة من قبل الكثيرين من أهالي القرية، وما كتابه الذي أنجزه إلا بعض من أشعاره الزجلية عن قريته التي أحبها واصفاً جمال طبيعتها وبعض نواحي الحياة فيها».

أما الدكتور "جودت إبراهيم" الأستاذ في قسم اللغة العربية في "جامعة البعث" الذي قام بمراجعة كتابه فقال: «الدكتور "جبور" صديق يهوى الزجل إلى درجة العشق، وهو قارئ مشارك وناقد بنّاء ومدقق للحن والمعنى في كل ما كتب، سريع البديهة إن صح التعبير، يكتشف الوزن والصورة والمعنى، ويحفظ كل ما كتب، وهو شاعر حساس ذكي حاد النظر متعدد العطاءات متنوع في كتابة فنون الأدب الشعبي، حيث تجد في ديوانه: الزجل والمعنّى والقرادي والقصيد وغيرها. والدكتور "جبور" شاعر بالفطرة وأخواله وأعمامه شعراء وتتجلى روح المداعبة في كثير مما يكتب».