مارس حرفة الحلاقة في "بلدة مرمريتا" ومنها كان يذهب إلى قرى وبلدة "وادي النضارة"، فأصبح وجهاً معروفاً ومألوفاً لدى كل سكان المنطقة.

إنه الحلاق "كمال خرفان جنورة" الذي امتهن الحلاقة حرفة له حيث ورثها عن أبيه الذي كان من أقدم حلاقي "وادي النضارة"، وقد أصبح عمره اليوم ثمانين عاما ومازال يمارس حرفته حتى اليوم.

يعتبر "كمال جنورة" أقدم وأكبر حلاق ممارس لمهنته في "حمص" وفي "وادي النضارة"، ويعتبر صالونه من أقدم صالونات الحلاقة في المنطقة، والكثير من أهالي المنطقة يأتون إليه لكي يقصوا شعرهم عند أقدم حلاق رجالي، وهو بذلك يحمل تاريخ الحلاقة في "حمص" وقراها.. المميز فيه أنه يواكب التطور الذي يطرأ على مهنته وهو بذلك يناسب الشباب كما يناسب الكهول

مدونة وطن eSyria التقت شيخ الحلاقين السيد "كمال خرفان جنورة" بتاريخ 28/10/2012 وكان لنا معه الحوار التالي:

شيخ الحلاقين وبيده مسن الزيت البدائي

  • تعتبر حرفة الحلاقة من أقدم الحرف التي كانت منتشرة في "حمص" ولاسيما في "وادي النضارة" والتي مرت بمراحل عدة وصولاً إلى شكلها العصري الحالي، هل يمكنك أن تحدثنا عن حرفة الحلاقة في بداية القرن العشرين؟
  • ** كانت حرفة الحلاقة مهنة بسيطة جداً ولاسيما في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، فلم يكن للحلاقين أدوات للحلاقة كما هي اليوم، ولم يكن هناك صالونات للحلاقة وأنواع لها، فالحلاق كان يمتلك مقصاً بسيطاً ومشطاً عادياً والبعض كان يستخدم الموس حسب الطلب، والحلاق كان يتنقل بين القرى والبلدات إما راجلاً أو راكباً على الحمار، وكان كل الناس يعرفون الحلاق ويتفقون معه على يوم وساعة الحلاقة ومنهم من كان يمارس عمله صباحاً في ساحات القرى.

    الحلاق "كمال خرفان جنورة"

    وفي بداية القرن العشرين لم يكن الناس في قرى "وادي النضارة" والمناطق المجاورة لها مثل "بلدة الحصن" و"تلكلخ" يتعاملون بالمال والنقد فيما بينهم إنما كانوا يتبعون أسلوب المقايضة فالحلاق كان يأخذ أجرته زيتاً أو زيتوناً أو حنطة ويمكن أن يأخذ أجرته عند الموسم.

    وعن أبيه الحلاق قال: «يعتبر أبي من أقدم حلاقي "وادي النضارة" واسمه "خرفان ابراهيم جنورة" وقد اتخذ مهنة الحلاقة هو أيضاً عن أبيه أي عن جدي، وقد بدأ الوالد بحرفة الحلاقة عام /1905/ أيام الاحتلال العثماني وكان يمارس مهنته أولاً في "مرمريتا" التي كانت حينها قرية صغيرة وادعة وسكانها يعتمدون على الزراعة وتربية الحيوانات والتجارة مع بعض المناطق المجاورة.

    مع الوقت حاول أبي الذي كان حلاقاً متجولاً أن يؤسس محلاً للحلاقة فتنقل بين أكثر من محل في "مرمريتا" ليستقر أخيراً في هذا الصالون القديم وهو كائن في "حارة السهلة" وكان ذلك في عام /1925/ وأنا ورثته عنه.. وهو يعتبر أول صالون أو محلاً للحلاقة في "وادي النضارة" وكان يتألف آنذاك من كرسي مصنوع من الخيزران ومرآة وطاولة بسيطة عليها مقص قديم ومشط وموسى ومسن بدائي.. هذه كانت أدوات الحلاق في ذلك الزمن، والذي كان يمارس مهنته ليلاً على ضوء القنديل والفانوس.

  • هل يمكن أن تحدثنا عن بداياتك في حرفة الحلاقة؟
  • ** أنا من مواليد "بلدة مرمريتا" العام /1935/ وقد عشت طفولتي في صالون أبي الحلاق وبدأت العمل لأول مرة في الحلاقة عندما كان عمري عشرة سنوات في عام /1945/ لأني كنت مضطراً لأن أساعده في مهنته وكنت حينها أتنقل بين صالون الحلاقة وبيوت "بلدة مرمريتا"، وعندما أصبحت في عمر الشباب كنت أمارس عملي بين "مرمريتا" والقرى المجاورة وهذا ما ساعد الناس إلى التعرف علي.

    وحين سألناه عن التطور الحاصل في مهنة الحلاقة قال: «في عام /1950/ بدأت مهنة الحلاقة تتطور بشكل بسيط، وكنا نذهب إلى "بيروت" لنواكب ونرى آخر تصميمات الحلاقة الرجالية التي انتشرت خلال الفترة بين /1950-1960/، كما بدأت أدوات الحلاقة بالتطور فأصبح هناك أنواع عدة للمقصات وأشكال للأمشاط كما ظهرت أنواع وأشكال للموسى واختراع شفرات الحلاقة والتي ساهمت باختفاء المسنات ولاسيما مسن الزيت الذي كان يستخدم لسن الموسى حتى منتصف القرن العشرين، وهو آلة بدائية مصنوعة من الحديد والجلد الطبيعي».

    وأضاف: «حتى عام /1960/ لم تعرف "بلدة مرمريتا" الكهرباء وقد أحضرت إليها الكهرباء بشكل جزئي بعد عام /1960/ ولكن لم نستفد منها إلا لغرض الإنارة فآلات الحلاقة الكهربائية لم تكن موجودة في ذلك الحين.

  • هل كنت الحلاق الوحيد في "مرمريتا"؟ وهل حرصت على تطوير مهنتك؟
  • ** كان في "مرمريتا" حلاقان آخران هما "توفيق الدريعي" و"أسعد الدريعي" ولكن لم يمارسا مهنة الحلاقة بعد العام /1960/. وبالنسبة لي عملت على تطوير مهنتي التي بدأت تأخذ أشكالاً عصرية بفعل الانفتاح على الغرب وظهور السينما والتلفاز ورؤية الناس لعدد من الشخصيات العالمية الذين حرصوا على تقليدها، لذلك ذهبت إلى "بيروت" لاتباع عدد من دورات الحلاقة الرجالية، ومن ثم عملت لفترة قصيرة حلاقاً في العاصمة "دمشق" التي اكتسبت فيها خبرة واسعة.

  • ما هي أهم الصعوبات التي كانت تواجهكم؟
  • ** أهم الصعوبات التي كانت تواجهنا قبل العام /1960/ هي عدم وجود الماء والكهرباء، فكنا نحضر الماء إلى صالون الحلاقة بواسطة الدلو والجرار، ومن أجل الإنارة كنا نمارس عملنا صباحاً حتى تغرب الشمس فقط.. ولكن بعد أن وصلت الكهرباء إلى "مرمريتا" بدأنا بتطوير مهنتنا وذلك بوضع الإنارة في صالون الحلاقة والتي كانت تساعدنا على ممارسة مهنتنا ليلاً، وأول جهاز أحضرته بعد أن عرفنا الكهرباء هو جهاز تنشيف الشعر (السيشوار) وكان ذلك في مطلع السبعينيات من القرن العشرين.

  • كان الحلاق في بعض المناطق والقرى السورية يقوم بعمل تطبيبي في أكثر الأحيان فهل كنت تفعل ذلك؟
  • ** كان الحلاق في "مرمريتا" والقرى المجاورة يقوم بالحلاقة الرجالية فقط، ولم يمارس أي شكل من أشكال تطبيب المرضى أو إصلاح الأسنان.

  • كيف تمارس مهنتك الآن بعد انتشار صالونات الحلاقة الحديثة وأدوات الحلاقة العصرية؟
  • ** في السنوات العشر الماضية ازداد عدد الحلاقين في "وادي النضارة" بشكل ملحوظ وأصبح لكل بلدة حلاقوها، ولم تعد حرفة الحلاقة حكراً على حلاق واحد يتجول بين القرى ليحلق للناس.. وعلى الرغم من هذا التطور الذي طرأ على مهنة الحلاقة وانتشار المعاهد التي تعلم فنونها تبقى الحلاقة حرفة بسيطة المبادئ ولكن الذي يتغير هو شكل القصات فقط .

    وأضاف: «أنا أمارس مهنتي الآن كما كنت أمارسها منذ خمسين عاماً ولم يتغيرأي شيء رغم انتشار الصالونات الحديثة، فإلى الآن يأتي إلى صالوني الكثير من الناس ولي العديد من الزبائن من الشباب الذين يطلبون مني أن أقص لهم شعرهم بطريقة عصرية، وأنا سعيد بذلك لأني أسعى دائماً لتطوير مهنتي رغم تقدمي في السن، لأن من لا يتطور يحكم على نفسه بالموت».

    خلال وجودنا في صالون شيخ الحلاقين التقينا السيد "حبيب مسوح" أحد سكان "بلدة مرمريتا" والذي حدثنا عن الحلاق "كمال خرفان جنورة" فقال: «يعتبر "كمال جنورة" أقدم وأكبر حلاق ممارس لمهنته في "حمص" وفي "وادي النضارة"، ويعتبر صالونه من أقدم صالونات الحلاقة في المنطقة، والكثير من أهالي المنطقة يأتون إليه لكي يقصوا شعرهم عند أقدم حلاق رجالي، وهو بذلك يحمل تاريخ الحلاقة في "حمص" وقراها.. المميز فيه أنه يواكب التطور الذي يطرأ على مهنته وهو بذلك يناسب الشباب كما يناسب الكهول».