كرّس أغلب عمله وإنتاجه الأدبي لخدمة لأطفال والفتيان، كتب لمسرح الصغار كما كتب لمسرح الكبار، كتب للتلفزيون، وكتب أدب القصة للأطفال، وتم تكريمه محلياً وعربياً تقديراً لجهوده في خدمة الأدب خاصة، وخدمة الثقافة بشكل عام.

إنه الأديب والكاتب المسرحي الحمصي "سلام اليماني"، التقاه eHoms

وتعرف على تجربته الأدبية الإبداعية، منذ بدايات عمله في مسرح الطفل المدرسي أواخر الستينات من القرن الماضي، حيث تحدث عن هذه المرحلة قائلاً: «في مسرح الصف ومسرح الحفلة الختامية المدرسية، تعلمت الإعداد المسرحي، ومبادئ الإخراج بشكل عفوي وتجريدي، وهذه البداية شجعتني لأكتب نصوصاً مسرحية أصلية من إنتاجي، حين انتسبت لفرقة المسرح العمالي في "حمص"، فأصبحت كاتبها لمسرح الأطفال، وأخرجت لي هذه الفرقة عدداً من نصوصي المسرحية، كما أخرجت لي أيضاً فرقة مسرح طلائع البعث في "حمص"».

الأستاذ "سلام يماني" في إحدى المداخلات النقدية

تخرج "اليماني" من كلية الآداب قسم اللغة العربية، فبدأ حياته العملية كمعلم صف لتلاميذ المرحلة الابتدائية، وهذا ما دفعه -كما أخبرنا- للكتابة في أدب الأطفال، واكتشافه لهذه الموهبة، التي حدثنا عنها قائلاً: «مجال تعليم وتربية الأطفال يجعلك قريباً من الطفل وحاجاته الجمالية والأخلاقية واللغوية، وبالعموم يجعلك قريباً من حاجات الطفل الثقافية والتربوية، وهذا ما دفعني كمعلم إلى تجارب كثيرة لإغناء الأطفال، ومن جملتها كان مسرح الطفل، فضلاً عن محاولات الرسم للطفل، ومحاولات صناعة وسائل تعليمية مبتكرة له، ومحاولات تلحين الأناشيد له، ولكنني اكتشفت أخيراً أنني أستطيع أن أكون كاتباً للطفل سواء في مجال القصة أم في مجال المسرح».

وحول كتابته القصة للأطفال، ومجموعته القصصية الأولى التي نشرها، يقول "اليماني": «لم أتوقع أن أكون كاتب قصة للأطفال، لكن ما أعرفه أنني في كل درس من دروس القراءة للأطفال في المرحلة الابتدائية، وللفتيان في المرحلة الإعدادية، كنت أخترع حكاية صغيرة كتمهيد وتشويق للدرس، وفي عملي بمسرح الطفل اكتشفت أنه يقوم أساساً على الحكاية، فقلت في نفسي ما دمتَ "حكواتياً"، وتستطيع تقديم الحكاية بشكل مسرحي فلماذا لا تقدمها بشكلها الأصلي؟. فجربت وإذ بمجموعة "اللؤلؤة" القصصية للأطفال تخرج من بين يدي، ومنذ صدورها حتى الآن أعمل على الكتابة القصصية للطفل، وعندي حالياً مشروع كتاب قصصي للأطفال، مؤلف من جزأين، وسأقدمه لاتحاد الكتاب العرب قريباً ليتم نشره».

حرب "تشرين" في وجدانه دائماً

نشر الأستاذ "اليماني" إلى اليوم حوالي أربع عشرة مسرحية للأطفال، لكن إنتاجه لمسرح الكبار قليل، ولا يتجاوز الثلاث مسرحيات، ويبرر "اليماني" هذا الموضوع بقوله: «صحيح أنا قلّلت من الكتابة لمسرح الكبار، لأنني في الأصل عملت معداً لمهرجان "حمص" المسرحي منذ بداياته الأولى، فكان من واجبي أن أرفده بنصوص تلائم واقعنا وجمهورنا، وحركة المسرح عندنا، فاعتدت أن أعدّ لهذا المسرح وللمخرجين فيه، لكن هذا الإعداد حرضني على أن أكتب؛ ولو بشكل قليل نصوصاً للكبار، فكانت مسرحية "قصة شهرزاد وحكاية الفساد" التي طبعتها وزارة الثقافة، ثم مسرحية "المشبوه"، ومسرحية "الانتحار"؛ وهما مسرحيتان في كتاب واحد لكنهما منفصلتان، تم طبعهما في مطابع وزارة الثقافة».

يمتلك الأديب "سلام اليماني" أسلوباً خاصاً في معالجته للمسألة الوطنية فيما يكتبه للأطفال، وله في معالجة هذه المسألة وجهة نظر خاصة، حدثنا عنها قائلاً: «المسألة الوطنية من أخطر الموضوعات التي تواجه إنساننا العربي، سواء أكان طفلاً أم كبيراً، والكاتب برأيي مسؤول أكثر من غيره في كل ما يخص قضايا أمته، وللأسف هناك الكثير من الكتّاب يلجؤون في معالجاتهم إلى النمط الدعائي المباشر، فيما يقدمونه من نصوص أدبية وطنية، لكنني شخصياً حاولت في كتاباتي ضمن هذا المجال أن أعالج خلافاً للأنماط السائدة، علاقة العرب في العالم، وبالقوى الكبرى، والاعتداءات الأميركية على العالم، وبالصراع العربي الإسرائيلي، والمسألة الفلسطينية، فحاولت أن أكون غير مباشر، وأن أعتمد على جاذبية الحكاية، وطرافتها، وواقعيتها، وبمعنى آخر حاولت في كتاباتي ألا يغلب الشعار الوطني والقومي على صيغة النص، وحاولت أن أقدم شيئاً غير مألوف، وغير مباشر، ولكنه في صميم المسائل الوطنية الكبرى، ومثال على ذلك ما قدمته في مسرحية "التمساح الطائر"، وفي مسرحية "بحر الذهب"».

بعض مؤلفاته الأدبية المنشورة

وأضاف: «إنني أؤمن هنا بأن على نصوص الأطفال دائماً أن تكون أعلى قليلاً من خبرة الطفل ومستوى وعيه، من أجل إعانته على تطوير نفسه، وليس أن تقدّم له حاجاته المألوفة، فتصبح نوعاً من التسلية وضياع الوقت».

خاض "اليماني" تجربة خاصة في مجال النقد الأدبي، لكنها أثّرت على إنتاجه الأدبي الشخصي فتركها نهائياً، ويحدثنا عن هذه التجربة قائلاً: «كتبت العديد من المقالات النقدية في الصحافة المحلية "بحمص"، وفي مجلة الحياة المسرحية، وفي بعض أدبيات اتحاد الكتاب العرب، لكن في حقيقة الأمر اكتشفت في ما بعد أن هذه الاهتمامات النقدية كانت تستهلك وقتي وجهدي، وتعقلن كتاباتي الأدبية بحيث أثرت سلباً على طاقتي الابتكارية، فتركت كتابة المقالة النقدية نهائياً، لكنني حالياً أستفيد من خبرتي فيها في تسليط رؤيتي النقدية على نصوصي الأدبية من أجل تطويرها».

كتب الأستاذ "سلام يماني" للتلفزيون، إضافة إلى كتابته في المسرح والقصة، ويقول في هذا الجانب: «فيما يشبه السيرة الذاتية كتبت مسلسلاً تلفزيونياً للكبار عنوانه "الخيزران"، قدمته للتلفزيون العربي السوري، وأخرجه الأستاذ "محمد بدرخان" عام /2000/. وقد جعلت "الخيزران" حكاية شعب، اخترت أن يكون نموذجه مقارباً لسيرة والدي الذاتية، وهي على كل حال حكاية من واقع الحياة».

وتابع "اليماني" قائلاً:«لكنّ انتمائي لمسرح الطفل دفعني لإنشاء مسلسل طويل للأطفال والفتيان؛ بعنوان "المغامر" قدمته للتلفزيون السوري وتم عرضه، كما قدمت أيضاً مسلسل كرتوني للأطفال؛ بعنوان "حكاية طويلة عن ذيل طويل"، ونال موافقة التلفزيون السوري، ولكنه لم ينفّذ إلى الآن.

كما إنني كتبت متشجعاً برؤية فلسفية كونية مسلسلاً كرتونياً طويلاً جداً للأطفال، وهو مزيج من الإنسان والأنسنة، حاولت فيه أن أتحدى إنتاج "هوليوود"، وكبرى الجهات التي تنتج أفلام الكرتون للأطفال في العالم، فقد لا أكون خبيراً في كتابة الكرتون، لكن المادة التي كتبتها في هذا المسلسل أعتز فيها، لأنها تعالج مسائل في منتهى العالمية، بأسلوب في منتهى الواقعية والخيالية، وقد وافق التلفزيون السوري على هذا المسلسل، لكنه لم ينتج إلى اليوم لأن كلفة إنتاجه عالية جداً، أتمنى أن تتاح فرصة إنتاجه قريباً وربما يكون إنتاجه مشتركاً مع أي تلفزيون آخر أو جهة مموّلة».

يعتبر الأستاذ "سلام اليماني" من الأعضاء النشيطين في نادي السينما "بحمص"، وهناك من يعده من النقّاد السينمائيين، لكنه يملك رؤية خاصة في هذا الموضوع يعبر عنها بقوله: «الفنون ساحات متمايزة، لكنها متقاطعة ومتداخلة، والسينما فن لصيق بالمسرح ويتضمنه، وهو فن لصيق بالأدب، ويتضمنه أيضاً، ومن الطبيعي أن أهتم بالسينما، وقد انتسبت لنادي السينما في "حمص" عام

/1974/، وكنت عضواً نشيطاً فيه، ودخلت إدارته في دورات عديدة، وهذا جعلني أكتسب خبرات سينمائية كثيرة، من خلال نقاشات النادي التي تعقب كل فيلم، فكنت أستطيع الإسهام فيما يسمى بالانطباعات النقدية عن الفيلم، وكتبت في بعض الصحف عن عدد من الأعمال السينمائية، لكنني لا أزعم أنني ناقد سينمائي، قد تكون كتاباتي وملاحظاتي في هذا المجال مهمة ولافتة ومدهشة، لكنني لست ناقداً سينمائياً، بل متذوق وقادر على الإدلاء برأيي فيما يعرض أمامي من أفلام».

يفتخر الكاتب "سلام اليماني" بالتجربة التي عاشها قبل وأثناء خدمته الإلزامية العسكرية؛ في زمن حرب "تشرين" التحريرية، ويرى أنها قدّمت له الكثير، ككاتب مسرحي وأديب فيقول: «لي الفخر أنني كنت متطوعاً في جيش الدفاع الشعبي السوري عام /1967/، قمت بواجبي الوطني حينها على أكمل وجه، وشجعني هذا التطوع حين التحقت بالخدمة الإلزامية أن أكون عسكرياً حقيقياً، فكنت من المتفوقين في كلية الدفاع الجوي واقترحت لأكون مدرباً فيها، وخلال ذلك حدثت حرب "تشرين" التحريرية، ففرزت خلالها لأحد ألوية الدفاع الجوي».

ويتابع: «تجربتي في حرب "تشرين" بالنسبة لي لا تقل إطلاقاً عن تجربتي في الفلسفة، وفي الكتابة المسرحية والقصصية، إنها تجربة ذاتية، صحيح أنني كنت قائد سرية لا أكثر، وصحيح أنني أسهمت بشكل متواضع في هذه الحرب، لكن كم يكون الإنسان عظيماً أمام نفسه عندما يتذكر بأنه كان متفوقاً ولم يكن جباناً، وذلك لأنني كنت واعياً تمام الوعي أنني أحارب في معركتي أنا، هذه الحرب التي رأيت فيها سلاح الجو الإسرائيلي يهان لأول مرة في حياته منذ تأسيسه، ورأيت الطيران الأميركي الذي جاء بدل الطيران الإسرائيلي كجسر جوي يهان أيضاً، ويكفيني أن لي علاقة بهذه الإهانة، ولا أريد أن أقول كم طائرة أسقطت سريتي ولكن أريد أن أذكّر إسرائيل بمئات الطائرات التي أسقطها دفاعنا الجوي في تلك الحرب الوطنية.

فليست وطنيتي هي التي جعلتني مقاتلاً ثم كاتباً وطنياً متحمساً، بل أعتقد أن اشتراكي في هاتين الحربين، وإسهامي الميداني فيهما هو الذي عزز لدي الرغبة في أن أقدّم المسألة الوطنية للأطفال، فهذه الخبرة عززت وعمقت كتاباتي في هذا المجال».

الجدير بالذكر أن الأستاذ "سلام اليماني" من مواليد عام /1945/ في "حمص"، خريج قسم اللغة العربية في جامعة "دمشق" عام /1972/.

إضافة إلى كتاباته في القصة والمسرح دقق وراجع الكثير من الكتب المترجمة.

حصل على العديد من الجوائز التقديرية في عدد من المسابقات المحلية والعربية، أبرزها حصوله في عام /1972/ على جائزة وزارة التربية للمسرح المدرسي، كما حصل على جائزتين ذهبيتين في عامي /1998/ و/2002/ عن أفضل نص في قصة الطفل وأفضل نص في مسرح الطفل، ضمن مسابقة "جائزة ثقافة الطفل العربي" التي يقيمها أبناء الشيخ "هزاع آل نهيان" في "أبو ظبي" الإمارات.

وفاز هذا العام /2009/ بجائزة المرتبة الثانية في مسابقة وزارة الثقافة السورية لكتّاب الأطفال عن مسرحيته "بحر الذهب".

يكاد ينتهي الأستاذ "اليماني" حالياً كما أخبرنا من وضع اللمسات الأخيرة على مسلسل تلفزيوني للأطفال بعنوان: "حكايا الليالي السعيدة".

الأستاذ "سلام" متزوج ولديه ثلاثة أبناء هم: "تمّام" طبيب أسنان يمارس مهنته ويعمل مدرساً في جامعة "أوديسا" الحكومية الأوكرانية، وابنه الثاني "علاء" مصور تلفزيوني لديه استوديو خاص في إمارة "الشارقة"، والابن الأصغر "نشوان" فني في صناعة الأسنان، وحالياً موظف في شركة "السيرياتيل"».