"الالتصاق بالأرض والتمسك بها" كلمات ورغم كل ما تعلمناه عن معناها في الكراسات المدرسية, إلاّ أنها تأخذ شكلاً آخر عند العم «حسين الزاهر أبو علي» الفلاح الذي اعتاد العمل بأرضه رغم مرور سنواته الخمسة والستين.

أبوعلي واحد من الآلاف من أبناء ريفنا الذين اعتادوا أن تطلع عليهم الشمس وهم في أرضهم, وتغيب الشمس عنهم وهم فيها, يتفقدونها كواحد من أبنائهم. eHoms رافقت أبا علي في جولته الصباحية إلى أرضه في منقطة المخرم الفوقاني.

في الطريق لم يكن يشعرنا أبو علي بأن المسافة التي تفصل بين بيته الريفي وأرضه الزراعية, يمكن أن تشغله عن متابعة عمله اليومي في سقاية وزراعة وحرث أرضه ومتابعة احتياجاتها.

(24 دونم) هي ثروة أبوعلي من الأرض, وهي ليست بالمساحة الكبيرة – كما يخبرنا – بالنسبة إليه, ومع ذلك استطاع تحويلها إلى ما يشبه الغابة, حين تحول من زراعة الحبوب (الحنطة والشعير) إلى زراعة الأشجار المثمرة, وبالتحديد (الزيتون واللوز) والسبب برأيه كمال قال لنا" التعب الأقل الذي تحتاجه أشجار الزيتون واللوز, من زراعة الحبوب, وكذلك الربح الأوفر, فالزيتون يمكن أن يبدأ بالعطاء في سن الخامسة من عمر الشجرة, فيما اللوز يمكن أن يتأخر عنه قليلاً ".أكثر من مائتي شجرة لوز, بعمر يقارب خمسة سنوات للشجرة « قام بزرعها العم أبو علي» في القسم الأمامي من الأرض, فيما وزع مثلها من أشجار الزيتون في النصف الثاني, مع عدد من الخضراوات المتناثرة بينها لاحتياجاته المنزلية, مثل (البقدونس والنعنع والخيار والبندورة والفليفلة ).

مع قصه لبعض البقدونس روى أبو علي ذكريات عن عشقه لهذه الأرض رغم العذاب الذي أضناه في وقت مضى العمل فيها, فالحصاد كما يقول: " كان يبدأ من هبوط الندى على الزرع –بعيد منتصف الليل– وينتهي قبيل الظهر, دون أي راحة, ورغم أن الحصاد كان أشبه بالأعمال الشاقة, لكون طريقة الحصاد تقضي انحناء الظهر وثني الأرجل لمسافات طويلة, إلاّ أنه كان بالنسبة لنا – نحن الفلاحين – يعني الأمل, حيث كل الأحلام والآمال معلقة بموسم الحصاد, مما يعطيه نكهة من نوع آخر".مع تداعي الذكريات واستحضارها تبدو على وجه أبي علي علامات الحنين لأيام تركت جماليتها في الذهن راسخة, ويتابع إشراكنا بذكرياته بالقول:" كان يوم البيدر يوم فرح بالنسبة لأهل القرية, وكانت تعقد حلقات الدبكة, والرقصات التي تستمر حتى الصباح, حيث يجتمع أفراد القرية جميعاً بفرح منتظر".

بطريق العودة يخبرنا أبو علي عن أبنائه الستة وكيف انصرف كل منهم لعائلته وعمله بعيداً عن الأرض, ورغم افتخاره بما وصلوا له من مراكز علمية واجتماعية (ضابط ومعلمتين ومحامية وصحفية وتاجر) إلاّ أنه كان يتمنى أن يكون بينهم أحد "يتابع مسيرته في زراعة الأرض" ليذكرنا بالقول المأثور" زرعوا فأكلنا ونزرع فيأكلون".