عندما يكون التفوق منبثقاً من ظروف صعبة،وعندما يكون النجاح مشتملاً على جوانب الحياة كلها ..لا بد أن نقف ونلقي التحية على أولئك المكافحون الصامتون ؟ لا شي يستطيع وصف تلك الدقائق الغالية من عمري وأنا ألتقي فيها من يعلمني بصمت العيون الضاحكة المتفائلة ..معنى أن تكون ..مضحيا ..وناجحاً ..

السيدة دلال جعفر (أم محمد)، أم ككل الأمهات تضع نصب عينها أولادها وحبهم ومصلحتهم، لكن ربما تتميز عن بعض الأمهات بتحديها لظروف الحياة التي باغتتها فجأة وهي ليست على استعداد لها.

eHoms زارت السيدة أم محمد في بيتها، والتقتها مع عائلتها المكونة من: التوأم ريم ونسرين في الصف العاشر، سارة في الصف الثامن، محمد في الصف السابع، وأصغرهم ابن السنة والنصف تقريباً آصف ..

نسرين.. وريم .. وللتعليم مكانته في قلبهما.

بداية فرض الحديث نفسه عن ظروف الحياة التي دفعت أم محمد للعمل كمدرسة خصوصية وترك أولادها لهمتهم وتفانيهم في الدرس قائلة: " أحمد الله على أن ظروفي التي بدأت بمرض زوجي واضطراره للسفر إلى دمشق رغم المرض للعمل والعلاج، والتي لم تمنع أولادي من متابعة دروسهم وخصوصا أن حياتهم تغيرت، فنحن كنا وما نزال عائلة محبة رغم غياب رب الأسرة، أحرص دائما ً كأم على رعاية أولادي واحتضناهم حتى انتهاء محنتنا، والحمد لله أعمل كمدرسة أعطي الدروس الخصوصية لطلاب الابتدائي في منازل ذويهم، الأمر الذي يساعدني في مصروف البيت، وخصوصا متطلبات الدراسة والشتاء". الأطفال – الشباب- كما بدت لي تسميتهم وخصوصاً بعد تلك الابتسامة المتفائلة والمفعمة بالتفاؤل التي ارتسمت في عيونهم، شاركوا أمهم الطيبة استعدادهم للكفاح والنجاح.

تقول ريم طالبة الصف العاشر في قسم الفنون: "أحب أمي وأتمنى أن تفخر بنا دائماً، للأسف لم تسنح لي الفرصة أن أدخل الثانوية العامة بسبب الظروف التي استجدت معنا خلال امتحانات الكفاءة العامة السنة الفائتة، فمرض والدي المتكرر وتعافيه الجزئي ثم سفره إلى دمشق للعمل أثر في نفسيتي أنا و توأمي نسرين، كنا قريبتين جداً من علامة القبول للصف العاشر النظامي، لكن رضينا بحظنا ورغم ذلك نحاول جهدنا التفوق والنجاح، كنت أتمنى أن أصبح معلمة في الفيزياء، لكن يبدو أنني سأضطر اليوم لدراسة البكالوريا الأدبي، لا يهم سأعدل حلمي لأصبح معلمة لغة، أو ربما معلمة تاريخ .."

سارة ..محامية المستقبل الناجحة

كلام مؤثر أيدته نسرين وأضافت: " أتمنى أن أعوض ذلك عندما تحين الفرصة المناسبة، وأقصد بذلك امتحانات الثانوية العامة، فانا مستعدة مع ريم على دراسة البكالوريا الأدبي ولو اضطررنا للدراسة الحرة في المنزل، ومستعدون أكثر لتحدي الظروف مهما صعبت لنيل الشهادة العامة، بالنسبة لي أتمنى أن أصبح أيضاً معلمة ناجحة أعطي الطلاب من قلبي، عندها سوف أساعد أكثر هؤلاء الطلاب الذين تعاكسهم ظروف حياتهم يوماً ..".

سارة أصغرهم ..لكن أحلامها أكبر ..وهي تستحق أن تحلم، فسارة حازت على المرتبة الأولى على صفها -صف الثامن- تقول سارة: " فرحة أمي يوم أحضرت جلائي تعادل الدنيا بأسرها، وأعدها بأن أبقى متفوقة لأحقق حلمي بأن أصبح محامية أو قاضية، فالدنيا مليئة حقاً بالمظلومين، وأتمنى أن يتعافى والدي ويعود لنا ويشاركنا الفرحة في النجاح ..".

محمد .. ووعد بالنجاح

محمد في الصف السابع شاب صغير، عبقرية فذة وخامدة في عينين برئيتين تشعران أنه رجل البيت الآن، متفوق أيضاً حاز على العلامات شبه الكاملة في جميع مواده وخصوصاً الرياضيات، يقول محمد: " أمي هي سر سعادتنا، لا نستطيع أن نراها حزينة أو قلقة، أنا دائماً إلى جانبها وأحاول التخفيف عن غياب والدي، أحضر لها جميع ما تطلب، رفضت والدتي فكرة ان أعمل رغم محاولتي إقناعها وذلك خوفا منها على مستوى دراستي التي أعدها أنها لأن تتأثر، فنجاحي دائماً هو هدية مني لها، أتمنى أن يوفقني الله وأصبح ضابطاً في الشرطة، لأجعل والدي يفخران بي، وكذلك أخواتي البنات اللواتي أرعاهن وأحرص عليهن مع أنني أصغر منهن ..".

آصف الصغير طبعاً لم يستطع الكلام، وكذلك هو حال أمه السيدة أم محمد وهي تسمع هذا الكلام الجميل المؤثر من فم أولادها البارين ..

بارك الله جهودك أيتها الأم المكافحة الصامتة .. فأنت تستحقين أن تكون أيام السنة كلها ..عيد ..لك ..