محامية ملتزمة بقضاياها وشرف مهنتها لم تشغلها مشاكل الموكلين وهموم العمل عن هدف رسمت له خطاً مستقيماً لا تحيد عنه .. هدف يتعلق بها و بذكرى والدتها الشاعرة الكبيرة الراحلة فاطمة البديوي.

السيدة عصام السباعي محامية من حمص ورثت عن والدتها الإخلاص لوطنها بالتزامها العمل الشريف. صحيح أنها لم تصبح شاعرة كالراحلة البديوي، لكن كما تقول السيدة عصام: " أتذوق شعر أمي وأي شعر آخر بإحساس كبير وحبي للأدب هو ما دفعني للعمل على أرشفة دواوين والدتي وأعمالها الأدبية."

eHoms ألقت الضوء مطولاً على تجربة المحامية عصام السباعي في جمع كل الأعمال الأدبية لوالدتها الراحلة، وكان لنا معها اللقاء التالي في مكتبها الكائن في وسط مدينة حمص، هذا المكتب الذي يضم إلى جانب الملفات والوكالات دواوين شعرية فترى توأمة فريدة من نوعها في هذا المزج النادر بين مهنة المحاماة الجادة وبين الشعر الحساس الرقيق.تقول السيدة عصام:"منذ سنتين تقريباً قررت مع والدتي جمع الأعمال الأدبية ونشر ما لم ينشر، بداية قطعنا شوطاً كبيراً لابأس به في تحقيق هدفنا لكن كان لضغط عملي الشاق في مهنة المحاماة ولضغوطه النفسية تأثيراً حدّ من وتيرة سرعة إنجاز هدفنا.

الراحلة الشاعرة البديوي في آخر صورة لها ..قبل الرحيل

والدتي رحمها الله كانت تتمنى أن يرى مشروعنا النور، وفي الواقع لا أعتبر ما أهدف إليه مجرد مشروع أتمنى أن يتحقق فحسب بل هو واجب، وواجب مقدس يقع على عاتقي تنفيذه وعلى عاتق كثير من الأدباء والمفكرين الحمصيين، لكن للأسف في نهاية مشوار والدتي تخلى عنها الكثيرون تماماً كما تخلت الحياة العصرية عن المعاني السامية للشعر والأدب فبات كثير من الأدباء مع أعمالهم في أدراج النسيان".

الكلام المؤثر الذي رددته السيدة عصام على مسامعنا كان رسالة مفتوحة إلى كل مؤسسة أدبية واتحاد كتاب، فهم برأيها يبقون المقصرين الأكبر في حق الشعراء والأدباء ليس بعد مماتهم فحسب بل في حياتهم.

الابنة البارة بأمها وبآدابها ختمت لقاءها معنا بذكريات استنهضتها من ذاكرة الأيام التي سبقت وفاة والدتها الشاعرة الكبيرة فاطمة البديوي قائلة:" لن أنسى ما حييت تلك الأيام، فلا ندري أنا وإخوتي لماذا كان يحلو لنا استذكار أقدم أبيات شعرها في الأيام التي سبقت وفاتها في 20/6/2007، وكانت أمي تطرب لتلك الذكريات.

"مرة كنت أتمشى معها في شوارع حمص القديمة التي كان يحلو لها المشي على أرصفتها الحجرية السوداء، عندها انتابني إحساس جميل وغريب جعلني أغني أمامها مقاطع من أغنية قديمة غنتها هي بنفسها- رحمها الله- عام 1956 من مسرحية (أولادنا ضحايانا) وهي أغنية مؤثرة على وزن أغنية /يا غزالي كيف عني أبعدوك/، لن أنسى أبداً تلك التعابير التي ارتسمت على وجهها الحنون، ولن أنسى ما قالته لي بعد أن تفاجئت من تذكري لتلك الأغنية، قالت لي وقتها: "لا تتعلقي بالشعر كثيراً يا عصام .. فإنك حقاً ستتعذبين ..!".

لم أفهم معاني تلك الكلمات حتى الآن، نعم فهمت أن من يعطي أدباً وشعراً تزداد حساسيته وخصوصاً إذا توقع أن يفهم الناس ويقدرون كل كلمة،وكل حرف."

غادرت مكتب المحامية عصام السباعي، وتركت ورائي ألف سؤال، بل ألف حسرة على شمعة انطفأت بعد أن أنارت الدنيا بشعر وأدب ليس ككل الأدب فاستحقت هذا الخلود في الذاكرة، وصدقاً في طريق عودتي رنمت أغنية الوداع كما وصفتها السيدة عصام، تلك التي غنتها لأمها قبل أيام قليلة من رحيلها، غنيت:

يا زماني إن عمري قد مضى وحياتي كضياء أومضا ..