من ظروف الشتات ولد "بريد المغتربين" الذي أسّسه "دريد لبابيدي" وزوجته "كوثر أحدب"؛ وهو مشروع فريد من نوعه يقوم على شحن الفرح عبر هدايا يرسلها السوريون لرسم البسمة على وجوه ذويهم في شتى أنحاء العالم.

لمعرفة المزيد عن هذه التجربة المميزة تواصلت مدونة وطن "eSyria" عبر "الفيسبوك" بتاريخ 21 نيسان 2016، مع "دريد لبابيدي" أحد مؤسسي البريد المقيم حالياً في "الدنمارك"، ليحدثنا عن الظروف التي أنتجت الفكرة، ويقول: «ظروف عملنا في الخارج مهّدت لهذا المشروع، حيث كنا نستورد بضاعة من "سورية" ونبيعها في إحدى دول الخليج، وعن طريق المصادفة طلبت منا فتاة مغتربة من "حمص" أن نوصل هدية إلى أمها بمناسبة عيد ميلادها؛ بعد معرفتها أنه تربطنا علاقات مع أشخاص في الداخل السوري، كانت الهدية التي طلبتها عبارة عن قالب "كاتو"، وبالفعل تواصلنا مع أصدقائنا في "سورية" وقمنا بمساعدتهم بإيصال "الكاتو" إلى والدتها حسب العنوان الذي أعطتناه إياه، فغمر الفرح كلا الطرفين بوصول الهدية غير المتوقعة.

حلمنا أن نصبح عالميين وماركة مسجلة، وننافس أكبر شركات الشحن في العالم

نجاحنا بإيصال هذه الهدية ألهمنا على وضع إعلان على صفحتنا الشخصية على "الفيسبوك"؛ بأننا مستعدون لإيصال قوالب "كاتو" بمناسبة عيد الأم كهدية من المغتربين في أي بلد إلى أمهاتهم في "سورية"، اقتضى العمل لإنجاز ذلك أخذ طلب من زبون في أي مكان خارج "سورية"، وعبر مندوبينا في داخل "سورية" -الذين كانوا في المرحلة الأولى من أصدقائنا- تم التنسيق من خلالهم مع صانعي "كاتو" محترفين لصناعة قوالب حسب الطلب، والعمل على إيصالها إلى العنوان الذي طلبه الزبون، وبالفعل تم بنجاح إيصال 100 هدية، فشجعتني زوجتي "كوثر" التي أصبحت شريكتي على متابعة العمل وإنشاء صفحة على "الفيسبوك" باسم "بريد المغتربين"».

"دريد اللبابيدي" و"كوثر الأحدب"

وعن آلية عمل هذا المشروع، يتابع: «عبر صفحة "بريد المغتربين" يرسل لنا الزبائن رسالة بنوع الهدية والعنوان الذي يودون إيصالها إليه، ولهم حرية تقرير نوع الهدية التي يشاؤون، أو بإمكانهم الاختيار من قائمة هدايا جاهزة لدينا، ثم يقوم فريقنا في "سورية" بتجهيزها وإيصالها. وبعد مدة من العمل أصبحنا نتعامل مع محال وأشخاص يشتهرون بتميز عملهم وفرادته، فنقوم بتأمين الهدايا منهم حفاظاً على جودة الهدية، التي لا نوافق منذ البداية على قبول توصيلها إن لم تكن بمواصفات معينة بالنسبة لنا، ليس لسبب مادي إنما حتى تكون الفرحة مميزة، والفريق يوصلها بعد أن تصبح جاهزة إلى المكان الذي يحدده الشخص».

عن حال المشروع وتطوره، يقول "دريد": «بدأ انتشارنا في الداخل من "حمص"، وامتد إلى أغلب المحافظات، كانت انطلاقتنا الأولى في حزيران 2015، وحتى الآن نجحنا بإيصال 3000 هدية وزرع الفرحة في قلوب الكثيرين، وتحمسنا أكثر للعمل حين عرفنا أن فكرة مشروعنا هي الأولى من نوعها في العالم؛ وهو ما دفعنا لنكون احترافيين أكثر، وأصبحنا ننشر قصة إيصال كل هدية على صفحتنا، وبدايتها جملة البريد المشهورة: "فن فننن يا معلم".

إحدى الهدايا التي تم إيصالها

التزامنا بالدقة في عملنا من أهم الأسباب التي ساعدتنا على الانتشار، ولم يعد عملنا يقتصر على إيصال الهدايا داخل "سورية" فقط؛ حيث اتسع فريقنا وأصبح عملنا ينتشر في معظم الدول العربية وألمانيا بالكامل، وقسم كبير من أوروبا وأميركا، وبعض مناطق آسيا. والطلبات لم تعد محصورة بالسوريين، بل أيضاً من جنسيات عربية مختلفة، ولكن يبقى لفرحة تبادل السوريين هداياهم مع أهلهم لذة مختلفة بسبب ظروف الهجرة الإجبارية التي فُرضت عليهم خلال الأزمة الراهنة، ولهذا أحببنا أن يقوم مشروعنا على إسعاد الناس ورسم البسمة على وجوههم في المقام الأول».

أما عن التحديات التي تواجه هذا المشروع، فيحدثنا: «نواجه بعض الصعوبات لكون عدد أعضاء فريق العمل كبيراً، وكلّ واحد منهم يقطن في بلد مختلف؛ وهو ما يسبب بطء التنسيق، وداخل "سورية" نواجه مشكلة ضعف الاتصالات والإنترنت، وخصوصاً في "حلب"، وصعوبة التوصيل إلى بعض المناطق، وصعوبة الترخيص؛ لأن مؤسسي المشروع كلهم خارج "سورية"، واختلاف أذواق الناس يعد أيضاً من تحديات عملنا».

صفحة بريد المغتربين على "الفيسبوك"

وفي مقابل التحديات هناك مواقف طريفة وفريدة من نوعها واجهتنا بدءاً من نوع الهدية إلى ردة فعل المتلقي لها، يقول: «الهدايا المعتادة والأكثر طلباً هي قوالب "الكاتو" وباقات الورد المزينة بالشوكولا، أما أغرب هدية طُلبت منا، فكانت "كفناً" نوصله من عائلة "سورية" إلى "أميركا" لقريب لهم يحتضر هناك، ولكننا رفضنا؛ لأن مشروعنا مخصص لرسم الفرحة فقط، وهناك بعض الطلبات الغريبة كتأمين "فيزا" لدولة معينة، وهذا العمل ليس من اختصاصنا. وأطرف قصة حدثت معنا حين أوصلنا هدية إلى أب فظن أننا "كاميرا خفية". أما ألطف هدية، فكانت قطة أوصلناها من بحّار بجزر الصين إلى حبيبته في مصر».

وعن طموحه في المستقبل، يختم بالقول: «حلمنا أن نصبح عالميين وماركة مسجلة، وننافس أكبر شركات الشحن في العالم».

"سوسن الشعار" إحدى زبائن "بريد المغتربين" حدثتنا عن تجربتها في التعامل معهم، بالقول: «أنا مقيمة في "الخليج العربي" وكنت أود إسعاد أمي المقيمة في "دمشق" بإرسال هدية غير تقليدية إليها، وبالفعل تواصلت مع صفحة "بريد المغتربين" لأنه بدا لي أنهم جديرون بالثقة، وقادرون على تحقيق طلبي.

هديتي كانت دعوة غداء تتضمن أصنافاً معينة من المأكولات التي تحبها والدتي، يوصلونها إلى منزلها، أرسلوا لي خيارات متعددة للمطاعم والأسعار، وأنا اخترت ما يناسبني والوقت الذي أريده، وبالفعل تم إيصالها كما اتفقنا، ونجحت بإدخال الفرحة إلى قلب والدتي على الرغم من بعد المسافة بيننا.

وبعد تعاملي الأول معهم وثقت بهم أكثر، كانوا دقيقين بتنفيذ الطلب وبالموعد المحدد، ولم يقبلوا تقاضي أي أجور مادية حتى تأكدوا من أن الطلب وصل كما أريد، وأن الفرحة وصلت».

الجدير بالذكر، أن "دريد لبابيدي" من مواليد "حمص"، 1980، درس في المعهد التجاري بـ"دمشق"، ويحمل إجازة من قسم الترجمة، جامعة البعث.

وزوجته "كوثر أحدب" من مواليد "حماة"، تحمل إجازة في التجارة والاقتصاد.