عشقه لوطنه سورية ومدينته "حمص" جعله يأتي إليها كل عام مرتين، وعلى الرغم من نجاحه الطبي في فرنسا ما زال يحلم بالعودة إلى سورية للعيش في بيت الآباء والأجداد. إنه الدكتور المغترب "إليان فيليب فركوح" الذي غادر "حمص" طالباً وهو الآن يعيش مع عائلته في فرنسا منذ أكثر من /25/ سنة.

موقع eHoms التقى الدكتور "إليان فيليب فركوح" فكان لنا معه الحوار التالي:

فرنسا رغم كل هذه السنوات التي عشتها هناك لم تؤثر في حبي لوطني وهذا الحب يصل أحياناً إلى درجة العشق، وهذا العشق للوطن أحاول نقله إلى بناتي الأربع وآمل أن يختاروا في المستقبل العيش في سورية. وأنا أفكر أن أعود إلى "حمص" وأعيش في بيت أجدادي بعد التقاعد، وإن لم أستطع ذلك فسأحاول أن أعيش متنقلاً بين سورية وفرنسا

  • نحن نعرفك طبيباً يعمل في مستشفيات فرنسا هل يمكن أن تحدثنا عن "إليان فركوح" الطفل والشاب ابن مدينة "حمص"؟
  • الدكتور "إليان فيليب فركوح"

    ** الحقيقة إن لمدينة "حمص" حيز كبير في قلبي وعقلي فذاكرتي الأولى كلها مطبوعة بحمص وأزقتها وأماكنها فهي بالنسبة لي كالطيف الممتد الذي يصل الماضي بالحاضر.

    ولدت في حي "بستان الديوان" ببيت أثري عام /1951/ وهذا البيت نشأ فيه والدي وجدي ويعود تاريخ بنائه لعام /1898/ وهو من أقدم البيوت في "حمص" التي حافظت على طابعها التراثي القديم.

    الدكتور "فركوح" مع عائلته في "حمص"

    والدي اسمه "فيليب فركوح" وكان يعمل محامياً أما والدتي فاسمها "نور صيرفي" وكانت تعلّم في "مدارس الغسانية الأرثوذكسية الخاصة" ولكن بعد زواجها تفرغت لأمور المنزل وتربية الأطفال.

    وتعتبر عائلة "فركوح" من العائلات الحمصية القديمة جداً ومنها برز سياسي اسمه "عبد الله فركوح" الذي كان عضواً في الكتلة الوطنية أيام الاحتلال الفرنسي وكان عضواً في البرلمان السوري لعدة دورات في الأعوام ما بين الاستقلال السوري وثورة الثامن من آذار.

    وقد نشأت في هذه العائلة المحافظة الحمصية في جو من التعايش والإخاء. درست المرحلة الابتدائية في "المدرسة الغسانية الأرثوذكسية الخاصة" ثم درست الإعدادية في "مدرسة القديس يوحنا الدمشقي" ونلتها بتفوق في عام /1974/ وكنت الثاني على "حمص" والرابع عشر على مستوى سورية.

    تابعت دراستي الثانوية في "ثانوية رفيق رزق سلوم" ونلت الشهادة الثانوية في عام /1977/ وقد سافرت مباشرة إلى "دمشق" وسجلت في "جامعة دمشق" بكلية الطب البشري ونلت إجازة الطب في عام /1983/ وكأي شاب سوري قمت بخدمة العلم بدمشق.

  • بعد سنوات الطفولة والشباب في سورية كيف نشأت عندك فكرة السفر إلى خارج الوطن؟
  • ** عندما أنهيت خدمة العلم فكرت بمتابعة دراستي الطبية وخاصة دراسة اختصاص الطب النسائي وكان لدي آنذاك ثلاثة خيارات الذهاب إما إلى فرنسا أو الولايات المتحدة الأميركية أو ألمانيا، ولكن اخترت السفر إلى فرنسا لعدة أسباب وهي أن لفرنسا طابع اجتماعي قريب من عاداتنا العربية مقارنة مع أميركا، وثانياً أني كنت أحب اللغة الفرنسية لأن والدي كان يحبها لأنه درس مهنة المحاماة في "جامعة القديس يوسف" في "بيروت".

  • هل يمكن أن تحدثنا عن حياتك الجديدة في فرنسا؟
  • ** سافرت إلى فرنسا في عام /1986/ فدرست اللغة الفرنسية أولاً ثم انتقلت لمتابعة دراسة الطب في "جامعة ليون" فدرست الجراحة العامة والبولية ثم النسائية وبعد "جامعة ليون" انتقلت إلى "جامعة نانسي" وأنهيت اختصاص النسائية فيها ولدي عدة دراسات طبية في العقم وجراحة الثدي.

    الحقيقة كانت هذه السنوات سنوات صعبة ملأى بالتحديات والصعوبات، ولكن حرصت على إتمامها بشكل جيد وأنا الآن أعيش وأعمل في "مدينة ساركومي" الفرنسية.

  • بعد سنوات الدراسة الطويلة كيف بدأت العمل في فرنسا وكيف بدأت حياتك العائلية هناك؟
  • ** خلال سنوات الدراسة كنت آتي إلى "حمص" دورياً وبشكل مستمر، وكان أبي يقنعني دائماً بالزواج من فتاة حمصية لكي أكوّن عائلة عربية متمسكة بأصولها ولكي أعود بالمستقبل إلى بلدي "حمص" وأنا عملت بنصيحة والدي وتزوجت في عام /1992/ بحمص" في "كنيسة الأربعين شهيداً" واسم زوجتي "رولا فركوح" وهي من نفس عائلتي، وسافرنا معاً للعيش في فرنسا بمدينة ساركومي والآن أن أعمل بمستشفى في نفس المدينة ولدي أيضاً عيادتي الخاصة، وقد أنجبت أربع بنات وهن الآن يتلقين دروساً باللغة العربية وقد أصبحن يتقنها بشكل جيد، وأنا أحرص على أن يرافقنني إلى "حمص" كل عام وهن الآن متعلقات بسورية و"حمص" لأن فترة الصيف يقضينها دائماً بحمص في بيت جدهن.

  • بعد هذه السنوات الطويلة التي قضيتها بين سورية وفرنسا كيف ترى "حمص" الآن وهل أثرت فرنسا في حبك لوطنك؟
  • ** حمص من المدن السريعة التطور والنمو هذا ما لاحظته خلال زياراتي المتواصلة إلى هنا فكلما أعود إلى "حمص" أجد أن شيئاً ما قد تغير، سرعة التطور العمراني والسياحي كبيرة جداً ولا يدرك هذا الأمر إلا من يغيب أشهراً عن "حمص" ويأتي إليها، وأنا متمسك بحمص القديمة ذات الفلكلور المميز، لذلك أجد أن التطور السريع شيء إيجابي وسلبي بآن واحد فهذه الحداثة السريعة يمكن أن تساهم في محو عوالم "حمص القديمة" لذلك علينا أن نحافظ على تراثنا الحمصي، لأن التراث لا يحدّ من التطور.

    لذلك أدعو إلى إبقاء البيوت القديمة والأزقة الضيقة وترميمها، لأن هذا ما يميز مدينتنا فالسائح الأجنبي لا يأتي إلى "حمص" ليرى الأبنية العالية والطرق العريضة الطويلة إنما يأتي إلى هنا ليرى أقدم الأحياء وأعرق البيوت ذات الأحجار السوداء والأسقف الخشبية.

    وعندما أرى "حمص" الآن أجد أن كل شيء قد تغير حتى العادات الاجتماعية القديمة، والسهرات العائلية أصبحت في المطاعم ولم تعد في البيوت، صنع الحلويات في المنازل اختفى مع وجود باعة الحلويات والأفران المتطورة. الناس فقدوا بساطتهم الأولى وتحولوا إلى أناس غربيين في فكرهم وعاداتهم، لذلك أنا أخشى على مجتمعنا، لأننا نأخذ عادات الغرب السيئة فقط!

    وعن رؤيته لمستقبله قال: «فرنسا رغم كل هذه السنوات التي عشتها هناك لم تؤثر في حبي لوطني وهذا الحب يصل أحياناً إلى درجة العشق، وهذا العشق للوطن أحاول نقله إلى بناتي الأربع وآمل أن يختاروا في المستقبل العيش في سورية.

    وأنا أفكر أن أعود إلى "حمص" وأعيش في بيت أجدادي بعد التقاعد، وإن لم أستطع ذلك فسأحاول أن أعيش متنقلاً بين سورية وفرنسا».