استطاعت الدراما السورية وعلى مدى سنوات الظهور بقوة في ميدان الدراما العربية فلا تكاد تخلو أي محطة عربية من الأعمال السورية مع احتلالها موقع الصدارة وانتشارها الواسع الذي أوصلها إلى قمة الأعمال الدرامية من جهة، وتوجه شركات الإنتاج إلى المنافسة والمزاحمة لاحتكار تلك المسلسلات من جهة أخرى .

إن الدراما السورية أصبحت تعاني اليوم من عدة مشاكل وعراقيل تقف في وجه ازدهارها شأنها شأن أي مهنة أو صناعة تعتمد على الإبداع والخلق وذلك حسب رأي كاتب الدراما السوري «نور الدين الهاشمي »الذي التقاه موقع ehoms ليطلعنا على تلك الصعوبات التي تعاني منها الدراما السورية , وما هي الموضوعات المفيدة والجديدة التي من الممكن أن تغني الدراما وتناسب المستوى الذي وصلت إليه فقال :

أتمنى أن يبحث كل كاتب عن مواضيع جديدة ومبدعة وبأسلوب جميل وممتع، وأن يُفهم أدب الطفل بشكل أكبر ويأخذ حقه سواء في التلفزيون أو المسرح، والذي غالبا ً ما توليه الحكومات دعمها لأنه عملية تربوية بالدرجة الأولى، وأن تتحرر الدراما السورية ولو قليلا ً من رؤوس الأموال وتخرج من إطار الماديات

«تعاني الدراما السورية بشكل أساسي من اعتمادها على التمويل الخارجي والذي بدأ يتحكم بطبيعة أو نوعية العمل، فالممول يريد الربح بغض النظر عن النوعية والكيفية وهذا خطر خصوصاً عندما تتحكم جهة الإنتاج باختيار نوعية العمل أو الممثلين أو حتى المخرجين وعندها سيكون العمل تجارياً بإمتياز , ومن جهة أخرى تعاني الدراما من مشكلة التشابه في طرح الموضوعات وعدم التنسيق سواء في التأليف أو طريقة الطرح فمعظم الموضوعات تكون عادة عن الأحياء الشعبية أو أحزمة الفقر حول المدينة أو الجريمة أو التهريب والسرقة , كل ذلك حصر الدراما السورية في دائرة مفرغة كان عليها الخروج منها من خلال طرح موضوعاتها بشكل عنيف وقوي وتسليط الضوء على مواضيع تلامس الواقع وهموم الناس وتعكس قضاياه بشكل جدّي وجريء كموضوع " قرطبة " مثلا ً وحياة العرب فيها، أو الحب بين دينين مختلفين، بالإضافة إلى مواضيع هامة وملحة مثل مشكلة البطالة وهي مشكلة معقدة وصعبة الحل عالميا ً وليس عربيا فقط، أو مشكلة المخدرات وتفشيها في مجتمعاتنا العربية وخصوصا شريحة الشباب، إضافة إلى الكثير من المواضيع التي تغني وتوسع آفاق الدراما السورية , وبشكل عام تطرح الدراما السورية مواضيع وإبداعات جديدة وهنا يكمن سر نجاح وجمال تلك الدراما »

نور الدين الهاشمي

*في سنة 2009 أنتجت الدراما السورية ما يقارب اثنين وعشرين مسلسلا ً حسب ما جاء في وسائل الإعلام المحلية, ما هو المسلسل الذي طرح موضوعه بطريقة جدية وجريئة من باقة تلك المسلسلات من وجهة نظرك ككاتب؟

**«برأيي مسلسل " زمن العار "حاول أن يطرح فكرة جديدة وجريئة كانت مخبأة بين طيات العادات والتقاليد العربية وهي - ألا تحصروا عاركم بالمرأة فقط وعندما تلقون اللوم عليها فأنتم منافقون - فالمرأة وحدها جالبة للعار أما الخداع والغش فهذا ليس عار برأيهم. لقد حاول هذا المسلسل أن يظهر للمجتمعات العربية بعضا ًمن تلك القيود البالية القديمة التي كبلت أفكارهم وأصبحت محور حياة بعض تلك الأسر وجاء " زمن العار " ليكشف النقاب عن حقيقة واضحة وموجودة ولكنهم يعمون الأبصار عنها، فالعار ليس فقط في تلك الفتاة التي أجبرتها ظروفها على السقوط بل هو موجود ٌ في أكثر من مكان »

*ماذا عن مسلسل "مرايا "الذي شاركت في تأليفه من عام 2000حتى عام 2006 والظهور الكبير للفنان " ياسر العظمة " فيه، وما رأيك بالنقد الذي طال المسلسل مؤخرا ً, وما هو سبب توقف المسلسل ؟

**«"مرايا "حالة خاصة في الدراما السورية فهو أول مسلسل تمكن من المزج بين النقد الاجتماعي والسياسي والضحكة الساخرة الصادرة من القلب يحوي المسلسل على أكثر من ألف لوحة غطت معظم المواضيع الاجتماعية والسياسية والثقافية بطريقة لا يجرؤ أحد على طرحها، وهو الذي فتح المجال لظهور موضوعات كانت طي الكتمان فمسلسل "مرايا " هو عبارة عن مجموعة من اللوحات التي لا تشبه بعضها وأنا أمتلك الكثير من اللوحات التي لم تعرض لأنها تشبه بشكل أو بآخر لوحات أخرى , أما عن الظهور الكبير للفنان " ياسر العظمة " في جميع اللوحات لدرجة أنه قام بدور البطولة فيها فهذا طبيعي لأنه صاحب الفكرة والمشروع منذ البداية. مثلا ً " شارلي شابلن " كان بطل جميع مسرحياته والمطربة " فيروز " كانت الشخصية الرئيسية على مسرح الرحابنة، وكل شخص شارك في نجاح "مرايا" كان له رأي وترك فيه بصمة ولكن تبقى الكلمة للفنان " ياسر العظمة " كونه صاحب ذلك المشروع منذ البداية ومن حقه أن يظهره بالطريقة التي يراها مناسبة , وهناك من نقد العمل وأنا أقول لهم إن عملا ً عمره أكثر من عشرين عاما ً من الظلم أن نحكم عليه من خلال مقالة أو مادة صحفية فهو سلسلة طويلة عاصرت جيلا ً من الشباب وتركت بصمة واضحة في مسيرة التلفزيون السوري . على كل الأحوال ولكي يخرج الفنان " ياسر العظمة " لأول مرة من إطار " مرايا " فإنه يحضّر لمسلسل جديد بعنوان "رجل الأحلام " وهو من تأليفي وإخراج الأستاذ " هشام شربتجي "»

*في ندوة " الدراما السورية على طاولة النقاش "صرحت بأن "باب الحارة "خطر على الدراما السورية، فأين يكمن ذلك الخطر، ومن هو المسؤول عن ذلك المستوى الذي وصل إليه المسلسل برأيك ؟

**« "باب الحارة " مسلسل يزيف الواقع بشكل ٍ عام فهو يعرض حارة دمشقية في فترة ما بين الحربين تعج بالثرثرة النسائية مع بعض المشاهد التي ترمز إلى المقاومة في حين أن دمشق في تلك الفترة كانت تنضح بالنشاطات والمظاهرات والندوات الثقافية والاجتماعية والسياسية والتي تعبر عن الوعي الجماهيري، هذا عدا عن الزعماء الوطنيين والشعراء والأدباء مثل "خليل مردم و شفيق جبري

وأحمد شوقي " الذي زار دمشق واستقبل بحفاوة في أنديتها الثقافية ومسارحها الدمشقية فحتى حمص في تلك الفترة كانت تحوي مسرحا ً بالإضافة إلى النشاطات الرياضية والاجتماعية والسياسية الساخنة والتي كان من الأفضل عدم تجاهلها.

وعن السبب في وصول المسلسل إلى هذا المستوى الخطر فهو الإطار المادي الذي يسيطر عليه، فنجاح المسلسل مقترن بكثرة المبيعات والأرباح التي قد يحققها»

كلمة أخيرة :«أتمنى أن يبحث كل كاتب عن مواضيع جديدة ومبدعة وبأسلوب جميل وممتع، وأن يُفهم أدب الطفل بشكل أكبر ويأخذ حقه سواء في التلفزيون أو المسرح، والذي غالبا ً ما توليه الحكومات دعمها لأنه عملية تربوية بالدرجة الأولى، وأن تتحرر الدراما السورية ولو قليلا ً من رؤوس الأموال وتخرج من إطار الماديات».