"لماذا الدين؟ هل هناك أزمة في قيمنا الدينية؟ هل هناك أكذوبة كبرى نعيشها منذ ستين سنة في قضية الدول الدينية؟ وهل الدين يؤسس دولاً أم يؤسس أمّة؟..هذه العناوين هي معركتنا القادمة التي بدأت خجولة منذ ستين سنة واليوم يستثيرونها لتكون هناك حرب ثالثة تنطلق شرارتها باسم الدين.."

هذا ما استهل به سماحة المفتي العام للجمهورية الدكتور (بدر الدين حسون) مداخلته في الندوة التي أقامها مجلس مدينة حمص في إطار أنشطته الثقافية وتحت رعاية المهندس (محمد إياد غزال) محافظ حمص.

وكان عنوان الندوة (الدين ودوره في بناء المجتمع الأخلاقي والاقتصادي والإنساني والاجتماعي) وقد اشترك فيها مع سماحة المفتي العام كل من: سماحة الأستاذ (فتح الله القاضي) مفتي حمص، وسيادة المطران (جاورجيوس أبو زخم) مطران حمص للروم الأرثوذكس، وسيادة المطران (إيسيدور بطيخة) مطران الروم الكاثوليك، وذلك في سفير حمص وبحضور حشد من الفعاليات الاجتماعية والرسمية والثقافية والدينية.

وقال (د. حسون) في بداية حديثه " يريدون أن يكون الصراع دينياً .. نحن في سورية مستهدفون دينياً واجتماعياً.. وعلينا تحصين أبنائنا وإعطاءهم المناعة ضد هذه المؤامرات"

وأكد (د. حسون) أن الدين علاقة حب بين الإنسان وخالقه، وأوضح أنه القوانين التي وضعها الله من أجل سعادة الإنسان لا لتقييده " الله يحب أن يحب لأنه خلقنا بالحب وللحب.. والعلاقة بين الإنسان والله علاقة حب لا علاقة قهر"، كما أكد سماحته على أن الناس ما قاموا بثورة ضد الدين لأن الدين سعادتهم، بل قاموا ضد من لم يعطي الدين صورته.

سماحته يتسلم درع المدينة من السيد المحافظ

وذكر أن الدين دينان دين صنعه الله الديان ودين صنعه الإنسان فالأول سخر فيه الله أنبياءه لخدمة رسالته وقال:" إن التشريع يختلف لكن الدين يبقى واحداً في أن الله خالقنا جميعاً ومرجعنا جميعاً.. ومهمة هذا الدين تكمن في أن يبني المجتمع وفي أن يخدم الأخلاق والاقتصاد، ويعمل على أنسنة حياة الإنسان مع أخيه الإنسان. أما الدين الثاني فأوضح سماحته أنه يتمثل في الأديان غير السماوية كالبوذية والهندوسية والطاوية.

وتحدث (د. حسون) عن تحول الدين إلى مذاهب وإلى أحزاب سياسية وقال" ما يحدث في فلسطين يصدر إلينا فكرياً في بعض طبقاتنا الشعبية، فبدأنا نهتم بالمساجد والمعابد ونسينا الساجد والعابد نسينا الإنسان الذي هو كعبة الله وهو مسجدنا الأقصى وهو كنيسة القيامة.. الإنسان هو البيت المقدس الأقدس عند الله عز وجل"

هدية من سماحته لرئيسة المدينة

وختم مداخلته قائلاً" أعيدوا النظر في الدين، أنه حياة وسلوك وأخلاق، وليس عبادات وحدود وأحكام.."

وبدوره أكد سيادة المطران جاورجيوس أبو زخم أن الإنسان هو المقصود، وهو في التعبير المسيحي للكلمة ذلك الشخص الذي خلقه على صورته ليتمثل به في الحياة وقال سيادته" انطلاقاً من ذلك أرى أن الدين وضع من أجل الإنسان.. لذلك نعتبر هذا الإنسان صاحب رسالة وهو ليس بالضرورة أن يكون نبياً .. فكل إنسان يحمل رسالة والرسالة تعني أنه مؤتمن على أمر ما، وائتمانه هذا يعني أنه مكلف أن ينشر الحرية والعدالة والمساواة، لكن هذا لا يتحقق إلا إذا حقق الإنسان إرادة الله في مجتمعه الذي يعيش فيه"

وأضاف سيادته " هذه الديار التي نعيش فيها هي ديار مقدسة مباركة منحنا إياها الله لكي تنطلق منها الرسالة وتكون لها صداها وأبعادها في العالم كله وفي المجتمعات كلها.. لهذا أرى وكما نتعلم من مدرسة سماحة المفتي د. أحمد بدر الدين حسون أننا نحن من نبع الله نستقي ونستلهم ونحاول أن نغرس في مجتمعاتنا ليكون عندنا نوع من معادلة فيها تكامل في الحياة من كافة النواحي الأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية، حتى نصل بالنتيجة إلى أن نفهم كيف يتأنسن الإنسان، وكيف يصبح على صورة الله، وهذا نحن علينا أن نفعله.."

وختم سيادته بالقول" في هذا البلد بالذات عندنا رسالة واضحة وهي أن يعرف الجميع أننا في كل أدياننا مهما تنوعت لن نختلف ولن تتغير فينا تلك الثوابت الراسخة بأن نسعى لخدمة الإنسان ولبقاء الكيان البشري.."

سماحة الأستاذ فتح الله القاضي مفتي حمص تحدث عن أنه في كل زمن يكون هناك رسول ينقل الرسالة الإلهية ويكون حديثه بما يتناسب مع زمانه، ومع القوم الذين جاء إليهم.

وقال سماحته" الكل من عند الله.. ولا يكون الإنسان كائناً إلا بدينه.. لأن الدين الذي من الله هو واحد ولا يفرق" وأضاف "الدين ككل يعتبر مهماً جداً للإنسانية جمعاء، وهو يتجه إلى خير هذه الإنسانية لأن الخالق واحد والرسالات مصدرها واحد، والكتب من حيث المضمون هي واحدة.. الكل يتجه باتجاه واحد ولا يمكن أن نقول أن الأديان تفرق ما دام عرفنا أن الشمس هي واحدة".

سيادة المطران إيسيدور بطيخة أكد على الحاجة إلى الدين بقوله" نحن بحاجة إلى الدين لكي يذكرنا بأن الإنسان ليس سيد ذاته ولا سيد التاريخ لأنه ليس هو أصل ذاته.. أصله في الله وغايته الله تعالى"، وذكر سيادته أن حاجتنا إلى الدين تنبع من الحاجة إلى عيش الإنسان مع إخوته البشر في الرحمة والمحبة والتسامح المتبادل، كما ذكر أن حاجة الإنسان إلى الدين ليقوّم ويصحح الانحرافات في بعض التصرفات وقال" نحن بحاجة على الدين المنفتح المتسامح .. والإنسان بنظرنا كائن حي مرتبط بالله في عمق كيانه.. فحضارة من دون الله هي بحسب قول البابا بولس السادس (حضارة من دون إنسان).. الارتباط بالله هو من المقومات الاساسية للكيان الإنساني، فعندما يلغى هذا الارتباط يشوه المجتمع وتسود شريعة الغاب"

وأشار سيادته إلى أن الطائفية تمزق الأوطان وهي هدامة المجتمعات وهي ليست من الله وأن الدين هو حياة، ونور، وتجدد دائم وختم حديثه بالقول:" من هذا الشرق انطلق نور الله لينير العالم كله .. معاً بإمكاننا أن نرسخ الإيمان والمحبة والغفران ثقافة وحضارة عرفناها في الإنجيل والقرآن ضد الكفر والإلحاد ليتمجد اسم الله القدير".

وفي نهاية الندوة تم توزيع دروع مدينة حمص على السادة المشاركين في الندوة، كما قدم سماحة المفتي العام هدايا تذكارية للسيد المحافظ ولرئيسة مجلس المدينة وللسادة المشاركين في الندوة.