درجت في مدينة "حمص" عبر عصور سابقة اعتقادات متعلقة بحضارات مرّت عليها كان بطلها الحجر، وخصوصاً الحجر الأسود البازلتي؛ وهو ما جعل الناس يطلقون عليها لقب "أم الحجارة السود".

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 25 كانون الثاني 2016، الدكتور "منذر الحايك" المتخصص بتاريخ وتراث مدينة "حمص"؛ ليحدثنا عن أبرز ميزات هذا الاعتقاد بقوله: «اعتقادات وأساطير عديدة مرت على سكان المدينة العتيقة حول الحجر، وهناك أشهر القصص لأبرز الحجارة التي يمكن الحديث عنها، وهي قصة "جامع الشيخ برق" الذي يحوي فيه عموداً لا علاقة له بشكل البرق، والمعتقد الشعبي هو من ألف هذه الأسطورة، وربما تعود إلى ما قبل الإسلام، فأغلب المساجد كانت كنائس، وقبلها كانت معابد وثنية، وربما الأسطورة منذ ذلك الزمن، كما يوجد حجر آخر في "مذبح معبد الشمس" الموجود في باحة "الجامع النوري" وثقب تصريف الدم بنيت حوله أسطورة في العصر الإسلامي بأنه أثر إصبع للإمام "علي" رضي الله عنه، وأن من يدخل إصبعه فيه تشفى من عروق الملح.

من استخدامات الحجر الأسود في محافظة "حمص" حجر "الرحى" أو "الجاروشة" المستخدمة للمطاحن بأنواعها قبل ظهور الآلات الحديثة، وهي وجدت لطحن القمح وغيره من الحبوب، إضافة إلى ما يسمى "جرن الكبة"، وهو مصنوع من حجر منحوت بمختلف الأشكال. من تلك الأحجار أيضاً حجر "القيمة"، ومن أسمائه "شيلة المراجل"، وكان يستخدم كعادة اجتماعية طريفة ومتوارثة، تتمثل في تحدي الرجولة بين شباب الحي أو القرية في زفاف أحدهم، فالحجر هو المحك، وفي زفة العريس عندما تزف له عروسه يشترط أهلها ألا يحصل على عروسه ما لم يرفع "القيمة" لإثبات رجولته أمامهم، وأمام عروسه

والحجر الأخير الذي أعرفه هو مذبح وثني تحول إلى جرن معمودية، ثم وضع كقاعدة في شباك "جامع الخضر". وكانت عليه صورة وجه بعينين كبيرتين، فكان الناس يعتقدون به وتجلب له النذور لشفاء رمد العيون».

د. منذر الحايك

المهتم بالتراث اللا مادي، وأحد وجهاء "حي الغوطة" التاجر "محمد نزيه حزّام" تحدث عن هذه المعتقدات من خلال الكتب والمراجع التاريخية وكبار السن الذين عاشر بعضهم، فقال: «من أكثر القصص الشعبية انتشاراً في الماضي والحاضر والعالم القديم والجديد، وعند الشعوب البدائية والمتقدمة على حد سواء ما يتعلق بالحجر الذي عرفه الإنسان منذ بدء الحياة، فاستعمله لإيقاد النار، والدفاع عن النفس ضد الوحوش والأعداء.

وللحجر جذور أسطورية قديمة في الفكر الإنساني ما زال الكثير من مظاهرها سائداً في الذهنية الشعبية لمجتمعاتنا العربية، وقبل التعرف إلى بعض هذه المظاهر السائدة في "حمص" نقرأ ما كتبه "أبو منصور الثعالبي" في هوية الأحجار وأسمائها وألوانها، ففي الأرض تسمى "اليرمع"؛ وهي حجارة سوداء تلتصق بالأرض.

محمد حزام

وقد اعتاد العرب القدماء عبادة الحجارة النيزكية، وارتبطت عبادتها بـ"إله الشمس"، أو "إله السماء"، ومرسل هذه الحجارة التي قدست وعبدت باعتقاداتهم.

وفي مدينة "حمص" كانت أسرة "شمسغرام" هي المتعلقة بعبادة الحجر الذي دعاه الحماصنة "إيلاغابال"، وقد نقل هذا الحجر إلى "روما" فيما بعد.

مدفن أثري قديم

وفي "مسجد الشيخ برق" الذي يقع بين حي "باب الدريب" و"باب السباع" في "حمص" ينتصب عمود حجري نسبت حوله أسطورة نادرة لا يعلم أحد ما هي جذورها التاريخية، لكن شكلها الذي وصل إلينا يعطي للعمود خاصية عجيبة في شفاء تشنج الظهر الذي يدعوه الحماصنة "برق الظهر" تشبيهاً بلمعان البرق في حدته وسرعته، فكانت أفواج الناس تقصد ما سمي في العصور الإسلامية المتأخرة مقام "الشيخ برق"؛ حيث يسند كل منهم ظهره إلى العمود ويضغط عليه لتروى حوله أعاجيب عن حالات الشفاء، وظل الناس يقصدونه حتى أوائل القرن الحالي».

وتابع يعدد استخدامات الإنسان للحجر: «من استخدامات الحجر الأسود في محافظة "حمص" حجر "الرحى" أو "الجاروشة" المستخدمة للمطاحن بأنواعها قبل ظهور الآلات الحديثة، وهي وجدت لطحن القمح وغيره من الحبوب، إضافة إلى ما يسمى "جرن الكبة"، وهو مصنوع من حجر منحوت بمختلف الأشكال.

من تلك الأحجار أيضاً حجر "القيمة"، ومن أسمائه "شيلة المراجل"، وكان يستخدم كعادة اجتماعية طريفة ومتوارثة، تتمثل في تحدي الرجولة بين شباب الحي أو القرية في زفاف أحدهم، فالحجر هو المحك، وفي زفة العريس عندما تزف له عروسه يشترط أهلها ألا يحصل على عروسه ما لم يرفع "القيمة" لإثبات رجولته أمامهم، وأمام عروسه».