ظل "حكواتي حمص" وفياً لمهنته حتى زمن قريب، وما زال ملتصقاً بالذاكرة الجمعية حتى بات مظهراً من مظاهر الجذب الاجتماعي، عبر اجتماع الناس في مقاهي الأحياء القديمة للمدينة، مستمعين إلى قصص الأبطال القديمة والمعروفة عبر التاريخ.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 20 تشرين الثاني 2015، الموظف "مطيع إبراهيم" الذي عاش أواخر هذه الحقبة من عصر الحكواتية الحماصنة الذين ندر وجودهم مع تطورات العصر الحديث؛ ليحدثنا عن هذه الظاهرة الاجتماعية بقوله: «اعتاد السكان سابقاً أن يلتفوا في أمسيات رمضان حول هذا الحكواتي ليحدثهم عن قصص الماضي وبطولات "عنترة" و"أبي زيد الهلالي" ويغني لهم مآثر الأجداد الخالدين، فيثير فيهم الحماسة ويسيطر على عواطفهم ومشاعرهم، فينجذب المتابعون له في قهوة الحارة عادة؛ إما سعيدين بكلامه أو غاضبين؛ حيث يضطر أحياناً لتغيير مجريات الأحداث، وبالأسلوب الذي يطيب لهم، ويدوم سرد القصة الواحدة عدة أيام حسب الحالة العامة للزبائن، ويتوقف في كل ليلة عن الكلام في مكان يشد السامع إلى المجريات لكي يأتي في اليوم التالي لمعرفة ما حدث.

أغلب القصص مستوحاة من الظروف الاجتماعية المحيطة بالناس، فكنّا نراه يغذي الروح الوطنية والانتماء إلى الوطن، إضافة إلى مشاعر الحب والرجولة والشهامة، وحث الناس على القيم الفضيلة، فكان تأثيره كبيراً جداً، وهو بمنزلة التلفاز في عصرنا الحالي مع اختلاف مشقة الذهاب والاجتماع كحيّ كامل لمشاهدة الحكواتي والاستماع إلى حكاياته التي كانت تقسم الحاضرين إلى قسمين يدفعهم التأثر إلى حدود الشجار حماسة لشخصية "عنتر" أو "الزير سالم" فتراهم جزءاً من الحدث، على الرغم من أنهم كانوا يجلسون في المقهى على كراسٍ من القش أو الخيزران يدخنون النرجيلة، ويستمتعون ببداية رواياته وصوته الجميل، مردداً الأشعار التي تقال بحق بطل القصة التي يرويها، قبل أن تشتد الحكاية وتصل إلى ذروتها وتشتد معها حماسة الناس وانفعالهم

كان الحكواتي في "حمص" يعتلي مكاناً مرتفعاً يروي فيه قصصه وحكاياته في أمسيات الأعياد وليالي رمضان، والجمهور يجلسون على حصر أو "سجاجيد"، بعضهم يدخن النرجيلة وآخر يشرب الشاي أو القهوة، لكن العيون لا تبتعد عن هذه الشخصية التي تشدهم بحركات جسمه ويديه وتعابير صوته، وكان الحضور من ذوي الطبقات الاجتماعية المختلفة لكن أغلبهم من البسطاء والفقراء الذين يقابلون مقاطع الحكاية الحماسية بالتحسر والآهات وصرخات الإعجاب مع كل موقف».

مطيع إبراهيم

ويضيف: «أغلب القصص مستوحاة من الظروف الاجتماعية المحيطة بالناس، فكنّا نراه يغذي الروح الوطنية والانتماء إلى الوطن، إضافة إلى مشاعر الحب والرجولة والشهامة، وحث الناس على القيم الفضيلة، فكان تأثيره كبيراً جداً، وهو بمنزلة التلفاز في عصرنا الحالي مع اختلاف مشقة الذهاب والاجتماع كحيّ كامل لمشاهدة الحكواتي والاستماع إلى حكاياته التي كانت تقسم الحاضرين إلى قسمين يدفعهم التأثر إلى حدود الشجار حماسة لشخصية "عنتر" أو "الزير سالم" فتراهم جزءاً من الحدث، على الرغم من أنهم كانوا يجلسون في المقهى على كراسٍ من القش أو الخيزران يدخنون النرجيلة، ويستمتعون ببداية رواياته وصوته الجميل، مردداً الأشعار التي تقال بحق بطل القصة التي يرويها، قبل أن تشتد الحكاية وتصل إلى ذروتها وتشتد معها حماسة الناس وانفعالهم».

"عبد الباري شحود" وهو أحد سكان "حمص القديمة" على مدار عشرات السنين تحدث لنا عن هذه الظاهرة التي خفّت كثيراً بقوله: «للأسف لم يعد الحكواتي ضرورة اليوم كما كان منذ أكثر من نصف قرن، بل صار تاريخاً لظاهرة شعبية طريفة، ولم يعد الجمهور يعيش الحالة الدراماتيكية التي كان يعيشها آنذاك، بل اقتصر الاهتمام بالحكواتي على السهرات الرمضانية كنوع من التسلية والترويح عن النفس، وأًصبح كفاكهة للسهرات الرمضانية، ومتابعو الحكواتي الآن يشاهدون الظاهرة ولا يواكبونها، وبالأصل لم يعد هناك مقهى فيه سدة مخصصة للحكواتي، واختفى اللباس العربي الجميل كـ"الشروال والشملة أو الطربوش والقنباز والمزوية المزركشة"، وكتابه الذي يحتوي الحكايات والأقاصيص الشعبية المحببة الذي لم يكن أحد يستطيع أن يقرأ ما فيها إلا هو؛ لأنه صار جزءاً من كيانه مع وجود التطور التكنولوجي الحديث، إلا أن هذه الوسائل العصرية لن تكون في المحصلة بديلاً من الحكواتي الذي نعرفه، فلا التلفزيون أخذ مكان السينما والراديو ولا السينما أخذت مكان المسرح، ولن تأخذ هذه الوسائل مجتمعة مكان الحكواتي مهما اختلفت الظروف».

عبد الباري شحود