تتفرّد مدينة "حمص" عن باقي المدن والمناطق السورية بالاحتفال سنوياً بعيد "خميس الحلاوة" الذي يحمل الكثير من معاني التآخي والعيش المشترك بين أبناء هذه المدينة؛ من خلال طقوس اجتماعية خاصة مرافقة لهذا العيد.

مدونة وطن "eSyria" التقت الباحث التاريخي "نهاد سمعان" فتحدث عن أصل هذا العيد وطقوس الاحتفال به قائلاً: «"خميس الحلاوة" أو ما يسمى أيضاً "خميس الأموات" هو من الأعياد الشعبية القديمة في مدينة "حمص"، ويعد واحداً من أصل سبعة أيام خميس ذات طقوس احتفالية كانت تبدأ مع بدء الصوم الكبير لدى الأخوة المسيحيين الذين يتبعون التقويم الشرقي، فكما هو معروف فإن توقيت عيد الفصح الشرقي متحول يتغير من سنة إلى أخرى؛ فهو محدد كنسياً بقاعدة بأنة يتم في الأحد الأول بعد أول قمر بدر بعد الاعتدال الربيعي الشرقي أي 21 آذار شرقي، وقد تم في "حمص" اتباع نفس القاعدة لتحديد موعد "الخميسات" السبعة المواكبة للصوم، وهذه "الخميسات أو الخمسانات" السبعة كما يسميها الحمصيون هي: "خميس التايه"، و"خميس الشعنونة"، و"خميس المجنونة"، و"خميس القطط"، و"خميس النبات"، و"خميس الحلاوات" أو"خميس الأموات"، و"خميس المشايخ" الذي يكون بنفس توقيت خميس الآلام العظيم عند المسيحيين أي خميس ما قبل عيد الفصح».

ومن طقوس هذا العيد خروج عدد كبير من أبناء "حمص" بعد ظهر يوم "خميس الحلاوات" إلى المقابر لزيارة أمواتهم والترحم عليهم، مصطحبين معهم كميات من الحلاوة بمختلف أصنافها؛ حيث يقومون بتوزيعها على كل من يصادفونه من الناس طالبين منهم الترحم على موتاهم، وكان الناس يتبادلون في هذا اليوم عبارة: "الله يرحم الأموات، كم كانوا يحبون الحلاوات"

وعن طقوس الاحتفال "بخميس الحلاوة" يضيف "سمعان": «ومن طقوس هذا العيد خروج عدد كبير من أبناء "حمص" بعد ظهر يوم "خميس الحلاوات" إلى المقابر لزيارة أمواتهم والترحم عليهم، مصطحبين معهم كميات من الحلاوة بمختلف أصنافها؛ حيث يقومون بتوزيعها على كل من يصادفونه من الناس طالبين منهم الترحم على موتاهم، وكان الناس يتبادلون في هذا اليوم عبارة: "الله يرحم الأموات، كم كانوا يحبون الحلاوات"».

أحد محال بيع الحلاوة في مدينة "حمص" منذ بضع سنوات

وأضاف: «ويعد "خميس الحلاوة" آخر خميس مميز من الخميسات السبعة في "حمص" حتى وقتنا الحاضر، ويعود الفضل باستمراره لبائعي الحلاوة، كما أن "الحلاوة الخبزية" ذات اللونين الأبيض والأحمر التي صارت تتميز بها "حمص" هي التي أبقت على ذكرى هذا الخميس حياً رغم أنها صارت متوافرة على مدار العام وليس في هذا الخميس بالذات، فأصبحت الحلاوة "الخبزية" هي الحاملة لذكرى هذا الخميس وليس العكس».

كما التقينا أيضاً "مروان الشمالي" صاحب أحد معامل الحلاوة في مدينة "حمص"، فحدثنا عن الموسم السنوي "لخميس الحلاوة" وانعكاسه الاجتماعي على الناس وعلى بائعي الحلاوة وقال: «يعد هذا العيد أهم المواسم الاقتصادية بالنسبة لبائعي الحلاوة في "حمص"، فكنا كأصحاب معمل للحلاوة ننتج الحلاوة بالأطنان ونبيعها لتجار المفرق قبل أسبوعين من ذكرى "خميس الحلاوة"، وكانت الزينة تملأ الأسواق والبهجة تملأ قلوب الناس في هذا العيد، ولا يمر هذا العيد إلا وكل أسرة في "حمص" وريفها تكون قد أكلت الحلاوة احتفالاً بهذه المناسبة مهما كانت كميتها بسيطة».

"مروان الشمالي" صاحب معمل حلاوة في "حمص"

وأضاف: «كان بعض التجار يحوّلون حوانيتهم بالكامل لبيع هذا الحلاوة في هذا الموسم ويتجاوزون حدود الحانوت إلى الرصيف الذي أمام محلهم، ومنهم من يصل إلى منتصف الشارع الطريق بمعروضاته، فكانت أسواق "حمص" تتزين "بقواميع" الحلاوة "الخبزية" وبأصناف الحلاوة الأخرى: "السمسمية، والبشمينة، والغريبة، والحلاوة الشوشية، والراحة الملونة"، وغيرها من أصناف الحلاوة، وتتهافت الناس من مختلف أحياء المدينة ومن بعض مناطق ريف المحافظة على شراء هذه الأصناف، وكنت تسمع باعة الحلاوة ينادون بصوت مرتفع ليجذبوا الناس لشراء الحلاوة: "الله يرحم الأموات كانوا يحبون الحلاوات"، وكان الكثيرون من الناس في هذا اليوم يشترون الحلاوة ويقدمونها كهدايا بزيارتهم إلى منازل أقربائهم وأصدقائهم، حيث يجتمعون لأكل الحلاوة في أجواء من الألفة والفرح والمحبة.

واليوم ورغم تراجع الاحتفال بـ"خميس الحلاوة" في السنتين الماضيتين وانخفاض الطلب عليها إلا أنني مازلت محافظاً على مهنة أبي وجدّي الذي كان يبيع الحلاوة قديماً كبائع متجول في أسواق "حمص" وقد علمتها لأولادي، وكلّي أمل بعودة هذه المواسم كما كانت في السابق وأفضل إن شاء الله».

الباحث التاريخي "نهاد سمعان"