شهدت الفترة الزمنية لأوائل القرن العشرين عدداً من الحوادث التي تركت أثراً كبيراً في حياة الناس اليومية، وكانت بمعظمها خارجة عن نطاق إرادتهم، ولعل أهمها "ثلجة الأربعين" أو "الثلجة الكبيرة" كما يروي عنها الأهالي.

مدونة وطن eSyria وبتاريخ 22/10/2013 التقت الجد "متى سلوم" من أهالي قرية "المزينة" ليروي عما سمعه من والده عن تلك الفترة بالقول: «يذكر معظم الأهالي الموجودين حالياً الحدث حسب روايات أهاليهم، وحدث ذلك في عام 1911 من القرن الماضي وكان ذلك الشتاء قاسياً جداً وبدأت الثلوج بالتساقط بكثافة في كامل منطقة "الحصن" وقرى "الوادي" وحدث ذلك مساء ليلة باردة من منتصف شهر كانون الثاني واستمر هذا التساقط حوالي أربعين يوماً ليكون هذا الحدث تأريخاً أهلياً اعتمده الكثيرون لحفظ أحداث حياتهم، وخاصة أن معظمهم لم يكن يقرأ أو يكتب وإلى اليوم ما زال البعض يقول إن فلاناً ولد في "ثلجة الأربعين" وفلاناً تزوج قبلها وهكذا....».

انتشر الكثير من القصص بين الأهالي عن "ثلجة الأربعين" وما حدث خلالها، حيث يروي البعض أن الوحوش الجائعة التي كانت تقطن الجبال المجاورة لقرى "الوادي" هاجمت هذه القرى واعتدت على من وجدته وحيداً وحتى التهمته، وإحدى هذه القصص عن بائع متجول كان يركب حماره وقد حمل عليه بعض المتاع ليبيعه في قرى مجاورة فتعرضت له ضبع على الطريق ورشته ببولها وأصبح يتبعها أينما سارت فقادته حتى ابتعدت به عن الطريق وأكلته مع حماره وهناك غيرها الكثير من القصص المثيرة عن ذات الفترة

أثرت هذه الثلجة في مجالات الحياة حيث أوضح: «أذكر من روايات والدي بأن الثلج غطى البساتين والطرقات ووصلت سماكته لارتفاع أعلى من البيوت وحبس الأهالي في بيوتهم، وأصبحوا يتناولون مما خبؤوه في بيوت المؤن حتى وصلت بهم الحال إلى تناول القمح مسلوقاً وممزوجاً بالملح نتيجة نفاد مؤنهم وعدم قدرتهم على مغادرة بيوتهم، وحتى تبن الحيوانات كان قد نفد أيضاً ولكثافة الثلج صار الأهالي يجرفونه عن أسطح البيوت وفسحاتها صانعين ممرات صغيرة بين الغرف وباب المنزل ليتمكنوا من التنقل وحتى النساء كان شغلهن الشاغل هو تنظيف ماء "الدلف" النازل من السقوف وانتشرت الأوعية والأطباق في أرجاء المنزل لتجميع هذا الماء وإبعاده عن إتلاف الأثاث».

الدكتور يوسف الشامي

شهدت "ثلجة الأربعين" موت عديد من الأشخاص نتيجة قلّة الحطب المستخدم للتدفئة وحتى ندرته بسبب تغطية الثلج لكل شيء، وانقطاع الباعة الجوالين عن إحضار الأدوية والعقاقير لسوء الطرقات كما قال، وقد وثق هذه الحادثة الكثير من الباحثين والرحالة وعن ذلك يتحدث الدكتور والباحث "يوسف الشامي" بالقول: «كل ما هو مذكور عن هذه الحادثة أتى من ذاكرة الأهالي أو بعض ما روي في التاريخ وقد بدأ تساقط الثلج من مساء 18/1/1911 ولغاية النصف الأول من شهر آذار، وانخفضت درجات الحرارة في أغلب الأيام إلى ما دون 25 درجة مئوية تحت الصفر وبدأ الجليد بالتشكل فقد روى الشاهدون أن الماء النازل من "المزراب" كان يتجمد مشكلاً القناديل وقد شلت حركت التجارة تماماً بسبب انقطاع الطرق بين القرى ومدينتي "طرابلس" و"حمص" وتوقف سير القوافل التجارية وحركة البائعين وحتى حركة القطارات توقفت، وحتى الموانئ أغلقت، وورد ذكر ثلجة الأربعين في مذكرات "لورنس العرب"».

ويذكر الباحث "يوسف الشامي" أن هذه الثلجة جعلت الكثير من الحيوانات البرية التي تقطن في المنطقة تهاجم الأهالي وهو حدث نادر الوقوع إلا في فترات متباعدة في التاريخ وفي ظل ظروف قاسية ويقول: «انتشر الكثير من القصص بين الأهالي عن "ثلجة الأربعين" وما حدث خلالها، حيث يروي البعض أن الوحوش الجائعة التي كانت تقطن الجبال المجاورة لقرى "الوادي" هاجمت هذه القرى واعتدت على من وجدته وحيداً وحتى التهمته، وإحدى هذه القصص عن بائع متجول كان يركب حماره وقد حمل عليه بعض المتاع ليبيعه في قرى مجاورة فتعرضت له ضبع على الطريق ورشته ببولها وأصبح يتبعها أينما سارت فقادته حتى ابتعدت به عن الطريق وأكلته مع حماره وهناك غيرها الكثير من القصص المثيرة عن ذات الفترة».

أحد الأديرة القديمة في الثلج
صورة قديمة لأحد الموانئ في الشام