امتد تاريخه منذ العهد المملوكي وحتى منتصف القرن العشرين، وجذبت أجواؤه الاحتفالية والاجتماعية زواراً من مختلف أنحاء بلاد الشام، حيث كان أهل "حمص" على موعد معه في آخر خميس من شهر نيسان من كل عام.

إنه موسم "خميس المشايخ" الذي كان يعتبر أحد أهم المواسم الاجتماعية والدينية والاقتصادية في بلاد الشام وفي مدينة "حمص" على وجه الخصوص، يعود أصل مهرجان "خميس المشايخ" إلى عصر المماليك كما قال عضو الجمعية التاريخية السورية الباحث "محمد عبد الدايم" الذي التقته مدونة وطن eSyria بتاريخ 20/6/2013 فتحدث عن أصل هذا العيد وأسباب ظهوره قائلا:

نال اسمه لأن قيام مواكب مشايخ الطرق الصوفية فيه بمسيراتهم المتميزة كان أهم مظاهره فكانت المواكب الصوفية تبدأ مسيرها من أماكن "الزوايا" يتقدمهم رجال الدين المسلمون من مشايخ الطرق وأتباعهم فيقومون بضرب المَزاهر "الدُّفوف" وإنشاد أجمل القصائد والموشحات الدينية

«يعود تاريخ ظهور مثل هذه الخُمسانات أو الأعياد والمهرجانات في بلاد الشام إلى عصور إسلامية مختلفة وبدأت حكايتها مع عصر "المماليك" الذي ازدهرت فيه الفنون الحربية والاحتفالات الشعبية والمواكب الدينية لعدة أهداف كان أهمها تجميع الناس للبقاء على أُهبة الاستعداد لمقارعة بقايا الجيوش الصليبية المتواجدة على الساحل السوري».

من أجواء موسم خميس المشايخ

اختار أهل "حمص" موعداً محددا للاحتفال بـخميس المشايخ الذي انفردت به المدينة وتجلى فيها بأبهى صوره فعن ذلك أضاف "عبد الدايم": «انفردت مدينة "حمص" بالعديد من المواسم والخمسانات التي اعتنى أبناؤها بإقامتها وهي احتفالات ربيعية لها نظائر في أنحاء عدة من بلاد الشام وارتبطت بتفتح الزهور وإيراق الأشجار بعد شتاء حمص البارد المُثلِج.

خميس المشايخ يسبق عيد الفصح ويُسمّى أيضاً "خميس البَيْض" وكان أضخم احتفالات الربيع في المدينة التي كان موعدها شهري آذار ونيسان».

صورة تذكارية من المواسم الأخيرة لخميس المشايخ

عن أهم مظاهره التي كانت سبباً بتسميته تحدث الباحث "محمد": «نال اسمه لأن قيام مواكب مشايخ الطرق الصوفية فيه بمسيراتهم المتميزة كان أهم مظاهره فكانت المواكب الصوفية تبدأ مسيرها من أماكن "الزوايا" يتقدمهم رجال الدين المسلمون من مشايخ الطرق وأتباعهم فيقومون بضرب المَزاهر "الدُّفوف" وإنشاد أجمل القصائد والموشحات الدينية».

وفضلاً عن كونه موسماً اجتماعياً يجمع الناس فقد كان خميس المشايخ موسماً اقتصادياً سياحياً هاماً أيضاً لأبناء المدينة، يقول المؤرخ الكبير "عبد الحفيظ شما" مؤسس الجمعية التاريخية في "سورية" لمدونة وطن "eSyria" عن الأهمية السياحية للعيد: «كان الخميس موسماً ينتظره أبناء بلاد الشام لكي يقوموا بزيارة "حمص" ومسجد وضريح الصحابي البطل "خالد بن الوليد" رضي الله عنه، فكانت تمر المواكب وجُموع القادمين من مدن دمشق وبيروت وطرابلس وغيرها بشوارع "حمص" لتتوقف قليلاً عند بعض المساجد وأهمها مسجد "خالد بن الوليد"، ثم تتابع سيرها مع أفواج الأهالي ومشايخ الطرق الصوفية باتجاه قرية "باباعمرو" التي أصبحت فيما بعد حيّاً كبيراً من أحياء مدينة "حمص" وصولاً إلى قبر الصحابي "عَمْرِو بنِ مَعْد ِيْكَرِب الزبيدي".

المؤرخ "عبد الحفيظ شما" - المراسل عصام محو

فتجلس جُموع الناس للنُّزهة بين البساتين والزهور على ضفاف السواقي وأمامهم خُضرة الزَّرع على مَدّ النظر، ويأكلون مما أحضروه معهم أو قاموا بشرائه من "حمص" كما تتخلل الأجواء ألعاب الفروسية والسيف والتُّرْس ثم يعود الموكب يتقدَّمُه سنجق "خالد بن الوليد" لينتهي في المكان الذي بدأ فيه».

لم يُكتب لهذا المهرجان الحمصي التاريخي البقاء حيث كان عام 1954م آخر موسمٍ احتفت به "حمص".

للحديث مع من عاصروا خميس المشايخ وشاركوا بأجوائه التقت مدونة وطن المؤرخ المعمِّر "نعيم الزهراوي" المولود في حمص عام 1927م والذي كانت له أيام صباه وشبابه تجربة شخصية عاش من خلالها نهايات هذا العيد, تحدث عنها بقوله: «بدأ المهرجان بالضعف والتناقص قبيل منتصف القرن العشرين تقريباً ومرَّ في مراحل ضمور وتوقف كما حدث أثناء الحرب العالمية الاولى حيث توقف الاحتفال من سنة 1914م حتى سنة 1918م وذلك بسبب ظروف الحرب واستؤنف بعدها حتى موسم 1948م, إذ أمر الشيخان "عبد الله جندل" و"سعد الدين الجباوي" وهما صاحبا المكانة الدينية الكبيرة في حمص حينها بإيقافه, فلم يخرج فيه في ذلك العام إلا بعض خلفاء المشايخ وبشكل بسيط محدود ولم يعودوا إليها بعد ذلك أبداً.

وقد أوقف الاحتفال بخميس المشايخ رسمياً عام 1954 من قبل الرئيس "الشيشكلي" وذلك بضغوط من "مصطفى السباعي" و"الحزب الشيوعي السوري" وبذلك تكون حمص قد أسدلت الستار على أعظم مهرجان شعبي وموسم اقتصادي خاص بها».