هو طقس حميم يعيشه أهالي قرى ريف منطقة "تلكلخ" في مثل هذا الوقت، تختزن عبره لحظات لا تنسى عن قطاف الزيتون، الذي يبدأ موسمه عادة مع نهايات شهر أيلول، حيث تجتمع الأسرة كاملة بكبارها وشبابها وحتى أطفالها لجمع حبات الزيتون من على شجر مزرعتهم.

فمع طلوع الشمس ترى الأهالي يتوافدون نحو كروم الزيتون لقطافه، حيث قام المزارعون بالاستعداد لهذا الموسم بتحضير أدوات القطاف وحاجاته، ويستمر هذا الموسم لما يقارب الشهر وحسب كمية الثمار التي تحملها أشجار الزيتون في الموسم وتزداد كثافة العاملين في القطاف خلال أيام العطل حيث يشارك جميع الأهل به من طلاب وموظفين ليتسم عملهم بالتعاون والنشاط.

إن الكمية تختلف تبعاً لنوع شجرة الزيتون ونوعية التربة المغروسة الشجرة بها، غالباً ما يعطي كل 70كغ من حبات الزيتون مقدار 16كغ من الزيت

مدونة وطن eSyria زارت بتاريخ 29/9/2008 بعض القرى في ريف "تلكلخ" والتقت المزارع "محمد العلي" من قرية "جبق" والذي حدثنا عن بداية موسم قطاف الزيتون بالقول: «عادة نقوم بعملية قطاف الزيتون بعد أن تمطر السماء في فترة زمنية نطلق عليها "رية الصليب" والتي تصادف على التقويم الميلادي الفترة الممتدة بين نهاية شهر أيلول والنصف الأول من شهر تشرين الأول حيث تكون شجرة الزيتون تعرضت للمطر وارتوت ونضجت جيداً ثمارها وكذلك يكون الغبار قد زال عنها بفعل المطر ما يسهل عملية القطاف ويجعلها ممتعة».

المزارع علي أبو صالح

وبيّن المزارع "علي أبو صالح " من أبناء المنطقة أنه «لا تقتصر أعمال قطف الزيتون والتي تكون في الأغلب في عطلة نهاية الأسبوع أو في ساعات ما بعد الدوام على الكبار وكبار السن بل يشارك فيها الكبار والصغار من رجال ونساء وأطفال كل يعمل بكل جد واجتهاد في جو من الألفة والمحبة ويتناولون الطعام مع بعضهم بعضاً حتى ولو كان بسيطاً فأحياناً لا يتجاوز الجبن واللبن وبعض أنواع من الخضار والمعلبات بعد قيامهم بصناعة الشاي على الحطب في المنطقة التي يقومون بقطف الزيتون فيها بعد أن يقوم أحدهم بجمع الحطب وصناعة الشاي لتقديمه للمشاركين في هذا الحدث الموسمي.

وأحياناً يتكون من المناسف أو إحدى الأكلات التي يقدم عليها الجميع تقوم إحدى السيدات ممن يملكون المزرعة أو الأشجار التي يقومون بقطفها بصناعته إما في المنزل إن كان قريباً أو في نفس المنطقة إن كانت تبعد مسافة كبيرة عن مكان قطف الزيتون ليتناول الجميع طعامهم المغموس بالحب والتعاون بعد عناء يوم طويل بكل ألفة».

المزارع محمد العلي

وعن مستلزمات عملية القطاف يحدثنا المزارع "حافظ الحجي" بالقول: «يجهز الأهل قبل عملية القطاف "مدات" (عبارة عن قطعة من الشوادر أو النايلون) وأوعية لجمع حبات الزيتون وأكياس لتعبئته ويوزع الأهل الأعمال فيما بينهم حيث يقوم غالباً الأبناء بالصعود إلى الشجرة وقطف حبات الزيتون فيما يقوم البعض بالقطاف من الجوانب ليتم لم "المدّة" عند الانتهاء من الشجرة وجمع جميع الحبات ووضعها في أكياس الخيش وتجميعها حتى نهاية الموسم لينقل بعضها إلى المعصرة وكنا في السابق نلجأ إلى المعاصر القديمة المنتشرة في قرى صافيتا لعصر الزيتون لكن حالياً تم إنشاء معصرة آلية حديثة في قرية "نعرة" القريبة منا».

وعن كمية الزيت المستخرجة من الزيتون ذكر "الحجي": «إن الكمية تختلف تبعاً لنوع شجرة الزيتون ونوعية التربة المغروسة الشجرة بها، غالباً ما يعطي كل 70كغ من حبات الزيتون مقدار 16كغ من الزيت».

وعن نوع الزيتون المزروع لهذا العام في المنطقة حدثنا المزارع "عبد الله البايكي": «موسم هذا العام هو "موسم الحرمان" بالنسبة للزيتون القديم المزروع سابقاً في هذه المنطقة حيث كان القدماء يزرعون الزيتون دون النظر إلى صنفه أو إنتاجيته ما جعل شجر الزيتون القديم أغلبه من نوع "الدعيبلي" الذي يعطي إنتاجاً لمدة عام ويحرم من الإنتاج العام القادم، أما حالياً فعندما يقوم الفلاحون بزراعة الزيتون يدققون كثيراً على صنفه وإنتاجيته كما أنه يلقى عناية كبيرة أثناء الموسم ليزيد من كمية الانتاج».

الباحث في تراث مدينة "حمص" "فيصل شيخاني" ذكر أن هذا الموسم يشكل بوابه مهمة للاجتماع العائلي والأسري على هيئة ما كان يعرف دائماً بنظام (العونة)، وكان هذا النظام يمتد إلى الحصاد وبناء البيوت والزواج، منوهاً بأن موسم القطاف من جملة هذه المواسم، التي تشكل مدخلاً مهماً لفهم الحراك المجتمعي على مدار السنة.

وفي موسم القطاف كما يشير "شيخاني" يتهيأ أصحاب مزارع الزيتون لجد (قطف) الزيتون، فينهض معهم الكثير من أبجديات وأدوات الزيتون التي تبرز من خلالها لوحات تراثية جميلة في اللباس الشعبي والأدوات المستخدمة والطعام الشعبي والأغاني، مبيناً أن هذه المناسبة إحياء للكثير من ألوان التراث النائمة والتي تستيقظ مع عطاء شجرة الزيتون.

  • تم تحرير المادة بتاريخ 2009.