المرأة الريفية الحمصية كانت مثال سيدة المنزل المقتصدة الحريصة على منزلها، حريصة على كل شيء حتى مخلفات السنابل بعد جمع حبوب القمح والشعير التي كانت ولا تزال من أهم الزراعات في ريف حمص والبادية.

حرفة صناعة القش كانت وما تزال تشكّل فرصة للقاء والثرثرة بين النساء والفتيات الريفيات اللواتي يجتمعن في البيوت الطينية، أو على المصاطب تحت الأشجار، أو في الصالونات الريفية الواسعة حيث تتخلل هذه المجالس الأحاديث والقصص المتبادلة وأخبار الناس، بينما تمتلئ هذه الأجواء بالمنافسات الحادة لإنجاز مصنوعات القش بسرعة قصوى، وابتكار رسوم جديدة يتم إدخالها على السلال والأطباق. وغالباً ما تستعمل هذه الأطباق والسلال لقطاف التين والعنب، لذلك كنت ترى الأيدي تسرع في صناعتها قبل موسم القطاف.

قرية مسكنة إحدى القرى الحمصية التي تعمل بعض أسرها بصناعة القش ومنها أسرة السيدة أم سليمان التي عبرت عن محبتها لصناعة أطباق القش قائلة: "تعلمت مهنتي من والدتي حيث كنت أراقبها وأنا طفلة صغيرة وهي تحول قش الحنطة اليابسة إلى أشكال جميلة فأعجبت بهذه الصناعة وحاولت أن أكون مثل أمي وهكذا بدأت رحلتي مع صناعة أطباق القش.تبدأ رحلة العمل من بيدر القمح بعد أن يقوم الفلاحين بجمع غلالهم ومن ثم يقومون بدرسه والباقي من هذه الأشياء هو عبارة عن أعواد القش حيث أقوم بجمعها ومن ثم أحمل ثروتي هذه وأذهب إلى المنزل حيث يبدأ العمل،في البداية أضع هذه الأعواد في الشمس لمدة ثلاثة أو أربعة أيام من أجل أن تجف بشكل نهائي وبعد ذلك أقوم بصناعة الأشكال المطلوبة مني مثل أطباق توضع عليها أصناف الطعام أو بعض المزهريات الجميلة بالإضافة إلى صناعة بعض السلال الصغيرة التي تستعمل لحفظ أدوات الزينة بالنسبة للسيدات وتصنع هذه السلال بشكل جميل وأنيق وعصري، بالإضافة إلى صناعة بعض القفف الصغيرة التي كانت تستعمل في السابق لوضع الحنطة المسلوقة".

وتضيف أم سليمان قائلة: "تراجعت هذه الحرفة كثيراً بعد ظهور وسائل بديلة حيث اعتمد المزارعون في حصاد القمح على الحصادة الآلية التي تنزع الحبوب فلا تغدو السنابل صالحة لصناعة القش، ولكن رغم هذا مازالت في نفوس كثيرات مثلي همة وحماسة لصنع أطباق القش".

رغم دخول العادات المدنية إلى البيوت والحياة العامة، إلا أنه مازال هناك بعض المهتمين بصناعة القش ومنتجاته وعادت هذه الحرفة إلى الواجهة بعد تعدد استعمالاتها، أي أعادت وجودها بشكل مختلف، فالطبق المصنوع من القش قديماً كان مخصصاً فقط لتقديم وجبات الطعام الرئيسية فقط، وهي الفطور والغداء والعشاء. كما كان طبق القش ينتقل من البيت إلى الأرض الزراعية، محمولاً فوق رأس المرأة الريفية، أما الآن فأصبح استعماله نادراً ضمن البيوت، لكنه أصبح عبارة عن لوحة تراثية متميزة برسومها المختلفة وألوانها الجميلة، وتعلق على جدران المنازل كجزء من الديكورات الحديثة.

صناعة القش دليل على محبة الأرض وما تنتجه.. فلا يضيع منه شيء ولا يتلف بل تعمل المرأة على الاستفادة منه أسريا ويشكل أحياناً دخلاً مادياً للأسرة.‏