رحل عن منابر الفكر والثقافة بعد سنوات طوال قضاها في التعليم إلى جانب البحث والتأليف الفلسفي، متناولاً في مؤلفاته قضايا تنويرية لمصلحة الإنسان والمجتمع، على الرغم من سنوات عمره التي قضاها في التعب والمعاناة والصبر على المآسي.

خسرت مدينة "حمص" أحد أبرز مفكريها ومثقفيها، الأديب والباحث والمفكر "محمد راتب الحلاق"، كما ذكر الدكتور "عبد الرحمن البيطار" رئيس فرع "اتحاد الكتَّاب العرب" في "حمص"، لمدوّنةِ وطن "eSyria" بتاريخ 15 أيلول 2020، وأضاف قائلاً: «عاش حياة الفقر والكفاح والمسؤولية منذ نعومة أظفاره بعد وفاة والده المبكرة، تاركاً له مسؤولية أسرة كاملة، كان لها منعكسات على حياته الشخصية، حيث تفرغ وأعطى كل جهده لمساعدتها وتدبير أمورها، ومع ذلك كان يكافح من أجل رفع مستواه العلمي، وتحصيل لقمة العيش لعائلته، هذا ما حققه من خلال حصوله على شهادة أهلية التعليم من معهد "دار المعلمين" في بداية ستينيات القرن الماضي، رغم أنّ أبواب الجامعة كانت مفتوحة له وبجميع الاختصاصات، لكن ما ذكرناه عن التزاماته العائلية دفعه للتضحية مجدداً في سبيلها.

عاش حياة الفقر والكفاح والمسؤولية منذ نعومة أظفاره بعد وفاة والده المبكرة، تاركاً له مسؤولية أسرة كاملة، كان لها منعكسات على حياته الشخصية، حيث تفرغ وأعطى كل جهده لمساعدتها وتدبير أمورها، ومع ذلك كان يكافح من أجل رفع مستواه العلمي، وتحصيل لقمة العيش لعائلته، هذا ما حققه من خلال حصوله على شهادة أهلية التعليم من معهد "دار المعلمين" في بداية ستينيات القرن الماضي، رغم أنّ أبواب الجامعة كانت مفتوحة له وبجميع الاختصاصات، لكن ما ذكرناه عن التزاماته العائلية دفعه للتضحية مجدداً في سبيلها. شغفه بالعلم وبتطوير ذاته كان محفزاً له من أجل متابعة دراسته الجامعية إلى جانب ممارسته لمهنة التعليم، هذه تضحية جديدة ومستمرة تحسب له، وبعد مثابرة حثيثة استطاع نيل شهادة الإجازة الجامعية في الفلسفة، وتحول معها من معلم للمرحلة الابتدائية، إلى مدرِّس في مدارس مدينة "حمص" الثانوية، وبعدها أصبح محاضراً في كلية التربية بجامعة "البعث" في رحلة كفاح وعطاء جديدة استمرت لأكثر من 30 عاماً

شغفه بالعلم وبتطوير ذاته كان محفزاً له من أجل متابعة دراسته الجامعية إلى جانب ممارسته لمهنة التعليم، هذه تضحية جديدة ومستمرة تحسب له، وبعد مثابرة حثيثة استطاع نيل شهادة الإجازة الجامعية في الفلسفة، وتحول معها من معلم للمرحلة الابتدائية، إلى مدرِّس في مدارس مدينة "حمص" الثانوية، وبعدها أصبح محاضراً في كلية التربية بجامعة "البعث" في رحلة كفاح وعطاء جديدة استمرت لأكثر من 30 عاماً».

الدكتور عبد الرحمن البيطار

ويتابع الدكتور "عبد الرحمن البيطار" حديثه عن المراحل اللاحقة في مسيرة "محمد راتب الحلاق"، ويقول: «كان محبَّاً للفكر والأدب، وبما أنّ اختصاص الفلسفة الذي درسه هو محرك للتفكير المنطقي، فقد تابع اهتمامه بهذا الشأن، ليتحول إلى كاتب صحفي في جريدة "العروبة" في بداية ثمانينيات القرن الماضي، وأدار لمدة عشرة أعوام الصفحة الثقافية فيها، في هذه الأثناء كان تصميمه لمتابعة دراساته العليا حتى الحصول على شهادة الدراسات العليا في الدراسات الفلسفية والاجتماعية (الماجستير) في فترة التسعينيات من القرن المنصرم، وفيها قدّم رسالته حول "عبد الحميد الزهراوي" التي صدرت لاحقاً كمؤلَّفٍ حمل اسمه، لم يقف الأمر هنا، بل استمر في مثابرته على طريق العلم والفكر، ولولا ظروف قاهرة لكان قد أتمَّ حلمه في الحصول على شهادة الدكتوراه التي كان قاب قوسين أو أدنى من تحقيقها، رافقته مذ دخوله إلى اتحاد الكتاب العرب قبل أكثر من 35 سنة، وقد أثبت جدارته ككاتب ومفكر فلسفي، وأصبح عضواً في مجلس الاتحاد عام 1997، ومنه انتخب كأحد أعضاء المكتب التنفيذي، وهي أعلى هيئة تابعة له، وأعيد انتخابه كعضو في المجلس مرة أخرى».

وعن نتاجات الراحل الأدبية يضيف: «مؤلفاته التي صدرت عن الاتحاد تنوعت مواضيعها ما بين قضايا المرأة والقضايا الفكرية السياسية، منها على سبيل المثال لا الحصر "عبد الحميد الزهراوي"، "فن الحياة"، "الفقه والتصوف"، وغيرهم، وبما أنَّ الفكر هو المنتج للأعمال بشتى محاورها، فقد ركزت كتاباته على هذا الأمر، وتناول قضايا النهضة والنهضويين، إلى جانب قضايا المجتمع المختلفة والمتنوعة، منها العلاقة بين الفقراء والأغنياء، إلى جانب دور اللغة في حياة الأمة.

محمد راتب الحلاق مكرماً من قبل طلال البرازي محافظ حمص السابق

خلاصة فكره ترجمها في أواخر حياته، عبر الزاوية الأسبوعية "رؤى" التي كانت تنشر في جريدة "الثورة" الرسمية الصادرة في "دمشق"، وآخر ما كتبه في هذه الزاوية كانت مقالته عن المرأة السورية "أليس قندلفت"، عدا عن كتاباته المستمرة المنشورة في معظم أعداد مجلتي "الأسبوع الأدبي" و"الموقف الأدبي" الصادرتين عن اتحاد الكتاب العرب، حضوره تعدى حدود مدينته والوطن كذلك، من خلال مشاركته كباحث ومفكر فلسفي في العديد من المؤتمرات التي دعي إليها.

عمل "محمد راتب الحلاق" باحترام لفكره ولعمله وللآخرين عموماً، وهذا ما يشهده له جميع من عرفه وأكسبه احترامهم، خلاصة الوصف الذي يليق بالراحل هو ذاك الرجل العصامي، المناضل، المضحي في سبيل الغير قبل نفسه، والشخصية التي فرضت احترامها في كل المجالس والمنابر الأدبية، الثقافية، والاجتماعية، فقد كانت كتاباته بعيدة عن أيِّ انتقاد لأحد، لأنها كانت صادرة عن رجل واسع العلم والثقافة، متمكن من أفكاره ومفرداته والأسلوب الذي يقدمه فيها».

الأديب والشاعر الدكتور "غسان لافي طعمة" قال عن الأديب الراحل: «من خلال معرفتي به وبمسيرة حياته الأدبية والفكرية، فإنها تتلخص بنظري في أربع محطات أساسية، الأولى من خلال عمله في "دائرة التدريب المستمر" في مديرية التربية بمحافظة "حمص"، حيث أسهم في إعداد المعلمين إعداداً تربوياً ونفسياً سليماً لأداء عملهم في المدارس أداءً مرضياً، واستمر في هذا العمل الميداني سنين طويلة، أما المحطة الثانية فهي إسهامه الواضح في الحركة الثقافية النشطة التي شهدتها مدينة "حمص" خلال العقد الأخير من القرن العشرين والعقد الأول من القرن الحالي، إذ كان يشرف على تحرير الصفحة الثقافية في صحيفة "العروبة" المحلية اليومية، فأخذ بأيدي الأدباء ونشر إبداعاتهم، وكان ناقداً ذوّاقاً يعطي النص حقّه، ساعدته في ذلك ثقافته الواسعة، ثالث المحطات هي الدور الهام الذي لعبه من أجل تطوير مهرجان "حمص الشعري"، الذي بدأته "رابطة الخريجين الجامعيين" في أواخر سبعينيات القرن الماضي، فأثناء عمله كمسؤول عن الثقافة في مجلس الرابطة، نهض بمهرجانها السنوي من خلال علاقاته الواسعة مع أهم الشعراء من "سورية" وخارجها واستقطابهم إليه، فشهد المهرجان مشاركات شعرية عربية مميزة، أذكر منها الشاعرة العراقية "ساجدة المولوي" وزميلها "عبد الوهاب البياتي"، ومن "فلسطين" الشاعر "يوسف الخطيب"، إضافة لشعراء من "لبنان" أمثال: "زاهي وهبة"، "محمد علي شمس الدين"، و"جوزيف حرب"، بالإضافة لاستقطابه مجموعة من شعراء مدينة "حمص"، من الجيل الذي كان يسمى يومها صاعداً، ومنهم: "عبد النبي التلاوي"، "حسان الجودي"، "محمد وليد المصري" "غسان لافي طعمة" وغيرهم، إلى جانب الجيل المعتق من شعراء المدينة أمثال "عبد الكريم الناعم"، "ممدوح السكاف" "مصطفى خضر" ومعهم "نزيه أبو عفش"، كل ذلك أعطى للمهرجان شهرة عربية واسعة، المحطة الرابعة أستطيع فيها وصف الراحل "محمد راتب الحلاق" بأنه مثقف ومفكر تنويري، تجلى ذلك من خلال نشاطاته في اتحاد الكتَّاب العرب محاضراً عن دور الفكر التنويري، وكاتباً عن أعلام النهضة مثل: "جمال الدين الأفغاني" و"عبد الحميد الزهراوي"، وقد كان عضواً فاعلاً في الاتحاد بكل معنى الكلمة».

الجدير ذكره بأنَّ الراحل "محمد راتب الحلاق" من مواليد مدينة "حمص" عام 1942، وهو عضو في "رابطة الخريجين الجامعيين" وأحد أعضاء نادي "دوحة الميماس" الفني الموسيقي، وقد تم تكريمه في العام الفائت خلال فعاليات مهرجان "حمص السياحي الثقافي" الأول، وتوفي في 10 أيلول 2020.