أثبت الراحل "عبد الحميد الزهراوي" أن للأدب والفكر دوراً كبيراً في دحر الاستعمار من البلاد، فدفع ثمن كلمة الحق غالياً، متسلحاً بالعلم والدين والسياسة.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 15 أيلول 2015، المفكر "أوسام يونس" ليحدثنا عن قراءته التاريخية للشاعر الراحل، ويقول: «"عبد الحميد بن محمد شاكر بن إبراهيم الزهراوي"، من زعماء النهضة السياسية في "سورية"، مفكر وصحفي وأحد شهداء العرب في "ديوان عالية"، أصدر صحيفة أسماها "المنير" قبيل إعلان الدستور العثماني، وكان يوزعها سراً.

إن العرب كانوا قد ألفوا الترك وهؤلاء قد ألفوا العرب وامتزج الفريقان امتزاجاً عظيماً، لكن كما مزجت بينهم السياسة فرقت بينهم السياسة، هذه الرابطة قد أصبحت مهددة بالسياسة أكثر مما كانت مهددة من قبل

سافر إلى "الآستانة"، فساعد في إنشاء صحيفة "معلومات" التركية؛ فقامت السلطة الحميدية بطرده إلى "دمشق"، فصار يكتب في صحيفة "المقطم" المصريّة، ولما علم به والي "دمشق" "ناظم باشا"، أرسله مخفوراً إلى "الآستانة"؛ إلا أن "أبو الهدى الصيداوي" ساعده فأعيد إلى "حمص"».

أوسام يونس

ويضيف: «بعد صدور الدستور العثماني عام 1908، عاد إلى "دمشق"، وانتخب مبعوثاً عن "حماة"، اشترك في تأسيس حزب الحرية والاعتدال، وحزب الائتلاف المناوئين لجمعية الاتحاد والترقية التركية، وأصدر صحيفة "الحضارة" الأسبوعية، وعند نشوب الحرب العالمية الأولى، قبض عليه من قبل السلطات العثمانية في "ديوان عالية" وحكم عليه بالموت ونفذ الحكم في 6 أيار 1916 برفقة عدد من المفكرين، لأنهم كشفوا دمامة أفعالهم وحكمهم الجائر المستبد».

الأديب "ناجح حمود" من أبناء "حمص" يتحدث عنه بالقول: «كان من رجال العلم بالدين والسياسة، وله عدة مؤلفات منها رسالة "الفقه والتصوف"، وكتاب "خديجة أمّ المؤمنين"، ومنذ ذلك التاريخ وما قبله والاستعمار يحاربنا بالقضاء على علمائنا ومفكرينا، ولذلك سميت إحدى مدارس "حمص" باسمه تكريماً لما قدمه من تضحيات، ولو لم يكن من الرجال الذين زرعوا البذار الأولى لمقاومة الاستعمار لما خلدته.

ناجح حمود

ويتابع: «حياة كل مهتم ببلاده من إصلاح وفساد ومقاتلة للظلم تعني وجود حسّ مرهف، وهو الذي يولد الشعور بالمسؤولية، و"الزهراوي" كان لديه هذا الحسّ، فدراسته وتعمقه في اللغة العربية، جعلاه يمتلك القيمة الفكرية والأدبية، وقد زوّده عقله وعلمه بدرجة عالية من الثقة بالنفس وقدرة على التحليل والنقد والمواجهة».

بمناسبة انتخابه في مجلس المبعوثين تحدثت عنه صحيفة "حمص" بالقول: «بهذه المناسبة نثني على همة ووطنية الحمصيين الذين يسعون إلى استئناف انتخاب العلامة "عبد الحميد أفندي الزهراوي"، الذي أظهر في مدة نيابته -ولا سيما في المدة الأخيرة- ما يصلح معه أن تعلق عليه الآمال بإصلاح الحال وتحسين المآل».

وفي عام 1913 عند انعقاد المؤتمر العربي الأول في "باريس" الذي كان بداية نهضة عربية قومية، وقد ترأس المؤتمر "عبد الحميد الزهراوي" على الرغم من عدم كونه عضواً في حزب اللا مركزية الذي دعا إلى المؤتمر، لكن أعضاء المؤتمر عينوه رئيساً له لمكانته العلمية الاجتماعية والسياسية، وقد قال في المؤتمر كلمته التي ظلت ترن في آذان الولاة العثمانيين طويلاً وجاء فيها: «إن العرب كانوا قد ألفوا الترك وهؤلاء قد ألفوا العرب وامتزج الفريقان امتزاجاً عظيماً، لكن كما مزجت بينهم السياسة فرقت بينهم السياسة، هذه الرابطة قد أصبحت مهددة بالسياسة أكثر مما كانت مهددة من قبل».

ومن أبرز أشعاره قصيدة ذات طابع فلسفي عبارة عن خلاصة تأمّلاته في الكون والإنسان وأسرارهما، وجاء فيها:

(الكـون مبنــي على الحـركات كلٌ في قدر

ويرى بنو الإنســان أنَّ همو خلاصـة ما فطر

والأرض تجمعنا فنحسب أنها إحــدى الكـبر

والكون ظرف ظــواهر والســرّ فيه ما ظهر

واعلــم بأن المفلـحين بذي الحياة أولو العبر).

يذكر أن المفكر "عبد الحميد الزهراوي" من مواليد "حمص"، عام 1855.