استخدم الألحان كوسيلة للتواصل مع روح المتلقي، أعطى الكثير من إبداعه وعلمه من دون مقابل، من أوائل الذين أدخلوا التوزيع الموسيقي بطريقة أكاديمية إلى الموسيقا العربية، كما أولى الأوبريت والباليه أهمية خاصة.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 2 أيار 2015، الموسيقي "جوان قره جولي" (مدير دار الأوبرا بدمشق) في مكتبه، فتحدث عن الموسيقار الكبير "مطيع المصري"، ويقول: «التقيته عدة مرات في منزله في منطقة "الزاهرة القديمة" بعد أن عرّفني به الأستاذ "بليغ سويد"، فكنت أمام موسوعة موسيقية، تتحدث بثقة عن هذا العلم الواسع، فلديه ثقافة كبيرة، وكان متواضعاً ومحباً لكل من تعامل معهم، وكان شخصية فريدة من نوعه».

التقيته عدة مرات في منزله في منطقة "الزاهرة القديمة" بعد أن عرّفني به الأستاذ "بليغ سويد"، فكنت أمام موسوعة موسيقية، تتحدث بثقة عن هذا العلم الواسع، فلديه ثقافة كبيرة، وكان متواضعاً ومحباً لكل من تعامل معهم، وكان شخصية فريدة من نوعه

وأضاف: «بدأ "المصري" حياته الفنية الفعلية عام 1948 عندما انضم إلى فرقة موسيقا "الجيش" عازفاً على آلة "الترومبيت"، واستمر فيها حتى عام 1962، لتوفده وزارة "الدفاع" إلى "القاهرة"، حيث درس في المعهد العالي للموسيقا، اختصاص قيادة الأوركسترا السيمفوني والتوزيع الموسيقي، وبعد عودته إلى الوطن انضم إلى فرقة "أميَّة" للفنون الشعبية، وكوّن فيها كورالاً ضخماً، ولحن لها العديد من اللوحات الغنائية مثل: "يا مهرة خلف الجبل، يا خوي يا رايح ع الشام.."، واللوحة التراثية التي ضمت الأهازيج "زينوا المرجة، شديت الهجن، الله الله يا مفرج المصايب"، كل هذه الأعمال ومعظم ألحانه كتبها للكورال "الغناء الجماعي"».

"مطيع المصري" في شبابه

وتابع "قره جولي": «من ميزاته الموسيقية الفنية أنه لا يستخدم المسودة، بل يكتب لمرة واحدة فقط من دون أي تعديل أو مراجعة، ولديه قدرة كبيرة على العطاء، فأذكر أنه ألف مقطوعتين موسيقيتين وأهداهما إليّ بخط يده، وهما عبارة عن بداية "كونشيرتو للعود" من ثلاث حركات، فسلمني النوتات وحيدة النسخة ولم يبق لديه أخرى منها، كما زودني ببعض المعلومات النظرية أيضاً بخط يده، وأي شخص يقصده يأخذ منه ما يريد من أعماله بذات الأسلوب، وعندما سألته لماذا تفعل هكذا، ألا تخاف على أعمالك من الضياع؟ أشار إلى رأسه، وقال: (كل هذه المعلومات مخزونة هنا، أكتبها في أي لحظة)».

وعن أعماله الضخمة قال "قره جولي": «أعطى "مطيع المصري" الاهتمام الأكبر للموسيقا والغناء الاستعراضي، وركز على الأوبريت والباليه، وأول عمل لحنه في هذا المجال هو أوبريت "الأم والوطن" عن الرواية الشهيرة "الأم" للكاتب الروسي "مكسيم غوركي"، قدمتها فرقة "أمية" عام 1964؛ حيث عرضت في "دمشق" و"حلب"، ثم "تونس" و"الجزائر" و"المغرب".

الموسيقي "جوان قره جولي"

بعدها لحن أوبريت "أفراح الريف"، التي وضع كلماتها الشاعر "حامد حسن" وقدمتها فرقة "أمية" أيضاً، والعمل الثالث له باليه "حكاية بلدي" التي قدمها التلفزيون، وتتناول المأساة الفلسطينية، ثم لحن أوبريت "علاء الدين والسيف المسحور" التي أخرجها "محمد الطيب" وقدمتها فرقة "أمية" عام 1971، وشارك فيها كبار الممثلين والمطربين، وآخر أعمال "مطيع المصري" كانت باليه "ديك الجن" التي قدمها المسرح العسكري عام 1981، وعرضت في خمسة عشر بلداً».

ويضيف: «يتقن "المصري" الثقافات الموسيقية المختلفة، والتخاطب الموسيقي الأكاديمي، توجهه دائماً كان باتجاه العلمي الكلاسيكي الغربي، ولم يولِ تلحين الأغنيات اهتماماً كبيراً، فكانت ألحانه فيها قليلة، كما يعد من أوائل الذين أدخلوا التوزيع الموسيقي إلى الموسيقا العربية بطريقة مدروسة وأكاديمية».

فرقة أمية

يقول الباحث الموسيقي "أحمد بوبس" في كتابه "مبدعو الألحان السورية": «اتبع "مطيع المصري" في وضع ألحانه أسلوب الموسيقا الكلاسيكية الأوروبية، بلغة موسيقية عربية، ونفذها مع أوركسترا كبيرة، ونجح في ذلك أيّما نجاح، حيث تعمق في الموسيقا العربية والأوروبية الكلاسيكية؛ فأبدع ألواناً جديدة من الأعمال الموسيقية والغنائية المسرحية».

"حسين الأومري" أحد متابعي "المصري" قال: «كانت فرقة "أمية" بأوجها عندما كنا نذهب لنتابع ما يبدعه "مطيع المصري" مع هذه الفرقة، حيث الأعمال الموسيقية الوطنية وألوان من التعبير الإنساني، فيتفاعل المتلقي معها سماعياً ووجدانياً وفكرياً، يحس بها إحساساً عميقاً، فلم تكن الموسيقا لدى "المصري" مجرد أنغام، بل وسيلة تواصل لالتقاء الذهن والروح، ونتيجة الزخم الفكري لديه نستطيع القول: إن موسيقاه تساهم في تبادل التآخي الثقافي الحضاري وتوثيق الصلات، وتقوية الصداقة والمودة، وتسهيل التعاون والتقارب بين الناس على المستوى المحلي في البلد الواحد، وبين مختلف الشعوب على مستوى الكون».

يذكر أن الموسيقي "مطيع المصري" من مواليد "حمص" عام 1930، تيتم باكراً، فتلقَّى دراسته الابتدائية في ميتم، وفيه بدأ تعامله مع الموسيقا من خلال الحفلات المدرسية، وكان عمره عشر سنوات، وعندما شبَّ قليلاً تعلم الموسيقا على يد الموسيقي الإيطالي "قيصر تاديا" لمدة ثلاث سنوات. رحل في العاشر من أيلول عام 2002 في "دمشق" تاركاً خلفه إرثاً موسيقياً ثقافياً كبيراً.