قامة أدبية، أحب الوطن وكتب في طبيعته أجمل الكلمات، وترك في علوم اللغة وآدابها بصمات لا تنسى، وكان مواطناً أدى الأمانة، ومربياً حمل الرسالة، ألف سلسلات من الكتب المختصصة باللغة العربية.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 10 كانون الثاني 2015، الكاتب والأديب "شوقي البغدادي" رفيق الأديب "ميشيل أديب" في الدراسة، وعنه يقول: «جلسنا معاً على مقعد دراسي لسنة كاملة في الصف الحادي عشر، ارتحت لزمالته ورفقته، كان سريع الاستجابة للملاحظات ولأي شيء يستدعي الانتباه، كان مثال الصديق الذي يقدم خدماته دائماً، لديه فضول للمعرفة، كان يقرأ أي كتاب أنصحه به، هو شخص مثقف خاصة باللغة العربية، درس كافة كتب النحو والصرف، بعد انتهاء مدة الدراسة بقينا على تواصل كنت أزوره في "حلب"، ويزورني في "دمشق" حملنا معاً ذكريات جميلة، وعندما جاءني نبأ وفاته كان كالصدمة لي، وطُلب مني إلقاء كلمة بحفل تأبينه؛ حيث جاءت الكلمة من رفيق عرفه حق المعرفة».

لقد أحببت الوطن وأحببت الإنسان، خلفت في درس لغتك وآدابها صفحات تبقي ذكرك، وضعت نظرية في تعلمها للمقيمين والمغتربين، وأنشأت أجيالاً تدين لك بالفضل، وتحمل أكرم القيم، وتبني مستقبل الأرض التي أحببتها، وكتبت في طبيعتها أجمل الكلمات، فنم مطمئناً، كريم المثوى، رجلاً وفيت الحقوق، ومواطناً أديت الأمانة، ومربياً حملت الرسالة

وفي حفل تأبينه قال عنه المرحوم الدكتور "عبد الكريم الأشتر": «لقد أحببت الوطن وأحببت الإنسان، خلفت في درس لغتك وآدابها صفحات تبقي ذكرك، وضعت نظرية في تعلمها للمقيمين والمغتربين، وأنشأت أجيالاً تدين لك بالفضل، وتحمل أكرم القيم، وتبني مستقبل الأرض التي أحببتها، وكتبت في طبيعتها أجمل الكلمات، فنم مطمئناً، كريم المثوى، رجلاً وفيت الحقوق، ومواطناً أديت الأمانة، ومربياً حملت الرسالة».

أحد مؤلفاته

بدوره الباحث "نعمة اسكندر" تحدث عن نشأة الكاتب "ميشيل أديب" بالقول: «كانت ولادته في السابع من آذار 1938 في بلدة "مرمريتا" التي تلقى فيها دراسته الابتدائية حتى الصف الرابع، وانتقل لمتابعة دراسته في "دير الزور" بصحبة أخيه ليعاود الانتقال إلى "حمص" لمتابعة الإعدادية طالباً داخلياً في الكلية الأرثوذكسية، ليتابع تحصيله العلمي في ثانوية "جودت الهاشمي" في "دمشق"، وشاء القدر أن يجلس بجوار صديق العمر "شوقي البغدادي" في مقعد واحد، وكان من أساتذته "أنطون مقدسي"، "أمجد الطرابلسي"، "شفيق جبري"، وفي عام 1947 انتسب لقسم اللغة العربية في كلية الآداب بجامعة "دمشق" وتخرج عام 1951، وتابع تحصيله العلمي العالي لينال نال شهادة الماجستير في الآداب من الجامعة اللبنانية عام 1974 بدرجة امتياز عن أطروحته "صفي الدين الحلي"».

ويتابع "اسكندر" عن أهم ما قام به "أديب" من أعمال: «خلال دراسته الجامعية أسس ثانوية "النهضة" في "قطنا"، وتسلم بعد تخرجه إدارة ثانوية "مرمريتا"، واستمر بإدارتها حتى عام 1955، لينتقل للتعليم الرسمي وليعين مدرساً في مدينة "دير الزور"، التي بقي فيها حتى العام 1961 حيث انتقل إلى مدينة "حمص"، ثم إلى "حلب" ليعمل مدرساً للغة العربية بثانوية "المأمون" ثم "المعري"، وكلف مديراً لثانوية "القديس نيقولاوس" من قبل وزارة التربية، حيث لمع اسمه في "حلب" مدرساً ناجحاً وإدارياً مقتدراً، وبقي في عمله بالسلك التربوي للعام 1979 حيث قدم استقالته وتفرغ لإدارة معهده الخاص "دار الألسن" للغات، حيث تحول مكتبه لصالون أدبي لنخبة من الأدباء والكتاب، وفي هذا الملتقى تولدت لديه فكرة التأليف والكتابة».

وعن أهم مؤلفاته ونشاطاته الأدبية والفكرية يقول: «كان دائم البحث والتأليف والدراسة في كل ما يتعلق بتسهيل العملية التعليمية لطلابه، ألف سلسلة في العروض والبلاغة وفن التعبير الأدبي "أستاذك معك"، و"نظرية أديب في تعليم اللغة العربية للمغتربين والأجانب ولمحو الأمية"، وكتاب "نظرية في علم العروض وتعليمه"، وأصدر ستة عشر كتاباً بين عامي 1951-2004 أهمها: "تعليم اللغة العربية بصورة تطبيقية"، "فن التعبير"، "نظرات ودراسات في الأدب العربي الحديث"، "أشرقت الشمس"، "رفيق الطلاب في أصول الإعراب"، "مرمريتا ضيعة المئتي دكتوراه"، "حكاية العروض"، "من كل بيدر حبة"، إضافة إلى مجموعات قصصية منها: "فالج لا تعالج، هكذا تكلمت"، إضافة لمشاركته في دراسة وإعداد الجزء الثالث من كتاب "أدباء من حلب"، ولم يكتف بذلك بل نشر عشرات المقالات في المجلات السورية والعربية منها: "الموقف الأدبي"، "آفاق الثقافة والتراث"، "الجماهير"، كما كان له نشاطات ومشاركات في الندوات الأدبية والثقافية في المركز الثقافي في "حلب" ودار الكتب الوطنية واتحاد الكتاب؛ لأنه كان عضواً فيه».

ويضيف: «لم يترك "ميشيل أديب" ديواناً مطبوعاً فقد كان له بعض القصائد الكلاسيكية الموزونة كقصيدة "يبست في الفم كل الكلمات"، ومن بعض أبياتها:

"يبست في الفم كل الكلمات... وغدت مثل غصون من حطب

لم يعد فيها رحيق الفرا... شات وصارت من حجار وخشب

غادرت شريانها نار الحياة... وبدت في وجهها سحب التعب".

كما ترك بعض أنماط التعبير التي سلك فيها النثر الشعري قوله مناجياً "سورية"، وجاء فيه:

"يا سورية يا وطني الحبيب

نحن الفدا لأرضك الخصيبة

لشعبك العظيم

منذ القديم"».

يذكر أن الأديب "ميشيل أديب" رحل للديار السماوية مساء الأحد 22 شباط 2004، ونقل جثمانه في 24 شباط إلى مسقط رأسه "مرمريتا"؛ ليدفن فيها مودعاً بالحسرة والدموع.