"ندرة اليازجي" نبع لا ينضب من المعرفة، وعلم غزير وثقافة واسعة، يصحب ذلك هدوء بالغ وتواضع كبير متوج بصمت بليغ وحكمة وافية.

الكاتب الناقد "اسماعيل مروة" قال عنه: «عرفته قبل أكثر من عقدين فعرفت فيه ذلك الإنسان المتصوف الناسك في محراب الإنسان غير القادر على أن يبادر بأي أذية مهما كانت لفظاً أو قولاً في تصرفاته أو في كتاباته أو في حياته، في بيته نسمة هادئة لا يشعر بها أحد، وفي كتابته يصطرع الحق مع الباطل سعياً منه إلى أن يكون الخير عاماً بين الناس، وأن يكون الحب سيداً على الأرض، وربما كان هذا السبب الرئيسي في زهد الناس والباحثين بإنتاج "ندرة" الغزير، ربما لأنهم يعجزون عن طاقة الحب التي تخرج من روحه وتشع بين حروفه، أزعم أن "ندرة اليازجي" لو كان في أرضنا ما نزل مرتبة عن "روسو"، و"فلوبير" وغيرهما من كبار المفكرين، وستثبت الأيام أن " ندرة" كان نيزكاً من خير في أرض تذهل بالخير في مجلاته التي جاوزت السبعة، جمع وعلى نفقته الخاصة كل مقولاته في الفلسفة والخير والإنسان من عصارة فكره وجيبه لعله يجد قارئاً ما يكون هادياً لمن يأتي بعده».

ولد "ندرة اليازجي" في مرمريتا عام 1932، حصل على الشهادة الابتدائية الفرنسية في مرمريتا، ثم تابع دراسته في لبنان فحصل على الثانوية ثم أتبعها بشهادة سياسة واقتصاد، لكن ميله الجارف للدراسات الإنسانية والفلسفية والاجتماعية غلب عليه لذلك أعاد النظر في شهادته واتجه إلى دراسة الفلسفة السياسية، ملأ حياته بالمحاضرات المختلفة، وساهم في مؤتمرات خارج سورية، وقد كان يهدف من نشاطه الدؤوب إلى تأسيس بنية عقلية منفتحة تصلح لإقامة حوار بين الثقافات والحضارات، وكان يقول دوماً إنه ما من عقيدة تستطيع أن تدعي بأنها تملك الحقيقة المطلقة

مدونة وطن eSyria التقت الباحث "أنس تللو" بتاريخ 26/5/2013 فقال عنه: «ولد "ندرة اليازجي" في مرمريتا عام 1932، حصل على الشهادة الابتدائية الفرنسية في مرمريتا، ثم تابع دراسته في لبنان فحصل على الثانوية ثم أتبعها بشهادة سياسة واقتصاد، لكن ميله الجارف للدراسات الإنسانية والفلسفية والاجتماعية غلب عليه لذلك أعاد النظر في شهادته واتجه إلى دراسة الفلسفة السياسية، ملأ حياته بالمحاضرات المختلفة، وساهم في مؤتمرات خارج سورية، وقد كان يهدف من نشاطه الدؤوب إلى تأسيس بنية عقلية منفتحة تصلح لإقامة حوار بين الثقافات والحضارات، وكان يقول دوماً إنه ما من عقيدة تستطيع أن تدعي بأنها تملك الحقيقة المطلقة».

ندرة اليازجي.

ويتابع: «دعا إلى ضرورة الاعتراف بالآخر بشرط التخلص من التفاسير الحرفية التي احتجزت العقل الإنساني وحالت دون تطوره، هذا العلم الغزير وتلك العقلية المتفتحة جعلته يقبل على العلوم تأليفاً وترجمة، ما أثرى المكتبة العربية إثراء بالغاً، ألف الأستاذ "ندرة" كتباً عديدة جمعها ضمن مجلدات عنونها بالمجلد الأول "الرسائل الإنسانية"، ويضم "رسائل في حضارة البؤس" 1961، و"رسائل في مبادئ الحياة"، وهي مجموعة رسائل سعى فيها إلى تحقيق الكمال في الحياة، وقد تحدث فيها إلى أصدقائه الذين تجاوزوا مرحلة الشباب إلى مرحلة الرجولة عن القضايا المهمة، التي تتطلب منهم الحكمة والوعي والتأمل العميق في حقيقة حياتهم وفي مغزى وجودهم، أما المجلد الثاني فضم "دراسات في الحياة النفسية والاجتماعية"، "تأملات في الحياة النفسية" صدر عام 1988، و"دراسات في المثالية الإنسانية" صدر عام 1977، أما المجلد الثالث فهو بعنوان "دراسات في فلسفة المادة والروح" ويضم: "المبدأ الكلي" صدر عام 1989، "المادة والروح" صدر عام 1978، "مقالة في العقل والنفس والروح" صدر عام 1965، أما المجلد الرابع فكان بعنوان "دراسات حضارية أخلاقية- معرفية" ويضم "بحوث فلسفية" صدر عام 1967، "تنوع الحضارات ووحدة الفكر الإنساني" صدر عام 1990، "فلسفة الإنسان الثائر" صدر عام 1967، أما المجلد الخامس فهو يضم "رد على التوراة" صدر عام 1972, "رد على اليهودية واليهودية- المسيحية" 1969، والمجلد السادس بعنوان "الطريق إلى الحوار"، والمجلد السابع "دراسات في الفلسفة العلمية" محاضرة في فلسفة العلوم وتعالج الموقف الإنساني والطبيعي والكوني، أما المجلد الثامن فتحدث فيه عن الاشتراكية ومفهوم العدالة والنقد الفلسفي للماركسية، أما كتبه المترجمة فقد ترجم لـ"تياردي شاردان" عن الفرنسية كتابين هما: "موضع الإنسان في الطبيعة" عام 1982 و"ظاهرة الإنسان" عام 1973، إضافة لترجمة "الفكر الفلسفي الهندي" عام 1969 و"علم نفس يونغ" و"فكرة مقابل فكرة" لـ"ألدوس هكسلي" عام 1979 و"التطور النفسي في الألف القادمة" لـ"روبير لانسون".

إن رسائل "اليازجي" ملأى بالأفكار الإنسانية السامية والقائمة على شمولية في طرح المواضيع وعمق في المعالجة، يحب الإنسانية المتمثلة في جميع الناس، يعتبر الكل أصدقاءه، وقد كان يسعى من خلال أحاديثه إلى تكوين إنسان يظل دوماً أهلاً للسمو بإنسانيته من خلال القواعد والمبادئ المبينة في هذه الرسائل».

الباحث ندرة اليازجي بأحد محاضراته

وعن خصائص "اليازجي" الشخصية يقول: «هو محب للإنسانية تنبئ كلماته عن شغف دائم بالمعرفة، تفيض نظراته بأجمل آيات الحنان، روحه البراقة تجعله يتلقى بالإغماضة رؤية وبالصمت يتكلم، لذلك كانت مجالسته تأسر القلوب وكلامه يستحوذ على الشعور والوجدان لأنه ينبع دوماً من المحبة والوفاء والإخلاص، عالم عاش في عالم سام لا يرقى إليه إلا ذوو الهمم الخلاقة وأصحاب القدرات القوية، أن تجالس رجلاً قرأ أربعة آلاف كتاب فهذا أمر صعب، وأن تجاذبه أطراف الأحاديث في علومه الكثيرة فهذا أمر أصعب، لكن أن يفاجئك بتواضعه البليغ الذي يملي عليه أن ينصت إليك وكأنك أنت العالم وينظر إليك بشغف ويرجوك بأن تتكلم أنت ليستمع هو فهذا برأيي قمة التواضع».

ويتابع الباحث "تللو": «عندما تقرأ "ندرة اليازجي" يجب أن تمتلك معرفة فلسفية إنسانية مختلفة المشارب منذ أقدم العصور وحتى زماننا الحاضر، ويجب أن تكون ملماً ببعض علم اللاهوت والأديان لأن هذه الأديان تضع الإنسان في قمة أغراضها، فلا غرابة أن ترتكز دراساته على اللاهوت مع أنه يخرج هذا اللاهوت إلى الإطار الإنساني بما يخدم الإنسان وحياته، ولقد ذكرتني صوفية "ندرة اليازجي" بصوفية الشعراء الفلاسفة الكبار. ولا يسعني إلا أن أقول إنني عندما كنت أقرأ في كتبه كنت أشتم عبق معجزات حقيقية، وأحس كأن عقلي الصغير يعجز عن إدراك تلك المعاني العميقة حتى إذا ما تعمقت في القراءة والتمعن ينشرح صدري وتحضر المعاني إلى نفسي لأن قراءة "ندرة اليازجي" تجعل القارئ يشعر بأنه يعبر عن معانٍ طالما حاولنا أن نجد لها كلمات وتركيبات لغوية فلم نفلح، شكراً لك أيها العالم الفيلسوف والأستاذ العظيم الذي أتحفتنا بكنوز من المعرفة الراقية، ونرجو أن تثمر فينا نصائحك القيمة وتوجيهاتك السديدة، علنا نصل إلى الخصال الإنسانية التي تزخر بالفضائل وترقى بالحياة الإنسانية».