إذا أردنا أن نقلّب صفحات التاريخ في سورية، فلابد لنا من الوقوف مطولاً عند بوابات حضارته الثرية، ومنها حضارة ملكة الشرق "زنوبيا".

وللتعرف على مسيرة حياة الملكة "زنوبيا"، التقت مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 19/11/2012 السيد "محمد تفنكجي" أحد المهتمين بالبحوث التاريخية، والذي تحدث عن زنوبيا بالقول: «هي الزباء بنت عمرو بن الظرب بن حسان ابن أذينة بن السميدع، وهي ابنة لأم إغريقية من سلالة كليوبترا ملكة مصر في عصر البطالمة.

تأثرت بالثقافة اليونانية القديمة "الهيلينية"، وكانت بالإضافة إلى ذلك تجيد الآرامية والسريانية، وبعض اللاتينية "الرومانية" والقبطية، وتميزت بمعرفتها لتاريخ المشرق والمغرب، ونتيجة لذلك فقد تمكنت من تأليف مخطوط عن تاريخ المشرق وآسيا

وكانت الملكة زنوبيا ربة حسن وجمال فائق، أجادت منذ صغرها الفروسية والصيد والقنص، وعرفت بقوة ملاحظتها وذكائها، وتميزت زنوبيا بأسنانها البيضاء وصوتها القوي جهوراً، وجسمها كامل البنيان، وابتسامتها التي لا تفارق ثغرها، حيث عاشت عظمة الملوك، كملوك الأكاسرة وكأكبر ملكات المشرق.

تدمر

تميزت زنوبيا منذ صغرها بأناقة لباسها، فقد اعتادت ارتداء قبعة أقرب الى العمامة على رأسها، ولباس ثوبٍ أرجواني مرصعٍ بالجواهر، بالإضافة إلى ذلك فقد اعتادت أن تترك ذراعها مكشوفة كما في (التماثيل والمنحوتات التدمرية)».

يضيف: «تأثرت بالثقافة اليونانية القديمة "الهيلينية"، وكانت بالإضافة إلى ذلك تجيد الآرامية والسريانية، وبعض اللاتينية "الرومانية" والقبطية، وتميزت بمعرفتها لتاريخ المشرق والمغرب، ونتيجة لذلك فقد تمكنت من تأليف مخطوط عن تاريخ المشرق وآسيا».

نقود تدمرية

وفيما يتعلق بحياة زنوبيا الزوجية يذكر: «أن "زنوبيا" تزوجت من "أذينة" الذي تولى الحكم بعد ابيه ليصبح في عام 258م حاكماً لولاية سورية الفينيقية واتخذ لقب ملك الملوك واقترب من لقب الإمبراطور.

ورأت زنوبيا في أذينة فرصتها لتحقيق طموحها في الملك، ولذلك أخذت تحضر معه مجالس القوم وجلسات مجلس الشيوخ، وهكذا نشأت معه على أهداف واحدة، فكان تاج الملك يرفرف فوق رأسيهما في أحلام اليقظة.

رزقت زنوبيا من زوجها أذينه بثلاثة أولاد، قبل أن يقتل عام "267م" بطريقة غامضة، لتتولى زنوبيا المُلك بعده، باسم ابنها "وهب اللات"، لتصبح بذلك ملكة الملكات، وتتولى عرش مملكة تدمر التي ازدهرت في عهدها».

ويروي "تفنكجي" «أنها أنشأت خلال حكمها جيشاً قوياً، فاستولت على العديد من البلدان واصبحت تدمر طريقاً تجارياً تأتيها القوافل من كل حدب وصوب فزاد ثراء المدينة، فنافست روما في العظمة، وهددت مكانتها، الأمر الذي أدى إلى تدهور العلاقة بينهما.

ونتيجة لذلك، أرسل الإمبراطور الروماني جيشاً للاستيلاء على تدمر فهزمت جيشه شر هزيمة، لتقوم بعدها باحتلال مصر ومنع جيوش الرومان من الاتصال بروما، وعلى أثرها عززت علاقاتها التجارية مع الحبشة والجزيرة العربية.

توسعت مملكة زنوبيا فيما بعد، فوصلت جيوشها المملكة البيزنطية، لتمتد مملكتها بذلك من شواطئ البوسفور حتى النيل، وأطلقت "زنوبيا" على هذه المملكة اسم الإمبراطورية المشرقية "مملكة تدمر"، وهو ما اعترف به الإمبراطور الروماني "اورليانس"، الذي اعترف بقوة "زنوبيا" فحاول التفاوض معها لوقف زحف جيوشها مقابل الاعتراف بألقاب ابنها وامتيازاته».

وفيما يتعلق بإنجازات "زنوبيا" يشير بالقول: «تميزت بسلسلة من الإنجازات كان منها، أنها صكت النقود في إنطاكيا والاسكندرية، والتي طبع على أحد وجهيها صورة ابنها (وهب اللات)، وعلى الوجه الآخر صورة الإمبراطور الروماني "اورليانوس"، وذلك بعد أن عينت ولدها ملكاً على مصر.

إلا أن إصرار الإمبراطور الروماني على التصدي "لزنوبيا" المهددة لسلطانه، دفعه إلى إرسال جيشٍ جرار، بقيادة القائد "بروبوس" إلى مصر في 271 م، وجيشاً آخر بقيادة الإمبراطور "اورليانوس" نفسه، الذي توجه إلى سورية وآسيا الصغرى، فالتقى الجيشان ودارت معركة كبيرة بين مملكة تدمر والامبراطورية الرومانية، احتل على أثرها "بروبوس" مصر، وبلغ الإمبراطور "اورليانوس" انطاكيا، فانهزمت زنوبيا، وانسحبت لتدمر.

لم يتوقف "أورليانوس" عند هذا الحد فقط، بل تابع بجيشه باتجاه مدينة حمص، فدارت بينهما معارك شرسة، وانهزم الجيش التدمري، ليصل بعدها "أورليانوس" تدمر، فحاصر أسوارها المنيعة حصاراً محكماً حتى نفدت مؤن الطعام في المدينة، وكانت قد حصنت المدينة ووضعت على كل برج من أبراج السور اثنين أو ثلاثة مجانيق تقذف الحجارة على الجنود المحاصرين لأسوارها، فتمطرهم بقذائف النفط الملتهبة، والتي كانت تعرف بالنار الإغريقية».

يتابع: «إن "اورليانوس" عرض على "زنوبيا" الاستسلام والخروج سالمة من قلعتها، إلا أنها رفضت، وحاولت "زنوبيا" خلال فترة الحصار الهروب، فوصلت إلى حدود نهر الفرات، غير أنها وقعت في الأسر واقتيدت إلى "أورليانوس" في عام 272م، الذي أحسن معاملتها، فاقتادها أسيرة إلى روما، ولم يقتلها بل قتل بعض كبار قادتها ومستشاريها بعد محاكمة أجريت لهم في حمص.

ووضعت "زنوبيا" في منزل في "تيبور" أعده لها "اورليانوس" فآثرت الانتحار وليس هناك من مصادر تروي ما حدث لها في الاسر من اهانات لامرأة عاشت العز كملكة ثم وقعت اسيرة في ايدي الاعداء، بعدما حكمت مملكة امتدت من العراق ومصر حتى آسيا الصغرى».