أجمع العديد من الباحثين والأدباء على أن الشاعر "عبد الباسط الصوفي" يعد جسر العبور إلى التجديد الحقيقي والنهائي في الشعر السوري الحديث.

فمن الباحثين الذين درسوا شعر وأدب "عبد الباسط الصوفي" وقدموا رأيهم فيه الكاتب "محمد عدنان قيطاز" الذي اعتبره: «من أبرز الشعراء السوريين الشباب في الستينيات من القرن الماضي، فقد كان واحداً من الذين أسهموا في بناء القصيدة الجديدة، وعملوا على تحديث الشعر السوري شكلاً ومضموناً، واستطاع رغم معاناته الشخصية- روحياً ونفسياً- أن يقدم لنا صورة من صور الشاعر الملتزم بقضايا الوطن والإنسانية. فقد غنى للأرض وللمرأة والطبيعة والكون، وحمل هموم الإنسان المعاصر بروح شفافة.. نابضة بالحب والإيمان والحزن والقلق والاغتراب والاستلاب».

كان "عبد الباسط الصوفي" شاعراً عبقرياً ملهماً، ويعتبر من شعراء الطليعة العربية في عصرنا الحديث، رهيف الإحساس، دقيق التصوير والملاحظة وطني التفكير، عربي النزعة، إنساني نبيل، رشيق العبارة، يمتاز شعره بأنه يجمع بين أصـالة الشعر الكلاسيكي وتجديد الشعر الحديث ويعبِّر تعبيراً عميقاً عن مأساة الضياع والتيه التي يعانيها الجيل العربي الجديد في سعيه لتحقيق ذاته

وللتعرف أكثر على حياة وأعمال الشاعر "عبد الباسط الصوفي" التقينا الباحث المهندس "جورج فارس رباحية" الذي وصفه بالقول: «كان "عبد الباسط الصوفي" شاعراً عبقرياً ملهماً، ويعتبر من شعراء الطليعة العربية في عصرنا الحديث، رهيف الإحساس، دقيق التصوير والملاحظة وطني التفكير، عربي النزعة، إنساني نبيل، رشيق العبارة، يمتاز شعره بأنه يجمع بين أصـالة الشعر الكلاسيكي وتجديد الشعر الحديث ويعبِّر تعبيراً عميقاً عن مأساة الضياع والتيه التي يعانيها الجيل العربي الجديد في سعيه لتحقيق ذاته».

الشاعر "عبد الباسط الصوفي"

وفي سرده لسيرة حياة الشاعر "الصوفي" تحدث م. "رباحية" عن مولده سنة 1931م في حي "ظهر المغارة" في مدينة "حمص"، من أسرة أقرب مستوى إلى الفقر عُرِفَت بالتديّن والصلاح.

وأضاف: « تلقّى "عبد الباسط" علومه الابتدائية في المدرسة "الخيرية الأميرية" ثم في مدرسة التجهيز فنال الشهادة المتوسطة عام 1946، وحصل على الشهادة الثانوية عام 1950، عُيِّن بعدها مُعلِّماً في مدارس ريف المحافظة ومدرِّساً للغة العربيـة في متوسطة "فيروزة".

الباحث المهندس جورج فارس رباحية

وفي عام 1952 التحق "بجامعة دمشق" ونال الإجازة في الآداب عام 1956، وفي أواخر دراسته الجامعية "بدمشق" عملَ مذيعاً في الإذاعة السورية ومشرفاً على القسم الأدبي فيها، بتوصية إعجاب وتقدير من الشاعر الكبير "بدوي الجبل" الذي كان وزيراً في الحكومة السورية آنذاك».

وتابع الباحث "رباحية" حديثه عن الشاعر "الصوفي" قائلاً: «بعد إنهائه لدراسته الجامعية واصل "الصوفي" مهنته التدريسية في ثانويات "دير الزور" و"حمص" حتى شهر شباط 1960 حيث أوفدته وزارة التربية مع ثلاثة من زملائه إلى دولة "غينيا" في بعثة تعليمية لتدريس اللغة العربية فقام بمهمته خير قيام، لكنه أصيب بمرض عضال استعصى على الأطباء هناك مداواته فطلب إعادته إلى وطنه، ولكن أمنيته لم تتحقق إذ تعذَر نقله وهو طريح الفراش وتألّم كثيراً ولم تتحمّل أعصابه المرهفة وضعه المرضي، فمات منتحراً يوم الأربعاء في 20 تمـوز عام 1960 بالمستشفى الذي نقل إليه إثرَ إصابته بانهيار عصبي شديد، ونقل جثمانه بحراً ودفن في "حمص" بعد شهرين من وفاته».

وعن أهمية الإرث الأدبي الذي تركه الشاعر "الصوفي" تحدث المهندس "رباحية": « ترك الراحل مئات من القصائد الشعرية في مختلف الموضوعات، بالإضافة إلى عشرات المقالات الأدبية والاجتماعية المنشورة في مختلف المجلاّت والجرائد العربية.

وقد دخل شعره مناهج تدريس اللغة العربية في سورية، ففي مادة النصوص الأدبية في الصف الأول الإعدادي في كتاب "القراءة الجديدة" للعام الدراسي 1967 ـ 1968 أورد له المؤلفون قصيدته "هو الشعب". كما دخل شعره في مقرر كتاب "الباقة" للصف الثالث الإعدادي للعام الدراسي 1969 ـ 1970 وأورد له المؤلفون قصيدته: "مدينتي" والتي ألقاها في المهرجان العربي للشِعر سنة 1959 نقتطف منها :

مدينتي، لا تملكُ الذَرّهْ

مدينتي، طيّبة، حُرَّهْ

لا تصلب الإنسان في آلةٍ

أو تمضغ الأحقاد، في فكره

مدينتي، نبضات قيثارةٍ

حيناً، وحيناً ضحكةٌ ثرّه

قديمة، كالحب، ميلادها

لما صحا دربُ الهوى مرّه».

وتابع: «وعلى صعيد الغنــاء فقد غنّى المطرب "نجيب السرّاج" له نشيد "عربيٌّ أنت":

عربيٌّ أنت أرضـاً وسما فاملأ الدنيا لهيبــاً ودمـا

وانطلق للشمس في آفاقها وامتطِ الريح وهات الأنجما

وعلى صعيد الجوائز الأدبية نال "عبد الباسط الصوفي" جائزة مجلة الآداب الشعرية لعام 1960 عن ديوانه "أبيات ريفية" هو الأثر الأول الذي نشر للفقيد في آذار 1961 عن "دار الآداب" في "بيروت".

كما أن وزارة الثقافة عملت على طبع "آثار عبد الباسط الصوفي الشعرية والنثرية" بتقديم من الدكتور "إبراهيم كيلاني"، وأن صديقه الأستاذ "ممدوح سكاف" أصدر كتاب "عبد الباسط الصوفي الشاعر الرومانسي" عام 1983، كما أدرج "عبد الباسط الصوفي" ضمن كتــاب "الحركة الشعرية المعاصرة في حمص" عام 1981 للأستاذ "محمد غازي التدمري"، بالإضافة إلى كتب عديدة من تاريخية وأدبية دوَّنت حياته وأدبه».

ومن الباحثين الذين درسوا أدب "الصوفي" الكاتب "سلمان حرفوش" الذي تحدث عن أهمية ما قدمه الشاعر الراحل للشعر السوري فقال: «خطوات حاسمة مشاها "الصوفي"، بصمات تجديدية لا لبس فيها ولا رجوع عنها وسم بها الشعر السوري، فكان جسر العبور لجميع من لحقوا، مطوّرين أدواتهم الشعرية: كلمات، وصوراً، وعمرانية، ومواضيع. ولكن بقي "للصوفي" بين شعرائنا جميعاً تفرّد تجربته الوجودية، تشفُّ في قصيدة "مكادي" من ديوان "أبيات ريفية":‏

مكادي! أنا بعض "سيزيف"، بعض الذي كابده‏

فرغتُ على الزرقة الأبدية،‏

قلباً هشيماً، وروحاً خرابْ‏

تسلّقتها: لجة وعرةً، وارتميتُ عليها،‏

عصيّ الرّغابْ‏

مكادي! أنا بعض "سيزيف"، بعض الذي جالده‏

يطاردني اليأس، دامي السياط، كما طارده‏

مكادي! هما: الصخر والعقم، في لجتي الصاعدة‏

هما: الصخر والعلم، لعنة آلهة، حاقده‏

وللبحر آلهة، هز حقدها الزبدي‏

فثارت غضاب‏».

جدير بالذكر أن مديرية الثقافة في "حمص" تقيم مسابقة أدبية سنوية بعنوان "جائزة عبد الباسط الصوفي للإبداع" يشارك فيها العديد من الأدباء الشباب من كافة أنحاء سورية، وتقدم الجائزة للعمل الأدبي الأفضل ويلقى صاحبها التكريم اللائق.