"حافظ الجمالي" المفكر والباحث الذي بدأ من التعليم والتدريس لينتقل إلى وزير للتربية ومن ثم رئيساً لاتحاد الكتاب العرب، ومن ثم الانتقال إلى عالم البحث والكتابة في التاريخ العربي.

موقع "eHoms" بتاريخ 4/1/2012 التقى بالباحث التراثي والتاريخي الأستاذ "محمد مراد" ليحدثنا عن حياة الدكتور "حافظ الجمالي" ومؤلفاته، فيقول: «هو من شخصيات "حمص" التي أثرت ساحة الفكر بعشرات الكتاب المبدعين، والأدباء والشعراء المجلين، ولد فيها عام 1916، وفيها تلقى تعليمه الابتدائي، ولما انتقل مع أسرته إلى "دمشق" عام 1934 أكمل تعليمه الثانوي بمكتب "عنبر" ثم داوم في دار المعلمين العليا، التي أهلته للتعليم في المدارس الابتدائية، ولم تطل فترة عمله فيها إذ ما لبث أن نجح بمسابقة للإيفاد في بعثة دراسية إلى "باريس"، وكان في مقدمة الناجحين في تخصص الفلسفة، فغادر مع زميليه الأديبين "عبد الله عبد الدايم، سامي الدروبي"، وحصل على الإجازة في الفلسفة عام 1939، وحين عاد إلى سورية تسلم العمل في التعليم بالمدارس الثانوية ودار المعلمين، وأصبح عضواً بلجنة البحوث بوزارة التربية عام 1947، وندب من ثم للتعليم بالجامعة حيث أسهم في تحضير الخريجين لمهنة التعليم، ومرة ثانية أوفد إلى "فرنسا" عام 1949 لتحضير الدكتوراه، وبعد عودته عين مدرساً بكلية التربية حتى عام 1964، وكانت تنتظره في هذه الفترة مرحلة جديدة في مسيرته الطويلة، إذ انتقل إلى السلك الدبلوماسي فاختير سفيراً لسورية في "السودان" ثم في "إيطاليا"، وأصبح بعدها وزيراً للتربية ثم رئيساً لاتحاد الكتاب العرب حتى تقاعده عام 1973».

اليوم يغيب الموت وجه المفكر والإنسان النهضوي الذي جعل همه التقاء العربي بالعربي على قاعدة التطلع المشترك على الحداثة والعلم والحرية والتقدم الصحيح، لقد شغلته على الدوام مشكلة التخلف في مجتمعنا، وعاش باختياره المدة الأطول من عمره حياة المعلم والباحث والكاتب أكثر مما عاش المواقع الأخرى كالسفارة والوزارة

يتابع: «بدأ "حافظ الجمالي" رحلته مع الفكر مبكراً، حيث كان في السابعة عشرة من عمره حين كتب مقالات قصيرة نشرها في صحيفة "النداء" و"المكشوف" ببيروت، واشتملت مقالاته على مواضيع قومية، وبعد عمله في التعليم ألف مجموعة كتب في علم النفس والأخلاق، وفي علم الاجتماع التربوي، وحرص على أن يضمنها توجيهه القومي، وأفكاره التقدمية مما كان له أكبر التأثير في نفوس طلابه، وقد اكتشف ذلك فيما بعد، عاشر "حافظ الجمالي" نخبة رواد الفكر القومي، منهم "د. عبد الله عبد الدايم، عادل العوا، سامي الدروبي، عبد الكريم اليافي، بديع الكسم، عبد الحليم سويدان، أمجد الطرابلسي، جميل صليبا، فاخر عاقل وغيرهم"».

حافظ الجمالي

عنه يقول الدكتور "عبد الله عبد الدايم": «كان فيما يتصل بميدان المعرفة إنساناً تواقاً إلى المعرفة نهماً في تقصي ألوانها، ولديه تأكيد خاص على أهمية الديمقراطية في حياة الشعوب، وفي بناء مستقبل الأمة العربية، وهو مطلع اطلاعاً واسعاً على الثقافة العربية والتراث العربي، كما أنه محيط بأبعاد الثقافة العالمية، ولا نغالي حين نقول إن فكره هو وليد التزاوج بين الفكر العربي والثقافة العالمية، كان "الجمالي" شديد النقد للثقافة العربية أحياناً، لا إقلالاً من شأنها، ولكن حرصاً منه على أن يكون اليوم والغد أفضل من الأمس، وقد تميزت شخصيته بالانفتاح على الآخرين ومحبة الناس والإخلاص لإخوانه وأصدقائه، كان قلّما يسيء الظن بإنسان، ولم يتحدث عن أي من الناس بسوء، بل لطالما غفر للآخرين أخطاءهم وإساءاتهم».

ويقول المفكر "منح الصلح": «إن "حافظ الجمالي" عاش في حياته الغنية والجادة، حيث رأى حالة التأخر الحضاري التي لا نزال نعاني منها، وكان يرى للعروبة معنيين معنى انفتاح العرب على العرب بروح الأخوة والاعتزاز بالذات والشراكة التاريخية، ومعنى آخر هو انفتاح العرب على العالم بروح الترقي والتقديم والقيم الإنسانية العليا، إن العروية المطلوبة كما لديه ليست في اقتراب العرب من العرب فقط، بل هي اقتراب الاثنين من كل ما يجعل الإنسان ابن عصره في احترام الحريات والحقوق وفي التنور والإمكانات والإنجازات وبالتالي القدرة».

المفكر والوزير والسفير

يتابع "محمد مراد": «اليوم يغيب الموت وجه المفكر والإنسان النهضوي الذي جعل همه التقاء العربي بالعربي على قاعدة التطلع المشترك على الحداثة والعلم والحرية والتقدم الصحيح، لقد شغلته على الدوام مشكلة التخلف في مجتمعنا، وعاش باختياره المدة الأطول من عمره حياة المعلم والباحث والكاتب أكثر مما عاش المواقع الأخرى كالسفارة والوزارة».