لم يتردد يوماً عن خدمة الكنيسة وأبنائها، إنه الأب "مكسيم جمل" راعي كنيسة "البشارة" في "حمص" الذي التقاه eHoms فتحدث عن أبرز محطات حياته التي كرسها للخدمة الكنسية، والدوافع التي جعلته يسلك طريق الكهنوت، فقال بداية:

«تربيت منذ صغري على حب الكنيسة، وكنت مواظباً على حضور الخدم الطقسية والمشاركة في معظم الأنشطة الكنسية، وفي مرحلة الشباب اتجهت للخدمة والعمل في مكتب التعليم الديني "بحمص" التابع للكنيسة، وهذا العيش طبع بذهني ورسخ في داخلي مسألة الاستمرار في الخدمة والعمل ضمن الكنسية، وكشباب مندفعين لحب الخدمة، كنا نرى أن الكنيسة بحاجة لوجوه جديدة شابة تخدم فيها لتبقى ظاهرة بأبهى صورة، ولاقيت حينها تشجيعاً من الكثيرين للسير في هذا الطريق، وخاصة من المرحوم المطران "ألكسي عبد الكريم" الراعي السابق لأبرشية "حمص" للروم الأرثوذكس، الذي كان مثالاً لنا بكهنوته».

توفير فرص عمل للشباب من خلال مكتب خاص للتوظيف يقدم فيها الشباب الراغبين بالعمل بيانات عن كفاءاتهم، وبالتالي تلعب الكنيسة دوراً وسيطاً بين الراغبين بالعمل، وبين الجهات التي تحتاج لهؤلاء العمال والموظفين

وعن دراسته للعلوم اللاهوتية في لبنان واليونان تحدث الأب "مكسيم": «بعد حصولي على شهادة الدراسة الثانوية دخلت قسم الأدب العربي في جامعة "البعث"، ودرست فيها حتى السنة الثالثة، لكنني بعدها وببركة من المطران "ألكسي" تركت الجامعة، وسافرت إلى لبنان ملتحقاً بجامعة "البلمند" ودرست في معهد القديس "يوحنا الدمشقي" اللاهوت لمدة خمس سنوات، حصلت في نهايتها على الإجازة في اللاهوت عام /1993/، وكنت الأول على دفعتي.

الأب "مكسيم جمل"

وهذا شجعني لمتابعة دراستي العليا في اللاهوت، فسافرت في نفس العام إلى اليونان، والتحقت بجامعة "أرسطو طاليس" في مدينة "تسالونيك"، وحصلت في العام /1998/ على شهادة الماجستير بالعلوم اللاهوتية، وكانت الرسالة بعنوان: "قوانين الزواج والطلاق ومفاعيلهما في التشريعات الكنسية الأنطاكية".

وفي عام /1999/ سجلت رسالة الدكتوراه في اللاهوت، تمحورت حول: "التشريعات الكنسية الأنطاكية بعد تعرّب البطريركية من عام /1889/ حتى /1973/"، لكنني بعد ذلك ولسبب صحي اضطررت للعودة من اليونان إلى سورية، لتبدأ بعدها حياتي الرعائية».

يرتدي الثياب الكهنوتية في إحدى الخدم الكنسية

على يد المطران "ألكسي عبد الكريم" تمت رسامة الأب "مكسيم" برتبة شماس إنجيلي عام /1996/، وفي عام /2002/ تمت رسامته كأب كاهن على يد سيادة المطران "جاورجيوس أبو زخم"، ليبتدئ بعدها الخدمة الكنسية الرعوية في كنائس "حمص" وريفها، وعنها يتحدث: «تسلمت في البداية رعاية كنيسة "ميلاد السيدة العذراء" في قرية "أم شرشوح" عام /2003/، واستمرّيت في الخدمة فيها حتى عام /2006/، عشت في تلك الكنيسة أول خبرة رعائية لي، وكانت خبرة رائعة ومفيدة جداً، لأن الناس في ريفنا ما زالوا يعيشون أجواءً متميزة من الألفة والمحبة، التي تسودها العلاقات الاجتماعية المترابطة، إضافة إلى اندفاع هؤلاء الناس لخدمة الآخرين وخاصة خدمتهم في إطار الكنسية».

في عام /2005/ وإلى جانب رعايته لكنيسة "ميلاد السيدة"، تسلم الأب "مكسيم" رعاية كنيسة "البشارة" في حي "المحطة" بمدينة "حمص"، ولا يزال فيها حتى اليوم الحاضر، كأب روحي مسؤول عن كافة أعمال هذه الكنيسة والأنشطة التي تقوم فيها، وعن هذا الجانب يتحدث الأب "مكسيم": «رعاية الناس روحياً، والاهتمام بنموهم الروحي أكثر ما على خوري الكنيسة أن يركز عليه خلال تأديته رسالة الكهنوت، ونحن بالإضافة إلى الصلوات والخدم الأسبوعية الكنسية، نهتم بإقامة مجموعة من الأنشطة التربوية والتعليمية الدينية المسيحية، ابتداءً من أطفال الصف الأول الابتدائي، ولغاية نهاية المرحلة الجامعية، ولدينا فرقة للسيدات تجتمع بشكل دوري، وتهتم بأمور الكنيسة والخدمة الاجتماعية، كما أنه لدينا أيضاً ثلاث فرق للعائلات كل فرقة تتألف من خمس عشرة عائلة، وأنا شخصياً أقوم بالاجتماع مع فرق الجامعيين والسيدات والعائلات ومتابعتها باستمرار».

يقرأ الإنجيل المقدس في كنيسة "البشارة"

وأضاف: «عندنا في الكنيسة لجنة خيرية تسمى "لجنة الخدمة الاجتماعية" تهتم بمساعدة الفقراء والمحتاجين، وخاصة الطلاب الذين هم بحاجة لدعم مادي ومعنوي في دراستهم. ولدينا أيضاً فرقة مراسم خاصة مؤلفة من مجموعة أطفال وشباب، يعزفون على الآلات الموسيقية النفخية والإيقاعية الخاصة، إضافة إلى حملة الرايات المرافقين، وهذه الفرقة تشارك في معظم الأعياد الوطنية والاحتفالات الكنسية، كما أنه لدينا فرقة لرقص "الباليه" خاصة بالأطفال تأسست عام /2008/، قدمت أكثر من عرض في صالة الكنيسة، وهذه الصالة تقوم بالإشراف عليها لجنة من الكنيسة، تساهم في تنظيم المعارض المتنوعة والأنشطة الثقافية والتربوية فيها، وقد نظمنا خلال السنوات الفائتة العديد من المحاضرات والندوات، من أبرزها ندوة عن "وهب الأعضاء بعد الموت"، وندوة أخرى عن "الموت الرحيم"، وهاتان الندوتان تم تناولهما من وجهة نظر دينية وطبية وقانونية».

إضافة إلى رعايته وتعليمه في الكنسية، يعمل الأب "مكسيم" في السلك التربوي التعليمي، كمدرس لمادة التربية الدينية المسيحية في كلية "التربية" بجامعة "البعث" وفي الثانوية "الغسانية" الخاصة، وعن أهمية هذا العمل الإضافي يقول: «تدريسي لمادة التربية المسيحية للشباب والصبايا في الثانوية الغسانية الخاصة أعطاني خبرة عملية جديدة ووفر لي احتكاكاً أكبر وأوسع من شريحة الشباب في المرحلة الثانوية، وهذا أمر ضروري بالنسبة لي ككاهن يرعى إحدى كنائس المدينة، لأنه مع هذه الخبرة بدأت أكتشف أن الكثير من الأمور الحياتية آخذة في التطور بطريقة يصعب استيعابها بالنسبة للجيل الأكبر سناً، فأفكار الشباب والصبايا المراهقين ونظرتهم للأمور تتطور بطريقة مغايرة لما تربينا عليه نحن في جيلنا.

وعموماً التعليم هو خبرة كبيرة تضاف لعملي ككاهن، لأنه جعلني أتناقش مع الشباب في مسائل تهمهم، يطرحون فيها مشكلاتهم بجرأة، والأهمية هنا بأن تطلع على المشكلات المتنوعة التي تواجه الشباب من مصدرها الأصلي».

إضافة إلى تدريسي طلاب وطالبات المرحلة الثانوية، فإنني أدرّس مادة التربية الدينية المسيحية لطلاب السنة الثانية- معلم الصف- في كلية التربية بجامعة "البعث" منذ عام /2004/، ويقول الأب "مكسيم": «التدريس في الجامعة يعطي المدرس آفاقاً جديدة ورؤية أعمق، من خلال الطرق الأكاديمية المتبعة، والمناقشات الواعية والتدريب العملي في العملية التعليمية، فأحاول ألا أقتصر على المحاضرات النظرية للطلاب بقدر ما آخذهم إلى مواقع عملية وأعرض لهم أفلاماً تساعدهم على استيعاب الموضوعات بشكل أكبر».

هناك عدة مشاريع إنسانية تدور في ذهن الأب "مكسيم" أبرزها مشروع يتمنى ويسعى لتحقيقه من خلال إقناع الناس المقتدرين مادياً وأصحاب الشركات من أبناء الكنيسة وهو: «توفير فرص عمل للشباب من خلال مكتب خاص للتوظيف يقدم فيها الشباب الراغبين بالعمل بيانات عن كفاءاتهم، وبالتالي تلعب الكنيسة دوراً وسيطاً بين الراغبين بالعمل، وبين الجهات التي تحتاج لهؤلاء العمال والموظفين».

وعن سبب اختياره لهذا المشروع قال: «هذا المشروع أحد الأمور المهمة التي نطمح لتحقيقها في كنيستنا، اخترته لأنه يخدم ويساعد الإنسان، فالعمل بالنهاية هو قيمة للإنسان، والعاطل عن العمل هو إنسان مشتت ومدمَّر، فعندما يعمل يجد قيمته في هذا العمل، وبهذا المشروع نستطيع ككنيسة تأمين فرص عمل لأبنائنا، وبالتالي نكون قريبون منهم ونحاول أن تخدمهم ليس فقط بالحاجات الروحية، بل أيضاً بالحاجات العملية المادية».

جدير بالذكر أن الأب "مكسيم جمل" عاد مؤخراً لمتابعة رسالة الدكتوراه في اليونان، لديه العديد من المشاركات في بعض المؤتمرات الدولية الكنسية أبرزها مؤتمر في "تسالونيك" عام /2000/ حول علاقة القانون بالخدم الكنسية، وفي مؤتمر خريجي جامعة "البلمند" منذ سنوات قدم محاضرة بعنوان "الراعي والبدع".

تسلّم خلال عامي /2006/ و/2007/ رئاسة مكتب التعليم الديني "بحمص"، وله العديد من المحاضرات الروحية في عدد من كنائس الريف والمدينة، إضافة إلى كتابته العديد من المقالات الفكرية واللاهوتية في جريدة "حمص" لكونه عضو تحرير فيها.

وهو من مواليد "حمص" عام /1966/ متزوج من السيدة "شادية سمعان" وله ابنان "ألكسي" و"أندرياس".