«في الوقت الذي كانت فيه المرأة حبيسة الجدران الصمّاء، مسخرة لخدمة الرجل ورعايته، وأي حديث يتناول حريتها ومساواتها مع الرجل يعد جريمة يحاسب عليها المجتمع، في مثل هذه الأجواء المهيمنة على الحياة الاجتماعية في عشرينات القرن العشرين كانت الأديبة الحمصية "ماري عبده شقرا" تمارس دورها الريادي على صفحات مجلتها الشهيرة "دوحة لميماس" التي تعتبر أول مجلة عربية مختصة بقضايا المرأة العامة، والأدب النسائي بشكل خاص».

هذا ما ذكره الأديب "محمد غازي التدمري" عن هذه الأديبة والصحفية الحمصية في كتابه "من أعلام حمص".

أول سيدة من "حمص" أقدمت على إصدار مجلة نسائية عام /1928/، كما أنها أول سيدة حمصية دافعت عن حرية المرأة وبحثت القضايا التي تعيق تقدُّم المرأة العربية، وكانت تنشر مقالاتها في مجلتها "دوحة الميماس" وفي بعض الصحف العربية الأخرى

وتعد الأديبة "شقرا" حسب ما ذكره الأديب "يوسف عبد الأحد" في إحدى مقالاته المنشورة في جريدة "حمص": «أول سيدة من "حمص" أقدمت على إصدار مجلة نسائية عام /1928/، كما أنها أول سيدة حمصية دافعت عن حرية المرأة وبحثت القضايا التي تعيق تقدُّم المرأة العربية، وكانت تنشر مقالاتها في مجلتها "دوحة الميماس" وفي بعض الصحف العربية الأخرى».

غلاف العدد الأول من مجلة "دوحة الميماس"

ولدت "ماري شقرا" في أحد أحياء "حمص" القديمة عام /1901/، تلقت دراستَها الأولى في المدرسة الإنجيلية "بحمص" ثمَّ انتقلت إلى لبنان والتحقت بمدرسة "الشويفات" ونالت شهادتها العالية "high school"، وأتقنت اللغتين الإنكليزية والفرنسية، وبعد عودتها إلى "حمص" أصدرت مجلة "دوحة الميماس" في شهر نيسان عام /1928/، وهي مجلّة تُعنَى بالأدب والفنّ والاجتماع، وتخصصت بقضايا المرأة.

التقى بها الأديب والصحفي "نسيب شاهين" مؤسس جريدة "صدى سورية" عام /1921/ وتمَّ الزواج بينهما في عام /1929/، وهو أول من شجَّعها وساعدها على متابعة العمل الصحفي.

كتبت "ماري" في افتتاحية العدد الأول من "دوحة الميماس" بعنوان "إلى الأرواح":

«إلى الروح التي ترفُّ في دوح الإخلاص والواجب،

إلى الروح الجميلة التي تعشق العاصي وأهليه عشقاً مبرحاً.

إلى الروح التعبة التي تهجر عالم الكفاح والنزاع إلى زاوية التفكير والسكينة لتستريحَ قليلاً على ضفة العاصي المنساب بهدوءٍ ودلالٍ بين الرياض والأحراج.

إلى الروح التي تودّ الانعتاق من قيود العالم البالي... أقدّم نبتة أفكاري لعلّها تنمو في حضن الصحافة الخصيب فيتفيّأ بظلالها القريب والغريب».

وكتبت في افتتاحية العدد الثاني بعنوان "أيها العامل":

«قلبكَ تعبٌ لأنه في القلب الإنساني

روحُكَ تأبى القساوة وتطلب المساواة والإخاء.

على يديكَ أثرُ الغبار، وإنه لأثر خالد يشهدُ برفعة روحِكَ المتواضعة.

إنه ليقول: هذه هي أيدي المجاهدين.

إنه ليشير إلى العزة والإباء والكرم في روح العاملين.

قصورُكَ مشيدة في القلوبِ العارفة بكَ وفي السماء فلا تيأس».

لم يخل عدد من أعداد مجلة "دوحة الميماس" من رأي واضح وصريح يدعو المرأة إلى التطور اجتماعياً وثقافياً عن طريق أفضل السبل التي تحفظ كرامتها وتصون عفافها وتدفعها إلى النجاح.

لقيتْ "دوحة الميماس" صدىً مستحبّاً لدى كلِّ من وصلت إليه وأحبَّها الناس، وكتبَ عنها كثيرٌ من الأدباء والمفكّرين مقالاتٍ مشجّعة زخرت بالإعجاب والتقدير لدوحة الميماس ولصاحبتها، فكان منهم المطران "أبيفانيوس زائد" /1890–1982/ مطران "عكّار" وتوابعها الذي قالَ عنها: «هكذا الشجرة الباسقة العظيمة تبتدئ من نواة تستقرّ في الثرى، ثم تضرب جذورها في الأرض وفروعها في السماء، فتأتي إليها الأطيار، ويستظلّ الأحياء بأغصانها الوارفة، فعسى أن تصيرَ هذه المجلة الصغيرة إلى ما سُمّيت به، إلى دوحةٍ ميّاسة تتدلّى منها ثمرات الأدب الصحيح وتعبق في جوانبها نسمات العلم الراقي والفنّ الجميل».

وحيّا الشاعر "ميخائيل بطرس" /1895–1976/ "ماري شقرا" بالأبيات التالية:

يا دوحة َ الأدبِ النضير ِ سلامُ

بسمتْ لكِ الأيامُ والأعوامُ

لا زالَ نفحُكِ منعشاً آمالنا

حتّى تزايلَ نفسَنا الآلامُ

جَهـِلوا مكانة َ ربَّةِ اللطفِ التي

لا ترتقي إلا بها الأقوامُ

حتى سفرتِ على رُبا العاصي البهيّ

وبراحتيكِ العشقُ والإلهامُ

تبغينَ للوطن ِ الكريم ِ معزَّة

حتى يخادنَه صفاً وسلامُ

احتجبت مجلة "دوحة الميماس" في أيار /1929/، وكان مجموع أعدادها اثني عشر عدداً، وللأديبة "شقرا" كتاب مخطوط بعنوان "عثرات نهضوي" تحدثت فيه عن أهم القضايا التي تعيق تقدّم المرأة العربية.

توفيت "ماري شقرا" عام /1987/ مخلفة تراثاً أدبياً وصحفياً هاماً يدل على أنها أولى الحمصيات اللواتي حملن لواء حرية المرأة.