لا تمتلك مدينة عريقة كـ "حمص" مليئة بالقصص والأحداث التي تمتد إلى عصور ما قبل الميلاد إلا عدداً قليلاً من المهتمين بتأريخ أحداثها وتراثها. فمن أولئك المؤرخين الكبار والذي يعتبر نفسه محققاً تاريخياً وليس بمؤرخ المهندس المعماري "نهاد سمعان"، فكيف ميز الأستاذ "نهاد" بين المهنة والدراسة؟ وكيف استفاد من عائلته ونسبه في بحثه التاريخي؟ الذي كان نتيجة لما سبق يقول عندما التقى به eHoms في منزله الذي كان أقرب إلى المتحف بما يحتويه ويضمه من تحف كان حريصاً عليها من أيام أجداده:

«أعتبر نفسي محققاً تاريخياً وليس بمؤرخ فأنا أصحح الأخطاء الشائعة وأحقق بحادثة معينة إذا ما كانت فعلاً صحيحة أم لا بالاعتماد على أمهات الكتب وليس على المراجع المتناقلة التي قد تحمل أخطاءً ناجمة عن تناقل الروايات والقصص، وأكثر ما أفادني في هوايتي هو وجود الكثير من أمهات الكتب في مكتبتي التي ورثتها عن أجدادي وفيها حوالي 800 كتاب كانت محرضاً أساسياً لأبدأ بحثي عن تراث وتاريخ مدينتي وعدد من القضايا المتعلقة بها.

عملت بعد تخرجي مع مؤسسة "الإسكان العسكري" وكُلّفت بمشروع في قلعة "حلب" مما جعلني موجوداً يومياً في ذلك الجو الأثري الرائع وعلى تماس مع تلك الأبنية الجميلة المحتفظة بأسرار التاريخ مما زاد فضولي وشغفي بالبحث والغوص في أعماق التاريخ وقد استفدت كثيراً من خلال مراقبة المنقبين وعلماء الآثار أثناء عملهم فتعلمت منهم أصول البحث بالطريقة العلمية وكيف تُعتمد الوثائق لإثبات الحقائق، وما هي الأدلة الدامغة والأدلة الضعيفة كما عملت أيضاً في ترميم بعض البيوت "الأثرية" وكنت حريصاً جداً في الحفاظ على طابعها وعراقتها، إضافةً إلى عدّة مشاريع كبيرة أعتز بها في مسيرتي المهنية كمشروع "الفيلات" على طريق "دمشق"، إذ أنجزت أكثر من 110 فيلا في زمن قياسي وكذلك عدد من الأبنية السكنية على طريق "طرابلس"

وحرّضني أيضاً لأوسّع تلك المكتبة وأزيدها حتى وصل عدد ما فيها الآن إلى 3000 كتاب أعتزُ بها كثيراً. منها حوالي 400 كتاب من القرن التاسع عشر، وحوالي 20 كتاب من القرن الثامن عشر بعضها من إصدارات مطبعة "الشوير" وبعضها من إصدارات مطبعة "حلب" التي انطلقت عام 1707 مما يثبت أن أول مطبعة عربية بالحرف العربي كانت في سورية أي قبل أن يدخل "نابليون" المطبعة إلى مصر، بمائة عام تقريباً».

اثناء الحوار مع eHoms

من وراء اهتمامه بالبحث التاريخي قدّم السيد "نهاد" عدداً من المقالات والأبحاث المهمة التي تطرح فكراً وحوادث اجتماعية لم تكن معروفة سابقاً وكمثال عنها قصة "الأربعاء في حمص"، وحقيقة "مدفن الخليفة عمر بن عبد العزيز" وأصل "خميسات حمص" .. وعن ذلك يقول السيد "نهاد": «لابدّ أن أجواء بيتنا لعبت دورها في تنمية ميولي نحو محبة "التراث" و"التاريخ" فعائلتنا سكنت "حمص" في القرن السادس عشر وهي عائلة ميسورة أغلب أعضائها كانوا من الموظفين في الدولة، فأبي كان قاضياً وجدي كذلك وقد كان عضواً في المؤتمر السوري العام عام 1920 الذي أعلن فيه استقلال سورية الأول (عن الأتراك) أمّا والد جديّ فقد كان مديراً للمالية بـ "حمص" وكما يروي "منير الخوري عيسى الأسعد" في كتابه "تاريخ حمص" قد حكم "حمص" مدّة لثلاث سنوات منفرداً بتكليف من "هولو باشا" العام 1860 ريثما يتم تعيين قائم مقام أصيل عندما نقل مركز اللواء من "حمص" إلى "حماه" وكان هذا حدثاً غير مسبوق لشخص بمواصفاته في الفترة "العثمانية" وكذلك والدتي التي تنتمي إلى عائلة "نوفل الطرابلسية" التي خرج منها كثير من أعلام في الفكر والأدب أمثال "نوفل نعمة الله نوفل"، "سليم نوفل"، "حبيب نوفل".وغيرهم ..

وأنا نشأت في هذا البيت وقد ورثت محبتي للتراث والثقافة الهادفة والاهتمام بالعمل للنفع العام ومن جهة أخرى كانت دراستي للهندسة المعمارية في "بيروت" حيث سمعت كثيراً هناك عن قصص "الأربعاء الحمصي" و"الجدبة الحمصية" حافزاً هاماً للشروع في طريق البحث والتقصي فكانت أولى النتائج محاضرة "الأربعاء في حمص" التي ألقيتها في المركز الثقافي وقد التي لاقت صدىً واسعاً، إضافةً لكلّ ذلك كان هناك محرضات أخرى حصلت معي أثناء الدراسة في "بيروت" ومثال عليها محاضرة أُعطيت لنا في مادّة "تاريخ العمارة " وكانت عن "كنيسة قلب لوزة" قرب "حلب" لم أكن أعرف عنها شيئاً مما جعلني أشعر بالخجل أمام زملائي من عدم معرفتي بأمرها وهي في بلدي وعلى هذا القدر من الأهمية».

المهندس "نهاد سمعان"

خلال بحثه عن أصول الأشياء وإلقاء الضوء عليها نشر السيد "نهاد" إلى الآن 153 مقالة و18 محاضرة وبحث جديد غير مسبوق بعد عودته إلى "سورية سنة 1974 وإكماله لدراسة "الهندسة المعمارية" في جامعة "حلب" كان للمهنة دورٌ أيضاً في تنمية هواياته ويقول عن ذلك: «عملت بعد تخرجي مع مؤسسة "الإسكان العسكري" وكُلّفت بمشروع في قلعة "حلب" مما جعلني موجوداً يومياً في ذلك الجو الأثري الرائع وعلى تماس مع تلك الأبنية الجميلة المحتفظة بأسرار التاريخ مما زاد فضولي وشغفي بالبحث والغوص في أعماق التاريخ وقد استفدت كثيراً من خلال مراقبة المنقبين وعلماء الآثار أثناء عملهم فتعلمت منهم أصول البحث بالطريقة العلمية وكيف تُعتمد الوثائق لإثبات الحقائق، وما هي الأدلة الدامغة والأدلة الضعيفة كما عملت أيضاً في ترميم بعض البيوت "الأثرية" وكنت حريصاً جداً في الحفاظ على طابعها وعراقتها، إضافةً إلى عدّة مشاريع كبيرة أعتز بها في مسيرتي المهنية كمشروع "الفيلات" على طريق "دمشق"، إذ أنجزت أكثر من 110 فيلا في زمن قياسي وكذلك عدد من الأبنية السكنية على طريق "طرابلس"».

يصرّ المهندس "نهاد" على أن الميل للعمل في التاريخ هو الأساس فهو يومياً بعد انتهاء وقت العمل المهني يتفرغ لهوايته التي يتمنى أن يهتمّ بها أولاده من بعده فهو يعتبر الأولاد ( هم الاستمرارية في الحياة.)

السيد "نهاد" أمام مكتبته الثمينة

والجدير ذكره أنّ المهندس المعماري "نهاد سمعان" هو من مواليد "حمص" 1952 تخرّج في عام 1977 بقي في السلك الوظيفي حتى العام 1987 حين تفرغ للعمل الحرّ في مكتبه الخاص، متزوج من السيدة "هيام عبود" ولديه "منير" طالب "هندسة حواسيب" في جامعة "حلب" ، و"ايملي" طالبة في كلية "الفنون الجميلة" في حلب، كان عضواً في أول مجلس منتخب لمدينة "حمص" عام 1982 وهو الآن رئيس قسم "العمارة" في مكتب "أميسا" الاستشاري وعضو في لجنة "التراث" في نقابة "المهندسين"، وعضو مجلس إدارة وأسرة تحرير "جريدة حمص" وعضو في جمعية "العاديات"، عضو فخري في الجمعية التاريخية.

ومن أعماله الهامّة تحقيق مذكرات المطران "أثناسيوس عطا الله مابين 1888 – 1891" الذي أنجزه برعاية مركز االدراسات والتوثيق التاريخي في جامعة "البلمند" وقد تم طبعة مرة ثانية في "حمص" لما فيه من فائدة للباحثين في تاريخ "حمص" وهو يحضّر الآن لتأريخ "التربية والتعليم" في "حمص" خلال القرون الثلاثة الماضية ، وهو بصدد تأليف نص تلفزيوني يتحدث عن "حمص" في القرن التاسع عشر أثناء حوادث 1860 ويبرز فيه روعة أخلاق أهالي "حمص" الذين حموا مدينتهم من الفتنة نتيجة وعيهم ومحبتهم لبعضهم البعض، إضافةً إلى تحضيره لكتاب "ملوك سوريا بين الإسكندر والرومان".