لم يكن "سليمان محمد حمود" المزارع العنيد ومعلم المرحلة الابتدائية في مدرسة "المخرم الفوقاني"، يُدرك أنه لن يقطف محصوله من أشجار الفستق الحلبي قبل عشرين عاماً؛ نتيجة ضعف الخبرة والمعرفة.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 29 أيار 2017، "سليمان محمد حمود" ليحدثنا عن تاريخ زراعة الفستق الحلبي في "المخرم الفوقاني"، حيث قال: «كانت زراعة الفستق الحلبي مشروعاً طموحاً وتجربةً رائدةً، حيث وزّعت الدولة غراس الفستق الحلبي "بذر أكياس" في عام 1980، وقد حصلت على عشرين غرسة من المشتل الزراعي في "حمص"، ولم نكن نعرف في ذلك الوقت سوى أن الفستق مطلوب بكثرة في الأسواق؛ لذا قمت بزراعتها على قطعة أرض تمثلت بدونمين فقط، وقد كانت حينئذٍ زراعة ناشئة وحديثة وغير معروفة في المنطقة، ولم تنل نصيبها من الرعاية والإرشاد كما باقي الأصناف فأدى ذلك إلى تأخر الإنتاج، وقد كنا خمسة أفراد من قرية "المخرم الفوقاني"، قمنا بزراعة الفستق الحلبي أنا و"ممدوح جمعة" و"خضر شحادة" و"عفيف خضور" و"نور الدين عقول"، وقد أخذت بعض القرى المجاورة غراساً أيضاً من المشتل، وهي: "العثمانية"، و"العداية"، و"أبو حكفا الشمالي"، و"الحراكة"، و"تل شنان"، وبعد هذا التوزيع بعشر سنوات، حصلت قرية "أبو حفكا الجنوبي" على 500 ألف غرسة».

سمعت في إحدى نشرات الأخبار أن قرية "مورك" في "حماة" كانت قرية ضعيفة مادياً، ثم أصبحت الأقوى نتيجة انتشار زراعة الفستق الحلبي، وكنت مصمّماً على إنجاح مشروعي الزراعي على الرغم من الصعوبات، فمعرفتي أن الأرض معطاءة وخيرة في المنطقة، وتناسب هذا النوع من الزراعة شجعني على الاستمرار، وأنا أؤمن بمبدأ أنه كلما قلت المادة، زاد الطلب عليها، وعدم انتشارها في منطقتنا ساهم ببيعها بأسعار جيدة

أما عن أسباب تأخر إثمار أشجار الفستق الحلبي، فقال: «بقيت نحو أربعة عشر عاماً لم أعرف لماذا لم تثمر أشجاري؛ فلم أكن أعرف أن هناك نوعين من أشجار الفستق الحلبي حتى زرت قرية "شكاري"؛ وهي إحدى قرى "السلمية"، ورأيت شجرة فستق مختلفة عن التي لدي، وقيل لي إنها شجرة مُذكّرة؛ حيث إن أشجار الفستق الحلبي منها المذكر والمؤنث، ويفترض علمياً أن يكون بين كل ثماني شجرات إناث شجرة مذكرة لضمان عملية التلقيح، لكن بعد عدة تجارب تبين لي أنه يمكن لشجرة مذكرة واحدة تلقيح أكثر من ثلاثين شجرة مؤنثة؛ لذا قمت عام 1994 بتطعيم بعض الأشجار المؤنثة بطعم مذكر، واحتجت إلى ستة أعوام حتى بشر الشجر وأعطى ثمره».

عنقود الفستق الحلبي

وتابع بالقول: «على الرغم من تأخر القطاف لمدة طويلة، حيث كان أول موسم لي عام 2000، إلا أن شعوري بالسعادة كان لا يوصف، وقد كان الإنتاج ضعيفاً في بداياته نتيجة قلة الخبرة، لكنني بدأت تعلم طرائق رعاية أشجار الفستق الحلبي بطريقة علمية، وطرائق مكافحة الحشرات وحماية الأشجار من انخفاض الحرارة والجفاف، وعندها تحسن الموسم وأصبح أفضل، ولي عتب على المصلحة الزراعية، حيث لم يكن هناك رعاية مباشرة لتشجيع زراعة الفستق الحلبي، في حين يقدم الدعم لباقي أنواع الزراعات، وتوزع المنشورات لضمان سلامة الإنتاج، وخصوصاً الزيتون واللوز والعنب، وتقوم الدولة بالتعويض عند إصابة المحاصيل بالآفات الزراعية، ولا تعوض لمزارعي الفستق الحلبي. أمتلك حالياً أكبر عدد من الأشجار في قرية "المخرم الفوقاني" تقريباً ألف شجرة فستق، والحمد لله كان لجهدي وصبري وطول انتظاري عاقبة جيدة».

أما عن أسباب تشجعه لزراعة هذه النوع من الأشجار المثمرة في منطقته، فقال: «سمعت في إحدى نشرات الأخبار أن قرية "مورك" في "حماة" كانت قرية ضعيفة مادياً، ثم أصبحت الأقوى نتيجة انتشار زراعة الفستق الحلبي، وكنت مصمّماً على إنجاح مشروعي الزراعي على الرغم من الصعوبات، فمعرفتي أن الأرض معطاءة وخيرة في المنطقة، وتناسب هذا النوع من الزراعة شجعني على الاستمرار، وأنا أؤمن بمبدأ أنه كلما قلت المادة، زاد الطلب عليها، وعدم انتشارها في منطقتنا ساهم ببيعها بأسعار جيدة».

جمع الفستق الحلبي

أما عن طرائق التطعيم، فقال: «إن الإنتاج ذو مواصفات زراعية عالية من حيث الجودة و النوعية، ولا تنتشر زراعة الفستق الحلبي كثيراً في المنطقة بسبب صعوبة الري، وغلاء اليد العاملة، وكثرة الآفات التي تصيب الأشجار، حيث إنها حساسة جداً. أما التطعيم، فيبدأ من شهر تشرين الأول حتى نهاية شباط، ويجب أن يكون عمر البرعم في الغصن الجديد المراد قصه لتطعيم نحو أربعة أشهر لا أكثر، فالغصن الجديد يمكن أن "يزغف"؛ أي يتابع النمو، ويجب أن يكون بحجم الإصبع لا أكثر، ويجب أن يكون ذلك من شجرة مكفولة؛ أي حاملة».

أما عن القطاف، فقال: «يتم القطاف بواسطة العصا، حيث يتم مد مفرش قماش أسفل الشجرة المراد قطفها، ويربط على العصا قطعة قماش ويضرب "العرموش"؛ أي عنقود الفستق الحلبي بهدوء كي لا يؤذي الشجرة، ويباع بعد القطاف مباشرة، ويجب أن يتم رش الأشجار بعد القطاف مباشرة؛ لأن البراعم الثمرية إذا أصابتها حشرة تأكل البرعم ويخسر المزارع موسمه القادم، وعند التاجر يتم تمرير الفستق عبر الفرازة أو القشارة لتستخرج الحبات، ويتم تجفيفها وتحميصها وبيعها».

المهندس الزراعي "ماهر عقول"، قال: «يعتبر مشروع "سليمان محمد حمود" ذي الأربعة والثمانين عاماً هو الأول في قرية "المخرم الفوقاني" وقد كان لإصراره ورغبته بإنجاح مشروعه الزراعي عامل كبير في انتشار زراعة الفستق الحلبي، حيث انتظر لفترة طويلة حتى يبدأ بقطف ثماره، وقد تعلم بالتجربة كل ما تحتاجه هذه الزراعة نظراً لعدم التشجيع بشكل كافي لهذا النوع من الزراعات في الفترات السابقة، وقد أدرك مبكراً أن زراعة أشجار الفستق الحلبي تتناسب مع طبيعة القرية شبه الصحراوية، فلها دور كبير في مواجهة التصحر والحفاظ على التربة وحماية البيئة من مصادر التلوث، حيث أن شجرة الفستق تصلح لزراعتها في جميع الترب الزراعية وهي من الأشجار المتحملة للظروف الجوية القاسية من حرارة ورطوبة وقلة مياه، وتزرع بعلاً أو سقياً حسب توافر المياه ومن أصنافها "العاشوري" و"الباتوري" و"ناب الجمل" و"العليمي"».

الجدير بالذكر، أن شجرة الفستق الحلبي دخلت ضمن مشروع الحزام الأخضر في محافظة "حمص" وبقية المحافظات الأخرى، كشجرة رديفة للزيتون واللوز والكرمة والتين.‏