لم يشأ "عبد الرحمن شاهين" أن تقتصر مهمته على التطوع لدى فرع منظمة الهلال الأحمر العربي السوري في "حمص"، فقام مع زميلته "شهد الحايك" بتأسيس فريق تطوعي هدفه مساعدة المصابين بجائحة "كوفيد-19"، أطلقوا عليه اسم "صناع الأثر"، وكان الفريق الوحيد في مدينتهم الذي يهدف إلى مساعدة المصابين بدعم من المجتمع المحلي وبعض الجمعيات الخيرية وجهات حكومية.

يقول "عبد الرحمن" لمدوّنة وطن "eSyria": إنّ البداية كانت صعبة، وكان ذلك في نهاية شهر تموز من العام 2020، حيث بدؤوا بمهمة التعريف بالفريق عبر إنشاء صفحة خاصة على موقع "فيس بوك" وتخصيص رقم هاتف خاص للتواصل، وشكلا هو و"شهد" فقط خلال أول شهرين فريق المخالطين -كما هي تسميته- الذي من مسؤوليته معاينة المريض في مكان إقامته، والقيام بالإسعافات الأولية له، وإجراء قصَّة سريرية تتضمن أخذ عينة من الدم وقياس الحرارة، إلى جانب فحص الأكسجة، وفي حال كانت الحالة حرجة وبحاجة لدعمها بالأوكسجين يتم تركيب أسطوانة إسعافية لها، وإرسال النتائج بشكل فوري إلى المنسق الداخلي الموجود في المركز، والذي يقوم بدوره بإرسال فحوصات الدم إلى المخبر المناوب، وبعد صدورها يتم إرسالها إلى الطبيب المتطوع المناوب حينها، الذي يحدد نوعية الأدوية الواجب إعطاؤها للمريض، ليكون مسؤولاً عن متابعة حالته لأسبوع كامل وبشكل يومي من أجل الاطلاع على التطورات التي طرأت على حالة المريض، إيجابية كانت أم سلبية.

ويوضح "عبد الرحمن شاهين" أن العمل كان مضنياً جداً، حتى إنّ ساعات عمله قد وصلت لحدود 20 ساعة في اليوم الواحد، لعدم وجود متطوعين آخرين بسبب حالة الخوف التي كانت سائدة في نفوس عامة المواطنين وخشيتهم الاقتراب من الأشخاص المشكوك بإصابتهم بفيروس "كوفيد-19"، إضافة إلى النقص في الأدوات اللوجستية، لكن رويداً رويداً وبعد أن كسبوا ثقة الناس بهم، أصبحت أعداد المتطوعين تتزايد تدريجياً، حتى وصلت في الوقت الحالي إلى ما يقارب 50 فرداً، في البداية كان عدد أسطوانات الأوكسجين التي يملكها الفريق 7 فقط، ولكن مع النجاح الذي حققه الفريق على أرض الواقع والدعم الذي تلقاه من قبل أهل الخير والمتبرعين، وصل حالياً إلى 270 أسطوانة، إضافة إلى 14 جهاز توليد أوكسجين، وسيارة إسعاف خاصة بالفريق تمَّ التبرع بها من قبل "جمعية البرِّ والخدمات الاجتماعية"، وكمية جيدة من الأدوية المخصصة للعلاج.

عبد الرحمن شاهين

شريكته في تأسيس الفريق الحالي "شهد الحايك" الطالبة في كلية الطب بجامعة "دمشق" ذكرت بأنَّ البداية تعود إلى تاريخ 13 آذار من العام الفائت، حيث انطلق حينها فريق "أثر" التطوعي، الذي كان هدفه مع بداية انتشار الجائحة المساهمة في نشر التوعية اللازمة لتعريف المواطنين بمخاطرها، شقيقتها "سنا" كانت شريكتها الوحيدة وقتها ثمَّ بدأ عدد المتطوعين يزداد بشكل تدريجي، ومما شمله عمل الفريق هو القيام بتوزيع المعقمات على العائلات المحتاجة التي تسكن في الأحياء الفقيرة، ووصلت الكمية وقتها إلى 1000 عبوة من مادة الكلور، إلى جانب حملة تعقيم للمساجد ومخابز مدينة "حمص" كاملة، ونتج عن ذلك 30000 ربطة خبز معقمة كليَّاً، ومع تطور الأوضاع وتنفيذ الحظر الجزئي، وتوقف أعمال فئات كبيرة من المواطنين، انتقل العمل لمرحلة جديدة وهي توزيع سلل غذائية للأسر المتضررة ومعها الفقيرة بطبيعة الحال، وكان الشريك الأساسي "مديرية الشؤون الاجتماعية والعمل" ممثلة بالمهندسة "سمر السباعي" التي كان لها دورٌ بارزٌ في تأمين كل ما يلزم لنجاح عمل الفريق على الأصعدة كافة، هذا كله أكسبهم خبرة العمل بروح الفريق الواحد التي طبقوها في فريق "صنَّاع الأثر" لاحقاً.

الخدمات التي قدمها الفريق منذ انطلاقته كما ذكرت "شهد الحايك" وحتى الفترة الحالية بلغت ما يقارب 2500 خدمة، لم تكن جميعها حالات إصابة مؤكدة، منها ما كانت أمراض إنتانية عادية مثل "الزكام" و"الكريب" وساءت بسبب وجود أمراض مزمنة لدى المريض، العمل على مدار الساعة لم يكن أمراً سهلاً على فريقنا رغم أنه نتاج عمل متكامل بدءاً من قسم المركز المكوَّن من 12 متطوعاً منهم المنسقين الداخليين، ومستلمي الاستجابة الهاتفية، إلى جانب الإداريين المسؤولين عن تسجيل المعلومات الخاصة بكل حالة وأرشفتها، وبيانات الأشخاص الذين نقدِّم لهم أسطوانات الأوكسجين المجانية، والأدوية وغيرها، بعض هؤلاء المتطوعين قدَّم خدماته وما يزال على مدار 24 ساعة متواصلة ومنهم "شيرين رضا" و"أحمد المصري" و"عبد الرحمن الأبرش" على الرغم من التزاماتهم الدراسية في كليات الطب والصيدلة، وصولاّ إلى قسم المخالطين المؤلف من 20 شابَّاً وشابَّة، وثالثاً قسم الأطباء المناوبين وعددهم 7 أطباء، ساعد في نجاح عمل الفريق التسهيلات والدعم الذي تلقاه من "جمعية رعاية الطفل" التي احتضنت الفريق، ومن قِبل مديرية صحة "حمص" كذلك.

سيارة الإسعاف الخاصة بالفريق

الدكتور "مسلَّم الأتاسي" مدير الصحة في المدينة أكَّد أنَّ ما قام به الفريق كان له دورٌ كبيرٌ في مساندة الكوادر الطبية العاملة في المشافي ومراكز العزل، وهو بمنزلة إنجاز حقيقي على الأرض، وخاصة في فترة الذروة بعدد الإصابات، والمديرية قدَّمت الدعم اللازم له من خلال توجيه جميع المشافي العامة والخاصة على حدٍّ سواء لاستقبال الحالات الحرجة المهددة للحياة المسعفة من قبل عناصره، إلى جانب الاستعداد لتقديم أيّ مساعدات لوجستية تساهم في دعم أعمال الفريق.

الإيمان بقدرات هؤلاء الشبَّان، والأهداف النبيلة التي تطوعوا من أجل تحقيقها، إلى جانب التخطيط الدقيق والتصوُّر المستقبلي لعملهم، دفع المهندسة "سمر السباعي" كمديرة للشؤون الاجتماعية والعمل في مدينة "حمص" لاحتضانهم وتقديم جميع أنواع الدعم للفريق حينها، إن كان من خلال إصدار الثبوتيات اللازمة لتسهيل تحركاتهم، خاصة أثناء فترات الحظر الجزئي والكلي مع بداية انتشار جائحة "كوفيد-19" حول العالم، وبدء اقترابها من "سورية"، أو توجيه المتبرعين من الجمعيات الخيرية لتقديم المساعدات التي تساهم في نجاح عملهم، ومع اشتداد الجائحة وتزايد أعداد المصابين كان للمديرية دورٌ في مساعدتهم على تأمين ما يلزم من احتياجات الفريق، ولم يخب الرهان على هؤلاء الشباب المتطوعين كما أكدت، بل بالعكس، تفانوا في تنفيذ مهامهم وترسخت لدى المواطنين مصداقيتهم، ما جعلهم ينالون السمعة الحسنة التي حصلوا عليها.

الدكتور مسلَّم الأتاسي مدير صحة حمص

تمّ إجراء اللقاءات بتاريخ 21 كانون الثاني 2021 وبعضها الآخر عبر وسائل التواصل الاجتماعي.