اختارتْ آلةً موسيقيةً ذاتِ طابعٍ شرقيّ صرف، في مظهرها هي حكرٌ على العازفين الرجال، لكنّها أصرّت وثابرت لكي تثبت تمكّنها كعازفةٍ على آلة القانون، مضيفةً لمسةً أنثوية في الشكل والتقديم الموسيقي.

مدونةُ وطن "eSyria" بتاريخ 23 تموز 2019 التقت "فرح يونس" العازفة على آلة القانون، للتعريف عن نشأتها وعلاقتها مع الموسيقا فقالت: «طفولتي كانت ضمن عائلةٍ أعدّها مثاليةً من ناحية المحبّة والتفاهم والانفتاح على الحياة، والأهم هو الشغف بالموسيقا لديها، فأخي الأكبر كان مهتماً بالعزف على آلة "الغيتار"، ومتابعتي له ولَّدت بداخلي الرغبة بتعلُّمها، وفي سن السابعة بدأت أعزف على آلة "الأورغ" بشكلّ سماعي، بعدها وبتشجيعٍ من والديَّ أصبحت أكثر درايةً بتقنيات العزف، خاصة بعد تتلمذي على يديِّ الفنان "وسام العلي"، الذي كان له الفضل الأكبر في صقل موهبتي، وتعميق حبِّي لهذا الفنِّ الجميل الذي يحاكي أحاسيس الناس وقلوبهم، ومع حصولي على الشهادة الثانوية عام 2013، لم أتردد في إكمال حلمي، وأصبحت طالبةً في كلية التربية الموسيقية بجامعة "البعث"، وهنا بدأت الرحلة مع الموسيقا».

ما يميزها طموحها العالي واللامحدود، والموسيقا عندها ليست مجرَّد مهنةٍ أو واجب، بل هي أساس حياتها، عدا عن ذلك فهي شابةٌ ذكيةٌ وسريعةُ البديهة والحفظ، لكن تفاعلها ضمن العمل الجماعي يبقى ملحوظاً للجميع، كما تعمد دوماً إلى تطوير نفسها من أجل تقديم ما يميزها على الصعيد الفردي وضمن المجموعة، روحها الموسيقية جميلة ومرهفة، بدأت معي في الكورال وأثبتت وجودها كعازفةٍ متميزة على آلةٍ ليست بالسهلة مطلقاً، مشوارنا معاً مستمر وشراكتنا راسخة

عن مرحلة الدراسة الجامعية واختيارها كشابةٍ صغيرةٍ للتخصص بآلة القانون تحديداً، قالت: «علم الموسيقا بحرٌ واسع المدى، والانتقال من مرحلة الممارسة السماعية إلى مرحلة الدراسة التفصيلية هو أمرٌ صعبٌ وممتعٌ في الوقت ذاته، بطبعي أفضِّل الاختلاف عن غيري بكل الأمور الحياتية، وآلة القانون كانت تشدُّ انتباهي كثيراً، وكمية الإحساس الذي توصله للمتلقي عالية جداً في حال كان العازف عليها متمكناً ومرهف الحس، ربما الشكل المميز لها من حيث عدد الأوتار الكبير، والتنوع في الدرجات الموسيقية الذي تعطيه، إضافة إلى كونها تحمل الكثير من الشجن والإحساس في صوت موسيقاها، قد دفعني كلّ ذلك للتعلق بها أكثر، لذا اخترت التخصص بها في دراستي، ومع عدم وجود مدرِّسين متخصصين بها، إلاَّ أنَّ شغفي ورغبتي بتطوير إمكاناتي، دفعني للتعلم ذاتياً عبر برامج تعليمية موجودة على شبكة الإنترنت، من خلال متابعة أهمِّ العازفين لها من أمثال "جوكسيل"، و"ايتاش"، وهما من الجنسية التركية، إضافة لعازفين عرب وسوريين، ولن أنسى طبعاً الدعم والتشجيع الذي قدَّمته لي زميلتي "جولي موسى"، من أجل الاستمرارية في الخَيار الذي اتخذته، إلى أن أصبحنا شركاء في أعمالنا الموسيقية لاحقاً».

من مشاركتها مع كورال إيماني فيك كبير

وعن تجربتها الاحترافية مع آلة القانون، وتعزيزها، أردفت قائلةً: «الموسيقي أولاً يجب عليه أن يكون مواظباً على التدرُّب المستمر على آلته، والأهم أن يكون عاشقاً لها ويعطيها من إحساسه الكثير لكي تعطيه الأداء الأفضل، والبداية كانت مع بعض زملائي في الكلية، فكما ذكرت سابقاً بأنَّ الخطوة الأولى كانت مع الصديقة "جولي موسى" التي كان لها نشاطٌ متميزٌ مع عدَّة فرق كورالية للأطفال، انضممت معها لاحقاً إلى كورال "إيماني فيك كبير"، الذي كان له طابع الغناء الأوبرالي غالباً، هذا الاندماج مع عازفين محترفين على آلاتٍ متعددة، والاختلاف في نوعية الموسيقا المقدَّمة، والأهم من ذلك العزف أمام جمهورٍ غفير وذوَّاق، وطبيعتي كأنثى، ما سبق جعلني أقدِّم أفضل ما عندي على آلة القانون، فقدَّمنا أمسياتٍ موسيقية في مناسباتٍ عدَّة، يبقى أهمها عندي هو حفل "ريستال" بعنوان "ع جبينك الإكليل"، الذي أقيم مع نهاية عام 2018، كما كان لانضمامي إلى فرقة "موزاييك" دورٌ مهم في تعزيز احترافي الموسيقي، ومنذ عامٍ انضممت لتلك المجموعة الرائعة من الموسيقيين الشباب والجامعيين باختصاصاتٍ متنوعة، فقدمنا حفلاتٍ في أكثر من مدينة ومناسبة، منها في "حلب" بمناسبة ذكرى تحررها من الإرهاب، وحفلٌ آخر في مدينة "اللاذقية"، لكن المشاركة الأهم كانت منذ أشهر في مهرجان "السفارات الثقافي الموسيقي" الذي جرى في "رومانيا"، حيث لبينا دعوة السفارة السورية هناك، فقدمنا حفلين موسيقيين في مدينتي "كلوج"، و"كونستانسا" وحازا على إعجاب الآلاف من الجمهور الحاضر».

وتضيف عن شخصيتها كأنثى مع آلة القانون: «الموسيقا التي تصدرها هذه الآلة لها وقعٌ خاص عند المتلقي، لما تحمله من شجنٍ في طيَّات موسيقا أوتارها، لكن يبقى لإحساس العازف الأثر الأكبر فيه، عشقي لها وطبيعة أحاسيسي كأنثى فتية، يجعلاني في قمة الاندماج الفكري والروحي أثناء العزف عليها، ونظرة الحضور وتفاعلهم معي كشابةٍ صغيرة على آلةٍ ينظر لها بأنّها حكرٌ على الذكور، يعزّز في داخلي الرغبة بتقديم الأفضل دوماً، فمثلاً نحن كمجموعة من الشابات لدينا فرقة أنثوية صرفة اسمها "شآم"، قدمنا حفلاتٍ في أكثر من مناسبة ثقافية، والملاحظة الأبرز هي اندماج الجمهور معنا، من خلال جرعة الإحساس التي تصله منا كعازفات، هذا ما لمسناه وسمعناه منهم، ما يعزّز بداخلي إعطاء المزيد على آلة القانون دوماً».

المغنية الأوبرالية جولي موسى

"جولي موسى" المغنية الأوبرالية وقائدة كورال "إيماني فيك كبير" عنها تقول: «ما يميزها طموحها العالي واللامحدود، والموسيقا عندها ليست مجرَّد مهنةٍ أو واجب، بل هي أساس حياتها، عدا عن ذلك فهي شابةٌ ذكيةٌ وسريعةُ البديهة والحفظ، لكن تفاعلها ضمن العمل الجماعي يبقى ملحوظاً للجميع، كما تعمد دوماً إلى تطوير نفسها من أجل تقديم ما يميزها على الصعيد الفردي وضمن المجموعة، روحها الموسيقية جميلة ومرهفة، بدأت معي في الكورال وأثبتت وجودها كعازفةٍ متميزة على آلةٍ ليست بالسهلة مطلقاً، مشوارنا معاً مستمر وشراكتنا راسخة ».

"ماريو بطرس" مؤسس وقائد فرقة "موزاييك" قال عن "فرح يونس": «منذ عام كان انضمامها لفرقتنا، اختياري الشخصي لأيِّ عضوٍ جديد لا يعتمد على خبرته الطويلة وعدد مشاركاته الكبير، بل يكون على معيار الموهبة والفكر الموسيقي الذي يحمله العازف، والأهم رغبته في بناء ذاته موسيقياً وتطويرها باستمرار، وأن يكون صاحب رسالة من الموسيقا التي يقدمها، وقبوله للرأي الآخر والمشورة التي تقدَّم له، هذه الصفات جميعها موجودة عند "فرح يونس" ودون مبالغة، التجارب الكثيرة التي خاضتها من خلال مشاركاتها مع فرقٍ عدَّة، والاحتكاك مع عازفين كثر وعلى مسارح كبيرة، جعلها تتمكن أكثر من آلتها، وتعطي الأفضل دوماً، باعتقادي ينتظرها مستقبلٌ متميز تثبت فيه نفسها كعازفةٍ مهمةٍ على آلة "القانون"».

د . ماريو بطرس قائد فرقة موزاييك

يذكر أنَّ "فرح يونس" من مواليد "حمص" عام 1995.