عشق الرسم منذ طفولته، وأثبت موهبته من خلال ريادته الطليعية لسنوات عديدة، وكلّلها بدراسته الأكاديمية، إضافة إلى بصمته الخاصة في فن البورتريه، حيث جعل الناظر إلى لوحاته يشعر وكأنها تنطق بالحياة.

مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 3 أيار 2019، التقت الفنان التشكيلي "حسين ونوس" ليتحدث عن بداياته مع الرسم، فقال: «عندما أعود بذاكرتي إلى مرحلة الطفولة، فإنني لا أتذكر نفسي إلا وأنا أرسم، وزاد تعلقي بفن الرسم والتعمق به من خلال مشاركاتي الدورية في مسابقات رواد الطلائع على مستوى المحافظة والقطر، وكان التكريم رفيق تلك المشاركات دوماً، وحتى خلال مراحل دراستي اللاحقة استمر ذاك التعلُّق بفنِّ الجمال، والحلم يكبر رويداً رويداً حتى أصبح حقيقةً، وذلك عندما تخصصت بدراسة الفنون الجميلة في جامعة "دمشق"، والتخرج عام 1994، وهنا بدأت مرحلة جديدة في حياتي ورسوماتي بوجه خاص، بعد أن تكرست موهبتي وخبرتي المتواضعة مع الدراسة الأكاديمية المتخصصة على أيدي كبار الفنانين، ومنهم معلمي وملهمي "فاتح المدرّس"، والفنان "نزار صابور"».

بعد متابعتي للوحاته المميزة، يمكن القول إنه يعدّ من الفنانين المجدِّدين والمبدعين، وأهم ما يميزه تلك الرؤية الفنية الحديثة التي يمتلكها، وبراعته تجلَّت في رسم الوجوه بإحساسٍ عالٍ من الرهافة والشفافية، ومعرفته الواسعة لأهمية الضوء ومنعكساته على الأشكال، إضافة إلى تداخل الألوان واشتقاقاتها في الضوء الساطع، وهذا برأيي ما قدمه الفنان "حسين ونوس" في لوحاته، إضافةً إلى التناسب الدقيق والإشباع اللوني فيها، ومن يشاهد لوحاته يدرك أنها من تنفيذه

وفي معرِض الحديث عن الرسم والموسيقا في حياة "ونوس"، وكيف يرى ذاته، يتابع القول: «بالنسبة لي، فإنَّ كلَّ إنسانٍ طبيعي في داخله نوعٌ من الفن، وكذلك فإنَّ اكتشاف كل ما يدل على مكامن الجمال والبحث عنه دافعٌ فطريٌ عند الإنسان، وهذه العوامل تجتمع لتكوِّن الإنسان الفنان، ويبقى الاختلاف حسب طريقة رؤيته للجمال والإشارة إليه، إن كان من خلال الرسم، أو الموسيقا والأدب، وأنواع الفنون الأخرى، وحتى من خلال عمله العادي في الحياة. وبرأيي الشخصي، فالفنان إمَّا أن يكون حقيقياً أو لا يكون، فالفنون يأتي بعضها مع بعض وليس فرادى، وما حصل معي أنني اخترت فنَّ الرسم لأعبِّر عن مشاهدتي لما هو جميل، وكذلك من خلال ما أكتب من قصائد خاصةٍ بي، وأحياناً في العزف على آلة "البيانو" التي أخصُّها بوقتٍ من يومي، ومعها أُخرج ما بداخلي من مشاعر فرحٍ، أو ربما حزنٍ ويأسٍ وضجر، وربما كان لتأثري وولعي بالفن "الرحباني" دورٌ في ذلك، ومجموعة الأشعار الغنائية والألحان التي ألّفتها -وأتمنى أن يأتي اليوم المناسب لنشرها- دليلٌ على بحث الفنان عن الجمال بصوره المتعددة، لكنني أجدُ في التعامل مع الألوان ومزجها، ثم تحويلها إلى لوحةٍ تحاكي واقعاً ربما، أو تعكسُ حالةً نفسيةً لدى كلِّ فردٍ منا؛ الطريقة التي تحول الجمال غير المنظور والموجود أصلاً إلى مشاهدة مرئية له عند المتلقي».

لوحة بورتريه من أعمال حسين ونوس

وعن فن البورتريه والتخصص به أكثر من أنواع الفنون التشكيلية الأخرى، أضاف: «حكايتي مع فن البورتريه تعود إلى أكثر من ربع قرنٍ من الزمن، حيث رسمت لوحتي الأولى آنذاك، والفضل كان -ومازال- لمعلمي "فاتح المدرِّس" الذي عرفني إلى أصل هذا الفن؛ وهو (المنمنمات الفارسية)، وينتمي هذا النوع إلى المدرسة الواقعية في فنون الرسم، ويتميز عن الأساليب الأخرى بالدقَّة والانضباط في نقل صورة الوجه الحقيقي للشخص، فمجرد انزياح بسيط بأجزاء من الميليمتر قد يغير في ملامح وجه الشخصية المرسومة، والرسام له وظيفةٌ أخرى عدا مطابقة اللوحة للوجه أو الصورة، فهو معني بإضافة لمسة خاصة من الجمال إلى لوحته، وهو وحده يكون قادراً على اكتشافها منذ النظرة الأولى على أيِّ وجهٍ أمامه، وهذا الأمر يتطلب من الفنان معرفة أمورٍ عديدة، منها مثلاً أنواع البشرة الخاصة بكلِّ وجهٍ، وكيفية تأثير انعكاسات الضوء في اللوحة، والتغير الذي تحدثه في درجة ووضوح الألوان فيها، والأهم لدى الفنان المحترف لهذا الفن التزامه بإظهار ملامح الجمال والفرح في وجهٍ ما، وإخراجه بأبهى ما يمكن، لتنال رضا وسعادة صاحبها عند رؤيتها».

وعن التقنيات التي يستخدمها، والتي تجعل الناظر إلى لوحاته يشعر بنبض الحياة فيها، قال: «من الأمور الأساسية في كلّ لوحةٍ أنجزها، جعل المتلقي في حالة نقاشٍ داخلي مع ذاته، حول تأثير واقعية اللوحة المرسومة ومطابقتها مع الوجه الحقيقي لصاحبها، فاللوحة الجميلة تعيش طويلاً، وبدأت الرسم بأقلام الحبر الأزرق الناشف فقط، وهذا النوع من الأدوات الخطأ فيه قاتل، عندها يعود الرسَّام إلى الانطلاق من نقطة الصفر مجدداً، والصعوبة أيضاً تكمن في استخدام لون واحد لإظهار درجات مختلفة وكثيرة من اللون في خطوط الرسم، وهنا تأتي خفَّة يد الرسام وتركيزه العالي في تفاصيل الوجه. ثمَّ طورت لوحاتي باستخدام ألوان جديدة من الحبر الجاف، ولعدم توفر كامل أدوات الألوان في أسواقنا، لجأت إلى إدخال أقلام الخشب للاستفادة من مزيج ألوانها للوصول إلى درجة اللون المطلوبة، والخبرة التي اكتسبتها طوال السنوات الطويلة الماضية جعلتني متمكناً من أدواتي اللونية والتكيف مع الوجوه التي أنوي رسمها، ويبقى الأصعب إعادة الحياة إلى اللوحة من بقايا صورة ما».

أثناء العزف على آلة البيانو

الفنان التشكيلي "إياد البلال"؛ وهو من النحاتين المحترفين، قال عن أعمال "حسين ونوس": «لا تنفصل أعماله عن شخصيته، وحين نتحدث عن تجربته يكون لزوماً علينا أن نقدِّم بعضاً من ملامحها، فهو إنسانٌ شفافٌ ورومانسي حقيقي، وصادقٌ في تعاملاته بقيم إنسانية وأخلاقية عالية، هذا كله ما يؤهله لأن يقدِم منتجاً فنِّياً بشفافية عالية. أضِف إلى ذلك، أنَّه موسيقي، ويمتلك أعلى درجات الحس المرهف، وكلُّ ما ذكرته نشاهده في معالجاته للوحة البورتريه التي يقدمها، حيث نرى إدراكاً عميقاً لتشريح الضوء والظِّل، كما أنه بارعٌ في عكس التعبير الداخلي لصاحب اللوحة، ويمكنني القول إنَّ بورتريه "حسين ونوس" بألوان الحبر الجاف بصمة جميلة وفريدة في التشكيل».

الفنان التشكيلي "رامي جوهرة" والمتابع لأعمال "حسين ونوس"، قال: «بعد متابعتي للوحاته المميزة، يمكن القول إنه يعدّ من الفنانين المجدِّدين والمبدعين، وأهم ما يميزه تلك الرؤية الفنية الحديثة التي يمتلكها، وبراعته تجلَّت في رسم الوجوه بإحساسٍ عالٍ من الرهافة والشفافية، ومعرفته الواسعة لأهمية الضوء ومنعكساته على الأشكال، إضافة إلى تداخل الألوان واشتقاقاتها في الضوء الساطع، وهذا برأيي ما قدمه الفنان "حسين ونوس" في لوحاته، إضافةً إلى التناسب الدقيق والإشباع اللوني فيها، ومن يشاهد لوحاته يدرك أنها من تنفيذه».

الفنان التشكيلي والنحات إياد البلال

يذكر، أنَّ "حسين ونوس" من مواليد "حمص" عام 1971، ويعمل حالياً قائماً بالأعمال في كلية الهندسة المعمارية بجامعة "البعث"، ومحاضراً فيها، وفي "الجامعة الوطنية" في مدينة "حماة".