رافقه الحسّ العالي بالمسؤولية منذ طفولته المبكرة، حيث أذهل مدرّسيه بقدرته على الإبداع. حوّل قطع الخشب إلى تحف فنية، وأبدع باختلاق ديكورات الجص بطرائق مبتكرة كانت عاملاً مساعداً له في الحياة. تابع مسيرته الفنية بجدية كاملة، وانتهى به المطاف مديراً لمعهد التربية الفنية التشكيلية والتطبيقية بـ"حمص".

مدونة وطن "eSyria" التقت الفنان التشكيلي "محمد عجوب"، بتاريخ 28 نيسان 2019، ليحدثنا عن انطلاقته الفنية، قائلاً: «تميزت في طفولتي خلال حصص الرسم في المدرسة، حيث كنت أنتمي إلى أسرة مكافحة، ولم تكن تعنى بالفن، وكان همُّها تأمين مورد رزقها. توجهت في المرحلة الثانوية إلى الدراسة في مدرسة الصناعة بهدف تعلم حرفة النجارة، وهي مهنة والدي، فكنت أطبق ما أكسبه من معرفة وخبرة في ورشتنا.

لم أتأثر بأي مدرسة، وإنما بأساليب بعض الفنانين، واتسمت لوحاتي بالتعبيرية، وبعضها واقعية، وقد شاركت بمعرض "حمص القديمة" عام 2018 بلوحة تمثل حياً من أحيائها العريقة. أميلُ إلى الألوان الحارة كالأحمر والأصفر والبني ومشتقاته، لأنها تعطي حيوية تناسب حركتي، ونادراً ما أرسم بالألوان الباردة

بعد حصولي على الثانوية توجهت لدراسة المعهد الحرفي، لأصبح مدرّس حرفة، وهو أقصر السبل، لكن مصيري تغير بفضل المدرّس الراحل "محمد الصالح"، الذي كان مدير المدرسة الثانوية والمعهد، حيث كان مؤمناً بموهبتي وقدراتي، ورفض التحاقي بالمعهد الحرفي، وطلب مني وأخي التوأم "أحمد" الالتحاق بكلية الفنون الجميلة، وتعهد بدفع كامل النفقات؛ ولو كان ديناً، لكن والدي قرر إرسالنا إلى "دمشق" بناء على اقتراح "الصالح" وتحمّل النفقات. التحقنا فعلاً بالكلية، وكانت معاناتي كبيرة في السنة الأولى بسبب بعدي عن الفن، فبدأت أنسجم رويداً رويداً مع رفاقي، وبدأ يظهر تميزي في السنة الثانية، حيث عملت كثيراً واجتهدت، وكنت عندما أكلف بمشروع في الكلية أفقد القدرة على النوم، وفي إحدى المرات بقيت خمسة أيام من دون نوم، كلما أغمضت عيني راودتني فكرة جديدة، فأسارع إلى رسمها على الورق خوفاً من هربها، وهي محاولات حثيثة لأكون متميزاً بين نظرائي».

الفنان محمد عجوب

وعن الأشخاص الذين ساعدوه في مسيرته، قال: «أبرز الأشخاص الذين كان لهم دور بدفعي إلى الأمام رئيس قسم الحفر في الكلية الدكتور الفنان "عبد الكريم فرج"، حيث دعمني معنوياً وفنياً وبالمعلومة، ووجهني وأعارني على مسؤوليته العديد من المراجع المهمة من مكتبة الكلية، وفتح لي أفقاً جديداً وتبناني فنياً. وقد حصلت حادثة مهمة في تلك المرحلة عندما شكك أحد أساتذتي الذي كان يراقبني دائماً بقدراتي، واتهمني باللصوصية، وأنني سرقت المشروع من الفنان العالمي "رام برانت"، وجرى تحدٍّ بيني وبينه بأن يكون الفنان المذكور قد رسم لوحة كهذه، لكن الدكتور "فرج" كرر ثقته بموهبتي، ووصفني بالصفحة البيضاء والذهن الصافي، في تلك اللحظة أزعجني حديثه، لكن فيما بعد شعرت بأنه وضعني موضع فنان كبير، وهذا شرف لي وأنا الطالب في الكلية، ربما أكون استعنت بطريقة عمله وأسلوب ألوانه، لكنني لم أبنِ عملي عليه؛ وهو ما أدى إلى ردة فعل إيجابية لديّ».

وتناول مسيرته الفنية، قائلاً: «تنقلت من عمل إلى آخر، وسافرت إلى "لبنان"، فعملت بالنجارة، وأبدعت بديكورات الجص، وعند عودتي التقيت الفنان التشكيلي "عبد المنعم شما"، فساعدني بالانتساب إلى اتحاد الفنانين التشكيليين عام 1996، فشاركت بعدة معارض عامي 1993-1996، بعنوان: "تحية لنيسان"، ثم عينت كمدرّس في الثانوية النسوية عام 1997؛ وهو ما أعطاني حافزاً لتقديم المواد الأولية مقابل أن أقدم أعمالاً متميزة، ثم اتبعت دورة "تلزيق" عجمي وضغط على النحاس، فاستثمرت المخزون من المعرفة الذي أحمله في الثانوية. رسمت بالزيتي والمائي والرصاص، والعديد من الأعمال الحرفية؛ كالزخرفة والرسم على البلور والمرايا وحرق الخشب، ثم انتقلت للتدريس بمعهد التربية الفنية عام 2000».

من أعماله

وعن أثر الأزمة بأعماله، قال: «ظهرت الأزمة في أعمالي من خلال وجوه مقطعة فيها وحشية تلونت بالدهشة، وجسدت حالة الناس في بداية الأزمة، حيث كنا نراهن على وعي الشعب السوري، وفوجئنا بهذه الحرب، وفي عام 2011، انعدمت الحركة الفنية، فكان من واجبنا كفنانين التحرك وإكمال رسالتنا في ظلّ هجرة أغلب الفنانين من البلد، فشاركت بعدة معارض في كليتي الهندسة المعمارية والهندسة المدنية أعوام 2011-2012-2013-2014، ثم انتقلت بعدها لإنجاز معرض سنوي طلابي لطلاب المعهد، وفي عام 2015 تم تفعيل صالة "صبحي شعيب"، وعدنا لإقامة المعرض فيه».

وعن المدارس التي تأثر بها، قال: «لم أتأثر بأي مدرسة، وإنما بأساليب بعض الفنانين، واتسمت لوحاتي بالتعبيرية، وبعضها واقعية، وقد شاركت بمعرض "حمص القديمة" عام 2018 بلوحة تمثل حياً من أحيائها العريقة. أميلُ إلى الألوان الحارة كالأحمر والأصفر والبني ومشتقاته، لأنها تعطي حيوية تناسب حركتي، ونادراً ما أرسم بالألوان الباردة».

الفنان رزق الله حلاق

الفنان التشكيلي "رزق الله حلاق" تناول مسيرة الفنان "عجوب" بالقول: «هو فنان لديه حس فني متميز، حيث يصور المشاهد بطريقة صوفية، فتبدو الألوان فيها روحانية مميزة تتخطى الواقع أحياناً، فلا يتردد بأن يضع إحساسه المميز، ولمساته اللونية الخاصة؛ فتغدو مشاهد ملأى بالحياة. أما بعيداً عن الفن ومن خلال صداقتنا الطويلة، أستطيع القول إنه شخص مميز بكل ما في الكلمة من معنى، فهو صادق بالتعامل مع جميع الناس سواء كانوا زملاء أو طلاب أو فنانين، ومن حسن حظنا أن يكون مديراً لمعهد التربية الفنية التشكيلية والتطبيقية والتربية الموسيقية بـ"حمص"، فالإدارة تليق بشخصه البناء والإيجابي».

يذكر، أن الفنان "محمد عجوب" من مواليد "دمشق"، عام 1962.