أجبرتها الحرب على الابتعاد عن مرتع طفولتها في حيّ "الوعر" بمدينة "حمص"، لتحط بمدينة السحر والبحر "طرطوس" بحثاً عن الدفء والأمان، تركت تاريخها القابع بلوحاتها وألوانها ومرسمها، لكن حبَّ الفن والحياة دفعها إلى تجاوز أزمتها.

مدونة وطن "eSyria" التقت الفنانة التشكيلية "ميساء علي" بتاريخ 28 آذار2019، لتحدثنا عن انطلاقتها في مجال الفن، قائلة: «أعدّ نفسي محظوظة لكوني نشأت ضمن أسرة مثقفة تقدر الفن وتحترمه، فقدَّرت موهبتي منذ الطفولة، حيث لم يترد الأهل في تشجيعي على الرسم، فتميزت من المراحل الدراسية الأولى، وكنت من المتميزين في مسابقات رواد منظمة "طلائع البعث"، ثم تألقت في معسكرات منظمة "الشبيبة" و"الأسد" التخصصية، والتحقت بمعهد "صبحي شعيب" منذ كنت طالبة في الثانوية، ولم تتوقف أسرتي عن دعمي، فالتحقت بكلية الفنون الجميلة بـ"دمشق" عام 1991 لكي أحقق حلمي في مجال الفن التشكيلي، فتخصصت في قسم الاتصالات البصرية، وقد شاركت بكافة المعارض على كل المستويات من الطلائع حتى الكلية، ولم أتوانَ عن المشاركة بكافة معارض فناني "حمص" منذ عشرين عاماً حتى الآن».

أخجل أن أعبر عن كل طموحاتي وأحلامي؛ فهي أكبر من أن أتجرأ على التعبير عنها على الرغم من أنني لم أصل حتى هذه اللحظة إلى اللوحة التي ترضي طموحي، وإنما لوحاتي مجرد أحاسيس ملونة لم تكتمل بعد، ويوماً ما سأرسم لوحة أقف أمامها لأقول هذا تماماً ما كنت أريده

وعن الدور الذي أضافته الدراسة الأكاديمية إلى فنها، قالت: «أضافت الدراسة الأكاديمية إليّ الكثير من الخبرات، إلا أن الفنان يحتاج إلى رحلة استكشافه الخاصة في عالمه المختلف، وعلى الرغم من متابعتي الدراسة وحصولي على دبلوم في الدراسات العليا في اختصاصي، إلا أن هذا لم يقربني من تجربتي الخاصة إلا بكونه قاعدة فنية ثقافية معرفية.

من لوحاتها

وكان للملتقيات الفنية أثر مهم في أعمالي؛ فهي تمثل ورشات عمل فنية بالخبرات المتنوعة، وقد استفدت كثيراً من الوسط الفني التشكيلي في مدينة "حمص"، الذي يضم خبرات رائعة كان لي شرف الاستعانة بها؛ هكذا بدأت بمشاركات خجولة بمعارض فناني "حمص"، ومهرجان "القلعة والوادي"، ومهرجان "المحبة"».

وعن تأثير الأزمة في أعمالها، وأبرز المحطات الفنية في مسيرتها، قالت: «توقفت النشاطات الفنية في فترة الحرب، وها نحن ننهض من جديد، فشاركت بالعديد من المعارض الفنية، منها: معارض "نيسان" لفناني "حمص"، ومعرض "حمص القديمة"، ومعرض البورتريه، إضافة إلى مشاركتي بملتقى "القلعة والوادي"، وملتقى "جوليا دومنا" الأول، وشاركت بفعاليات ملتقى التصوير الزيتي، وكان المعرض في الهواء الطلق، الذي تم نقله لاحقاً إلى صالة اتحاد الفنانين التشكيليين بـ"حمص"، وقد كان للحرب على "سورية" أثر قاس لدى الجميع؛ فما بالك بالفنان التشكيلي الذي تجرد من مكانه وأعماله، حيث إنني اصطحبت معي في رحلتي إلى "طرطوس" منذ عام 2012 حتى 2015 ذكرياتي وحزني الذي جسدتهُ في عيون الوجوه في لوحاتي التي أرسمها، لكنني احتسيت جرعات من الأمل، وأحاول الخروج دائماً بنفسي وبلوحاتي إلى حقول خضراء ووجوه ضاحكة لتشرق صباحاتي، وأظن أنني سأصل».

سميرة مدور

وعما تمثّله لوحاتها والمدرسة التي تنتمي إليها، قالت: «يستطيع المتلقي أن يميز أعمالي الفنية من لوحاتي، فهي تمثل وجوهاً وشخصيات بتعابير مختلفة مع علاقات تشكيلية ببعض العناصر قد يجد فيها المتلقي رسالة تعبيرية، وقد تقترب من الانطباعية أحياناً أخرى، إلا أن الأهم الرسالة البصرية الفنية التي توحي بالانتظار والترقب وأحياناً الحزن والملل وربما أشياء أخرى، أظن أن اللوحة تشبه الإنسان الذي رسمها تتغير بتغيره، فتفرح لفرحه، وتحزن معه من خلال اللون والخط والتشكيل الفني».

أما عن طموحها على الصعيد الفني، فقالت: «أخجل أن أعبر عن كل طموحاتي وأحلامي؛ فهي أكبر من أن أتجرأ على التعبير عنها على الرغم من أنني لم أصل حتى هذه اللحظة إلى اللوحة التي ترضي طموحي، وإنما لوحاتي مجرد أحاسيس ملونة لم تكتمل بعد، ويوماً ما سأرسم لوحة أقف أمامها لأقول هذا تماماً ما كنت أريده».

ميساء علي مع إحدى لوحاتها

عضو مكتب نقابة الفنانين التشكيليين في "حمص" الفنانة التشكيلية "سميرة مدور" صديقة الفنانة، قالت :«"ميساء علي" من الفنانات المجدات، عملت على تطوير نفسها، فغلب على لوحاتها الأشخاص وجسدت الحالات الإنسانية المتعددة، وعملت العديد من اللوحات في أكثر من ملتقى، فتميزت بحسها الإنساني التعبيري الرائع، وعبرت من خلال ألوانها عما يجول في نفسها ليصل إلى المتلقي، وتتطور أعمالها يوماً بعد يوم، وتكتسب خبرة وتصبح أغنى، فأنا من خلال تواصلي معها أراقب عملها من حيث مزج الألوان، وأرى أن الحس اللوني لديها والشخوص والتعبير الإنساني الذي تتناوله يعكس غنى تجربتها. "ميساء" فنانة حساسة متقنة لعملها ومتمكنة من أدواتها، وتعرف كيف تنقل الفكرة إلى المتلقي».

يذكر، أن "ميساء علي" من مواليد "بانياس" عام 1973، خريجة كلية فنون جميلة، اختصاص اتصالات بصرية عام 1995، وحاصلة على دبلوم دراسات عليا عام 2000، وحالياً مدرّسة في معهد الفنون التطبيقية بـ"حمص"، وعضو بمجلس إدارة اتحاد الفنانين التشكيليين فرع "حمص".