نهل أصول الفن من مشارب متعددة، فألّفَ حكايته الخاصة متأثراً بعبق الماضي وروح الحاضر، مختصراً كل ما بداخله، وببراعة استطاع أن يقحم المتلقي بحالة الاستكشاف، فيرغمه على البحث والتقصي ليدخل ببوتقة الإحساس وتفسير العمل الفني، انطلاقاً من ثقافته وإحساسه بالفن.

مدونة وطن "eSyria" تواصلت بتاريخ 30 تشرين الثاني 2018، مع التشكيلي "نضال خضور" المقيم في "دبي" ليتحدث عن مسيرته الفنية، فقال: «الفن بالنسبة لي حيث تلتقي الروح راحتها، جمالها ورغبتها، جنونها وسكونها. ولدت في "حمص" وكبرت في "الشام"، سنوات طويلة أمضيتها في كلية الفنون الجميلة التي اخترتها عن رغبة تقررت في المرحلة الثانوية وما قبلها، وأتذكر كم كنت فرحاً في صفي الثالث الإبتدائي عندما تعلّمت لأول مرة أن أرسم طائرة حربية، حيث كانت مواضيع حرب "تشرين" ما نرسمه أغلب الأحيان.

تحقّق الحلم عام 2000 عندما تمّ قبولي في كلية الفنون الجميلة بجامعة "دمشق"، بعد اجتيازي فحص القبول، وأذكر أنني رسمت البورتريه للشهير "سقراط" بقلم الرصاص، ذاك الوقت كان هناك امتحان واحد للقبول، ولم تكن رغبتي أبداً أن أدخل قسم النحت، فروحي كانت تتوق إلى دراسة هندسة الديكور أو التصوير، لكن نظام الاختصاص لم يكن يهتم أبداً لرغبة الطالب وإنما لعلاماته. انقطعت خلالها فترات عن الدراسة بسبب السفر خارج البلاد، على أمل التعرّف إلى ثقافات الشعوب وألوانها وحضاراتها وعاداتها. كانت وما زالت تغريني المساحات البيضاء ورائحة الألوان وتعابيرها، وجنون الريشة في الليل، أرسم في الليل، وأعود لأرى لوحاتي في ضوء النهار، وهذه الحالة مكملة لشخصيتي التواقة إلى الانعتاق والحرية

كنت قارئاً جيداً، ففي عطلة الصيف أعيد قراءة ما تحويه مكتبتي من مجلات وكتب وقصص، وضمنها كانت الأعمال الكاملة لـ"نزار قباني"، حيث كانت تأخذني عوالم الكتب المختلفة إلى أماكن أخرى غير هذا المحيط، كانت روحي تبحث عن التحرر دائماً من حدود الزمان والمكان. وفي الثانوية سجلت بمعهد "صبحي شعيب" للفنون التشكيلية التابع لوزارة الثقافة، وقد كان فرصتي الأولى لتطوير رغبتي وقدراتي على الرسم، إضافة إلى الاحتكاك بغيري من طلبة الفن، حيث رسمت العديد من "السكيتشات" واللوحات التي ما زلت أحتفظ بها في "حمص"، ومعظمها بالألوان المائية والزيتية، ولم يكن الإكريليك صديقي تلك الأيام».

من معرضه "أطياف من الذاكرة"

وتابع عن المرحلة الجامعية وعلاقته باللوحة: «تحقّق الحلم عام 2000 عندما تمّ قبولي في كلية الفنون الجميلة بجامعة "دمشق"، بعد اجتيازي فحص القبول، وأذكر أنني رسمت البورتريه للشهير "سقراط" بقلم الرصاص، ذاك الوقت كان هناك امتحان واحد للقبول، ولم تكن رغبتي أبداً أن أدخل قسم النحت، فروحي كانت تتوق إلى دراسة هندسة الديكور أو التصوير، لكن نظام الاختصاص لم يكن يهتم أبداً لرغبة الطالب وإنما لعلاماته. انقطعت خلالها فترات عن الدراسة بسبب السفر خارج البلاد، على أمل التعرّف إلى ثقافات الشعوب وألوانها وحضاراتها وعاداتها.

كانت وما زالت تغريني المساحات البيضاء ورائحة الألوان وتعابيرها، وجنون الريشة في الليل، أرسم في الليل، وأعود لأرى لوحاتي في ضوء النهار، وهذه الحالة مكملة لشخصيتي التواقة إلى الانعتاق والحرية».

لقطة من أحد معارضه

وعن رؤيته البصرية لأعماله، قال: «أعمالي القديمة كانت حارّة لونياً، عفوية، وفوضوية نوعاً ما، ومع مرور الأيام وهدوء الأوضاع نسبياً في بلدي، أصبحت ألواني أكثر هدوءاً وتنظيماً، على الرغم من الغربة وابتعادي عن "سورية"، فأنا مثل أي مواطن سوري تؤلمه الحرب ولا تقتله، ما زلت أملك تلك الذكريات الجميلة عن بلدي قبل عام 2011، وأحاول دائماً أن تحمل أعمالي طاقة إيجابية للمتلقي، وأبحث دوماً عن الجمال، بعيداً عن مشاهد الحرب والدمار التي تحيط بنا.

تشكل الطبيعة والأرض معظم أعمالي التي تحمل أكثر من تفسير، وكل متلقٍّ يعبّر عن اللوحة اعتماداً على إحساسه وانفعالاته وثقافته الفنية والبصرية، لا أحب شرح الأعمال أو تفسيرها، وأترك ذلك لمن يشاهدها، كما أنني لا أصنف طريقتي في التعبير اللوني ضمن أي مدرسة تشكيلية، وأترك ذلك للناقد والمتلقي، فانا أدفعه إلى الشك والبحث، ولا أقدم له وصفة جاهزة أو صورة فوتوغرافية».

لوحات تجريدية بأشكال هندسية

الفن بالنسبة له هواية ومهنة، والمتعة الحقيقية تكمن في عيون الناس وتعابيرهم عندما يتفاعلون مع العمل الفني الذي يقدمه، ولا يحزن على لوحاته المباعة بقدر ما يسعده اقتناؤها، وأضاف قائلاً: «شاركت في العديد من المعارض الجماعية في "الإمارات" بعد أن استطعت فرض وجودي فيها فنياً، ولدي معرضان فرديان في الرابطة الثقافية الفرنسية بـ"أبو ظبي"، وكذلك في صالة فن "جميرا" بـ"دبي"، وسعدت بمشاركتي في معرض المحترف العربي في "إسطنبول"، كما شاركت في معرض جماعي في "إيطاليا"، وهناك مشاركات عديدة أيضاً بعدد من المعارض الجماعية بدول مختلفة. كرمتني هيئة "دبي" للثقافة والفنون باختيار لوحتي "مساء ليلكي" كغلاف لإصدارها الخاص نصف السنوي لكتاب "خارطة الفن" الذي يعرض الحركة التشكيلية والثقافية في الدولة. ما وصلت إليه اليوم نتيجة تراكم بصري ومخزون ثقافي منذ بدأت أفهم ما أرى وأشعر به، وبدا ذلك واضحاً في معرضي الفردي الأخير "أطياف من الذاكرة"، ولم أتأثر بأحد، وأنا سعيد بما وصلت إليه، وما زال طموحي بلا حدود».

الفنان المغترب "إسماعيل الشيخوني" تحدث عن رأيه بأعمال الفنان "خضور" قائلاً: «اسم يتشكل في الفن العربي كما تتشكل اللوحة نفسها، اللوحة تبدأ باتخاذ قرار عملها وتحديد أدواتها، قد يفاجئ بعضهم اعتبار تشكل فنان هو قرار منه، لكن في الحقيقة مجرد اختيار طريق الفن بنيّة صادقة وعمل دؤوب هو بداية الفنان، مذ كان "نضال" طالباً في كلية الفنون، وعلى الرغم من الدراسة كان يجد فسحة أشرح في مركز الفنون في "حمص"، وعلى غرار أشهر أكاديميات الفنون تلقى فيها أسس العمل الفني بممارسة رسم وتصوير الطبيعة الصامتة والطبيعة الخلوية والتماثيل والبورتريه، بل ويضاف إليها عبق تاريخ المكان وحميمية الصداقات التي بنيت في مركز الفنون، وعززت النشاط الشبابي بكل معنى الكلمة ضمن لقاءات عملية وحوارية في المقهى والبيت وبعض الرحلات، والمعارض الجماعية في المركز الثقافي وغيره.

وفي "الإمارات" استطاع خوض غمار الإضاءة اللونية للبحث في مجال تكوين عمل فني ناضج تشكيلياً، حيث يتناسب مع البيئة الفنية التي تشكل فنون الحداثة، ولعل أفضل ما يميز تلك المرحلة لعبه بألوان بيئته السورية بما تصدح به من نغمات الربيع والخريف، وتداخل كثيف أدى إلى نقل أسلوبه إلى النقيض الأدائي من خلال تبسيط المساحات اللونية، ونقلات خطية أكثر حدة وصرامة، من دون التخلي عن "سورية" المناخ اللوني، بل غدا أكثر خصوصية ليس فقط بإخلاصه لهارمونية محلية، بل بإعادة توزيع تلك الجمل اللونية والشكلية بجرأة أكبر تعطي خصوصية متفردة ومحكمة لكل لوحة على حدة».

يذكر، أن الفنان "نضال خضور" من مواليد "حمص" عام 1979، وتخرّج في كلية الفنون الجميلة بجامعة "دمشق" عام 2009.