من قلب البيئة التي احتضنته صغيراً، جعل من الخشب أداة لتجسيد موهبته، ومازال حتى الآن صديقاً له في لوحاته التشكيلية، وأساساً في تصاميمه المتسمة بالبساطة والتميز في آن معاً.

مدونة وطن "eSyria" التقت الرسام "فريد وسوف" في مرسمه المتواضع، فحدثنا عن بدايات موهبته، وكيف تحولت إلى احتراف فني، حيث قال: «أنا كابن بيئة ريفية صافية، ومع خلو أيام طفولتنا من وسائل الترفيه والتسلية كما هو الحال في هذا الوقت الذي نعيشه، كانت ألعابنا وتسالينا نابعة من قلب هذه البيئة، وبوجود أشجار التفاح والدلب والحور وغيرها، كانت كل أشكال ومجسمات الألعاب التي أحفرها وأصنعها من الخشب، وكانت عيناي عندما تقعان على أي منظر يعجبني، أقوم برسمه بعد وقت على ورقة؛ لأنه انطبع في ذاكرتي، وكان كل من يرى رسوماتي يعجب بها ويشجعني أكثر، واستمريت بذلك باستخدام أقلام الرصاص والحبر العادية، وقطع الفحم المتوفرة».

لاقت الأيقونات الأولى التي رسمتها صدى كبيراً عند من شاهدها؛ وهو ما دفع بعض الكنائس والأشخاص إلى طلب رسمها مني، لكن هذه اللوحة بالذات مميزة عندي، فقد رسمتها على الخشب الذي أحبه، ولأن مساحتها كبيرة، فهي بارتفاع 312سم وعرض 222سم، واستغرفت معي شهراً من العمل المتواصل، وهي موجودة في كنيسة القديس "مارشربل" في حي "الأرمن" بـ"حمص"

وأضاف في شرحه عن بدايات احترافه الرسم بالألوان: «في سنّ العشرين بدأت الرسم بأسلوب شبه احترافي، والبداية كانت برسم (البورتريه) لشخصيات مشهورة كنت أحبها، أو أشخاص عاديين أمامي، ودفعني إلى ذلك التميز الذي كنت أراه في تلك الوجوه، لأن من يدقق في وجه كل إنسان، سيرى قصة معينة تختلف من وجه إلى آخر، فأحياناً ترى الفرح من خلال نظرة العينين كما هو الحزن أحياناً، على الرغم من إخفاء صاحب الوجه لأي معالم واضحة، وهنا تميز الفنان في اكتشاف ذلك عن غيره من الناس العاديين، ويظهر إبداعه في تجسيد هذه القصص بالوجوه من خلال رسوماته».

الفنان مع إحدى الأيقونات

وعن الصدى الذي حققه رسم الأيقونات وتفاعل الناس معه، يقول: «رسم الأيقونات الكنسية من أصعب أنواع الرسم؛ لأن صورة الأيقونة الأساسية يجب أن تكون محفورة في ذهن الرسام، ولا يقبل فيها الخطأ أو التجديد الفردي من قبل الرسام، وأثناء رسمها يراودني إحساس خاص له علاقة بالروحانية والتأمل يجعلني مندمجاً إلى أبعد الحدود وكأنني في عالم آخر، لذلك أنسى نفسي وأنا أرسم لعدة ساعات متواصلة من دون شعور بالوقت».

وعن أيقونة "الضابط الكل" ومكانتها عند "فريد وسوف"، قال: «لاقت الأيقونات الأولى التي رسمتها صدى كبيراً عند من شاهدها؛ وهو ما دفع بعض الكنائس والأشخاص إلى طلب رسمها مني، لكن هذه اللوحة بالذات مميزة عندي، فقد رسمتها على الخشب الذي أحبه، ولأن مساحتها كبيرة، فهي بارتفاع 312سم وعرض 222سم، واستغرفت معي شهراً من العمل المتواصل، وهي موجودة في كنيسة القديس "مارشربل" في حي "الأرمن" بـ"حمص"».

زهرية الأرز

وعن تفضيله للخشب أوضح: «أنا أرسم على جميع المواد، إن كانت ألواح الخشب، أو قماش "كانفس"، وقطع البورسلان، لكنني أحب الرسم على الخشب بوجه خاص، وبالألوان الزيتية حصراً، لأن اللوحة تعيش عمراً زمنياً أطول، من حيث عدم تأثرها بأي عوامل وأضرار خلافاً للقماش أو غيره، ولأن الصورة المرسومة تعطي روحاً للخشب بحد ذاتها، فتصبح اللوحة متكاملة ولها أثر خاص. أما الرسم على "الكانفس"، فله ميزة الاستخدام المتنوع لمعظم الألوان، والزمن الذي يستغرقه الرسم عليه أقل من الرسم على الخشب.

أرسم بجميع المواد الزيتية، والإكريليك المائي، وأقلام الحبر الناشف والرصاص والفحم، وأقلام الباستيل (الشمع)، لكن المفضل عندي والأكثر طلباً من الناس الألوان الزيتية».

وعن زهرية الأرز التي صنعها وحكايتها مع كتاب "غينيس" للأرقام القياسية قال: «زهرية الأرز لها مكانة غالية في قلبي، ولها شعوران متناقضان بداخلي؛ الأول شعور بالفرح لأنها تحدٍّ جبار بالنسبة لي لأدخل بها سجل "غينيس" للأرقام القياسية، من حيث فكرتها المميزة التي اعتمدت على البناء حبة حبة بالكامل، وليس بطريقة التلبيس الخارجي كغيرها، وهي بارتفاع 96سم واستهلكت 400 ألف حبة أرز، واستغرق إنهاؤها نحو 636 ساعة عمل متقطعة بحسب توافر الأرز؛ لأنه من نوع خاص ويجب أن تكون متشابهة كلها، لذلك بدأت العمل بها عام 2009، وانتهيت عام 2016. والشعور المحزن أنه على الرغم من الصيت الذي أخذته هذه الزهرية، والحديث عنها في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، إلا أن فرحتي بها ناقصة بسبب عدم تسجيلها في كتاب "غينيس" للأرقام القياسية، مع أنني تواصلت معهم بصورة شخصية، ولم أتلقَّ أي جواب حتى اللحظة، ولم ألقَ أي مساعدة من أي جهة رسمية في ذلك، لكنني ما أزال على أمل بأن أنجح في تسجيلها لاسم وطني "سورية" أولاً، وبالنسبة لي شخصياً حتى لا أشعر بضياع تعبي سدى».

وفيما يخص تصاميم الديكور وتوجهه نحوها بيّن "وسوف": «رسم اللوحات يستغرق وقتاً أكثر، والمردود المادي منها ضئيل مقارنة بتكاليف موادها والوقت اللازم لها، ومع انعدام فرصة إقامة معرض خاص لأعمالي، بسبب ضيق الحال وعدم رعاية أي جهة رسمية، وأولها نقابة الفنانين التشكيليين لعدم اهتمامها بهموم أعضائها، وبعد عدة أعمال قمت بها بدأ الطلب مني بتصميم لوحات ورسومات خاصة، إضافة إلى رسم لوحات جدارية كزينة ديكور، فتوجهت نحو هذا النوع».

"منيف كنوزي" رسام ونحات صاحب باع طويل في الفن التشكيلي، عند سؤاله عن رأيه بأعمال الفنان "فريد وسوف"، أجاب: «تابعت أعماله منذ تسع سنوات بعد أن تعرّفت إليه شخصياً، وفي الحقيقة إن "فريد وسوف" فنان موهوب جداً ولديه إرادة وتصميم على الإبداع وليس الرسم فقط، وعنده تقنية مميزة في أعماله المتعددة والمتنوعة باختلاف أصناف الألوان المستخدمة، ولديه قدرة ملحوظة في الدقة بتصوير الأشخاص بالألوان الزيتية والفحم، وهو متمكن ولديه قدرة ومهارة في اختيار ألوانه المتآلفة والمنسجمة بعضها مع بعض».

وعن الدراسة الأكاديمية وماذا تضيف إلى الموهبة، وماذا يشد انتباه "منيف كنوزي" عند مشاهدة أعمال الفنان "فريد وسوف"، قال: «الموهبة نعمة من الله، وهي كامنة عند الكثيرين من الناس، وتحتاج إلى من يوقظها وإلا ستبقى ضائعة، لكن "فريد" أطلق العنان لموهبته وسعى جاهداً لتحويلها إلى إبداع وتميز، وطبعاً الدراسة الأكاديمية تصقل وتهذب الموهبة، وتضعها على الطريق الصحيح للإبداع اللا محدود. وما يشدني في أعماله اللمسة الجميلة، والحرفية الشديدة عنده، واللون الأخّاذ الذي يضعه مع صفاء رائع وجميل في اللوحات. نصيحتي له أن ينوع مواضيع لوحاته أكثر بعيداً عن الطبيعة الصامتة، ويرسم مواضيع تلامس هموم الناس ومشكلاتهم، ويكون لها علاقة بالشأن العام والخاص معاً، والتعمق في تفاصيل الأشياء والحالات، من أجل أن يكون له أسلوب خاص يميزه عن غيره من الفنانين الآخرين».

يذكر أن "فريد وسوف" من مواليد قرية "كفررام" عام 1973، مقيم في مدينة "حمص" منذ عشر سنوات.