يشتهر الشاعر "بولص جنورة" بأنه قلم القصيدة المغنّاة، فبعد أن ألّف الكثير من القصائد، ورماها خجلاً من الجهل، حارب لكي يصل إلى الناس على الرغم من أنه لم يكن يعرف أوزان الشعر، لكن قلمه دوّن الأبيات بحرفية عالية، فقدّم كلماته للملحنين، واختصّ بما هو وجداني وإنساني.

مدونة وطن "eSyria" زارت بتاريخ 22 تموز 2017، "بولص جنورة" في منزله بقرية "مرمريتا"، ليتحدث عن بداياته قائلاً: «عندما كنت في الصف العاشر، بدأت كلمات محددة تجول في داخلي، وكانت هذه الكلمات تتحدث عن الحب، والأم، والقرية، والوطن، وما شابه من هذه المواضيع والأفكار العميقة، وفي هذه الأثناء صرت أبحث عن وسيلة لتفريغ أفكاري، فلم أجد سوى القلم والورق أمامي.

عندما بدأت الكتابة لم أكن على معرفة كاملة بالأوزان الموسيقية للشعر، وهنا اتجهت إلى منحى مختلف، وأصبحت أكتب باللهجة العامية، وكان الفرق بين العامية والفصحى بالنسبة لي هو الجمهور، لأن الأولى كانت أسهل وأبسط من الفصحى، فكان الجمهور يتفاعل معها أكثر، وبعد مدة من الزمن أتقنت الأوزان وعدت إلى الكتابة باللغة العربية الفصحى

كنت أعيش في قرية لا يوجد فيها من يتبنى المواهب والخامات الصغيرة في ذلك الوقت، وكان الوسط المحيط بي لا يشجع الشعر والإبداع، وأذكر أنني كنت أسير إلى أعلى الجبل، وأكتب الكلمات الشعرية على قصاصات ورقية، ثم أرميها إلى أسفل الوادي بهدوء وألم، لأنه لن يتقبلها أحد؛ فهي حال معاناة الفنانين عموماً».

بولص جنورة مع الشاعر نزار فرنسيس

يتميز شعر "جنورة" بالإلقاء، حيث يعطي لكل كلمة حقها، إضافة إلى الأسلوب السهل والبسيط بعيداً عن الغموض كأنه أقرب إلى السهل الممتنع، ويتابع عن البدايات: «عندما بدأت الكتابة لم أكن على معرفة كاملة بالأوزان الموسيقية للشعر، وهنا اتجهت إلى منحى مختلف، وأصبحت أكتب باللهجة العامية، وكان الفرق بين العامية والفصحى بالنسبة لي هو الجمهور، لأن الأولى كانت أسهل وأبسط من الفصحى، فكان الجمهور يتفاعل معها أكثر، وبعد مدة من الزمن أتقنت الأوزان وعدت إلى الكتابة باللغة العربية الفصحى».

ويتابع: «في عام 1987 كتبت أول قصيدة غنائية بعنوان: "بالغربة صدفة لقيتا"، وكانت هذه القصيدة لقريتي، وبعد عشر سنوات تم تلحين القصيدة وغناؤها، وبات عمرها الآن ثلاثين عاماً، فقد تحولت إلى أغنية تراثية في المنطقة. بعد عام 1987 بدأت تتنوع لدي المواضيع الشعرية، فكتبت مثلاً عن الوجدانيات، ولديّ عشر أغانٍ ملحنة عن قريتي "مرمريتا"، فكنت أقدم لقريتي أغنية واحدة كل سنة، كما كتبت عن المرأة والطبيعة والوطن، وقصيدة "الوطن" بعنوان: "وقف عندك"، وهي قصيدة تتحدث عن صرخة أم تقف بوجه ولدها قبل اللحظات الأخيرة لإقلاع الطائرة عندما يترك وطنه ويقرّر الهجرة، فتقول القصيدة في بعض أبياتها:

"وقّف عندك وقف هون، وينك رايح يا المجنون، رايح تتمرمر بالغربة، رايح تجرح روحي وعمري، رايح تجلي تجلي صحون.. ربيتك تصرت كبير، ربيتك كل شبر بندر، قلت بالي بكرة يصير، بعوضني عن هالصبر، أويت جناحك تطير.. طاير طاير فوق الجمر، مهما كبرت بتبقى صغير، صغيّر عضمة صدر، صغيّر بتنادي أمي، ضميني ضمني ضمي، لولاكي ما بسوى العمر، وكلماتك عراسي أمر، هلق رايح ترحل عني، وبنار الهجرة تجنني، رايح ترحل طول العمر، غيابك يبني يهد الضهر، وقف عندك وقف هون، مين ليحرس مين ليزرع، مين يدور عجل المصنع، مين يغني لبلادو، يرفع راية عز جدادو، مين ليسهر جمب المدفع، وقّف عندك وقّف هون"».

أما عن مشاركته الشعرية، فقال: «شاركت في مسابقة الشاعر الكبير "عيسى أيوب" على المسرح الذي يحمل اسمه في جامعة "الحواش" بقصيدتين، وهما: "أنتي الدني"، و"دم الشهيد"، وقد تم تكريمي بشهادة تقدير لاختياري من الشعراء العشر الأوائل، وعندما ألقيت قصيدة "أنتي الدني" أصبح الجمهور يتساءل عن توجه هذه القصيدة وما هو موضوعها، فهناك من يقول إنها موجهة إلى الأم أو الحبيبة، وآخر يقول للوطن، لكن في الحقيقة هي قصيدة تشمل الجميع؛ لذلك كل شخص يفهم جانبه الخاص بها، ومن أبيات القصيدة:

"ياما كنت ألك أنا بردان، حضنك دفا والكون شتوية، برجع أنا بلمسة عشق إنسان، ضمة صدر تروي الهوى في، فيكي بحلاكي دايب وهيمان، بحبك أنا والحب مهو خطية".

كتبت أيضاً أغنية غنّاها ولحّنها المطرب "فؤاد يازجي"، وأبياتاً شعرية للقرية بعد عودة بعض المغتربين إليها، مثل قصيدة "حجار الضيعة"، كما كتبت قصائد عن "سورية"، مثل قصيدة "راية سورية"، وأقول فيها:

"راية سورية مرفوعة، كلمة بالعالم مسموعة، مهما يغفى نور الشمس، بكرة بالشام بيوعى".

إضافة إلى كل ما تقدّم، كتبت قصائد كثيرة عن "الشهيد" و"الإنسانية" و"حلب" التي عشت فيها عشرين عاماً. وفي عام 2000، شاركت في "قيثارة الروح" في بدار "الأوبرا"؛ وذلك عندما زار بابا الفاتيكان "دمشق" بمناسبة يوبيل الألفين لمجيء السيد "المسيح"، فألفت عملين: الأول "هيا نسير وراء الصليب"، والثاني يحمل عنوان: "عالي بالعالي"، وهما من ألحان الدكتور "جورج باشورة"، وحصدت جائزتين بهذه المشاركة. أما بالنسبة للفعاليات في "مرمريتا"، ففي شهر آب من كل عام أقدم كلمات أغنية في كرنفال القرية، وهي ذات طابع انتمائي وغزلي لـ"الضيعة"، وفي هذا العام قدمت كلمات أغنية "شو بحبك مرمريتا"؛ غناها ولحنها الفنان "جورج يازجي"، ونشرت في بعض الوسائل الإعلامية بمحافظة "حمص"».

وعن العمل مع الملحنين الموسيقيين، يتابع: «تعاملت مع العديد من الملحنين السوريين واللبنانين، وكان أول من بدأت العمل معه الملحن "طوني رباط"، وهو من لحّن وغنّى أول أغنية من كلماتي في عام 1997 "بالغربة صدفة لقيتا"، وقد تعاونت معه لسنوات طويلة، وكذلك مع الملحن "جورج باشورة"، والموزع الموسيقي "شيرو منان"، إضافة إلى عدة أسماء تعاونت معهم لأوقات مختلفة، مثل الملحن اللبناني "جان فرح"».

الملحّن الدكتور "جورج باشورة"، تحدث عنه قائلاً: «إنسان حساس ومرهف يكتب بقلم عميق ومعبر، تتصف كلماته بالواقعية والصوفية معاً، فكتب عن الشهيد والوطن، إضافة إلى كتابات عن الغزل والمرأة. مشاركته في "قيثارة الروح" في "دمشق" كانت متميزة، كما كتب كلمات أغنية "محلاكي مرمريتا" التي نالت إعجاب الجمهور عندما غنّتها "هبة نهري" في مدينة "حلب"، إضافة إلى أنه شخص يتصف بالطموح والصبر لدرجات كبيرة».

يذكر أنّ "بولص جنورة" من مواليد "دمشق"، عام 1968.