دُعي إلى "بولندا" للمشاركة في معرض الفن العربي كممثل لـ "سورية"، وعرضَ في عديد المدن والعواصم، متمسكاً بلوحة نابعة من رؤيته الخاصة للفن، خارج كل التأثيرات التي يرفض حضورها في لوحته.

ينتمي "الصوفي" إلى الجيل الأكاديمي الذي تخرج في كلية الفنون الجميلة بـ"دمشق" على مدار ربع القرن الماضي، وقدم تجربة مختلفة في التعامل مع الصورة التشكيلية المقدمة إلى الجمهور، متمسكاً بحقه في لوحة قد لا تتلاقى مع رغبات المتلقي، لا بل يذهب إلى حد مطالبة المتلقي بتغيير سلوكياته تجاه فهم اللوحة، ليكون أكثر اقتراباً من فهم بنية العمل الفني بحد ذاته.

اللون الذي يستخدمه ينتمي إليه، يذوب في عناصره ليحقق البصيرة الفنية النافذة، وعبر تكثيف شديد الحضور تجد نفسك كمتلقٍ بحاجة إلى رؤية اللوحة لعدة مرات

في حوار مع مدونة وطن “eSyria” يقول الفنان بتاريخ 7 آذار 2014: إنه يسعى إلى تحقيق رؤيته الخاصة فنياً، منطلقاً من جدلية مستمرة مع المتلقي، ويضيف: «المدرسة التعبيرية التي أعمل بها تساعد الإنسان في التعبير عن عواطفه بشكل مباشر، ففيها شخوص وأشكال ومشاهد بصرية غنية ومزدحمة وكثيفة الحضور اللوني والنفسي، لكنها ليست واقعية أو انطباعية، أشكالها محوّرة وقابلة للانتقال من شكل إلى آخر، قد تعكس صورة الأشياء داخل الإنسان، أرسم وجوهاً، لأعكس الأشياء التي داخل الإنسان من حالة نفسية، أي المعاناة التي يعيشها، الفرح والحزن، أي شيء في داخلي أعكسه على وجهه؛ فيظهر الشكل أحياناً مشوهاً فيه العديد من الانفعالات».

من معرضه الأخير في اللاذقية

عبر معارضه الفردية التسعة، بين "حمص"، و"دمشق"، و"بغداد"، و"أثينا"، وغيرها، وبمشاركاته الجماعية الكثيرة، يذهب الفنان "الصوفي" في تكثيف مشهديته البصرية مستعملاً تقنية الخط المربع، بعضه ثخين، وبعضه مكسَّر، هذه السمة، ظهرت واضحةً في معرضه الأخير في "اللاذقية"، يفسر الأمر بقوله: «في تقنية الخط هناك طاقة تعبيرية هائلة، تعطي الانطباع بالقساوة والفرح سوية، أوظفها في التعامل مع الأشياء والبشر بأنواع انكساراتهم الراهنة، قدمت كثيراً من النوافذ في اللوحات، وهي بمختلف حكاياتها البصرية رؤيتي لما يجري في البلد حالياً، ولذلك تركت المعرض دون عنوان أيضاً، في تلك المربعات حكايات وأشياء ترسم حضورها وظلها الخاص على المتلقي».

من أهم ملامح تجربة الفنان "الصوفي" الانتقال من مرحلة فنية حققت أغراضها الفنية إلى أخرى يبحث فيها عن مستقر مؤقت لرؤيته الفنية، على أن السمة الأساس هي تعلقه بالإنسان، يقول الفنان: «اختلفت بنية اللوحة لدي عبر الزمن، والتقنية أيضاً، في تقديم المشهد البصري، بدأت في مرحلة ما رسم الواقعي، ثم انتقلت إلى بناء هويتي الخاصة، هذه الهوية تنبع من التعبيرية المكثفة، بهدوء أبنيها، أطمح بأن تثير الأسئلة وأن يقف المشاهد أمامها، يسأل نفسه، ويسألني، وأي لوحة لا تثير الأسئلة هي لوحة دون المطلوب، يجب أن تبني اللوحة جسراً بيني وبينك، تثير حواراً وتولد أسئلة».

من لوحات الفنان الحديثة

هذه اللوحة التي يختار أن يقدمها الفنان، يرى أن عليها واجب حمل الطابع السوري، ويتساءل: «الفن السوري كان موجوداً قبل ألف وخمسمئة عام بكثافة وحضور مميزين، وجاءت القطيعة مع الاحتلالات، ووضعت التابوهات حول الفن وتغيرت مفاهيمه ووظائفه وتسطح مضمونه، حتى جاء القرن العشرين، وعاد لنا عن طريق أوروبا؟! هذه الأسئلة كلها تدفعني إلى أن أتمكن من وصل الفن السوري القديم، والفن الحديث ضمن هويته السورية، ومن ثم العالمية بالفن تنطلق من المفردات المحلية، وبذلك يتأسس ما أطمح إلى تركه للزمن الحقيقي كهوية مفردة لي، هذا يحصل عبر تراكم طويل، فالفنان هو مجموعة طويلة من التراكمات، التي تنبثق يوماً بعد آخر، وعبر تجارب متتالية تحقق له الهوية والفردانية».

الفنان "سموقان" رأى في لوحات الفنان "الصوفي" جانبين مهمين هما، كما يقول: «الرسم، واللوحة، الرسم أي الخط لديه قوي، فهو فنان غرافيكي بامتياز، فهو يرسم الشكل بخط دون انقطاع، لوحته وتلوينه للخط تحول إلى لون، دعني أقول لقد كور الخط إلى لون في تشكيل عمله، أما على صعيد الشكل فهو يقسم عمله إلى مربعات وأشكال هندسية، تشكل كل هذه العناصر المشهد الكلي أمام المتلقي، من هنا يبدو الانتماء الفني لدى "الصوفي" أقرب إلى الحداثة الفنية بامتياز».

تشويه إنساني ..

أما الفنان السوري "عنتر حبيب"، فقد تابع أعمال "الصوفي"، ورأى أنه يذهب في التقنية حداً كبيراً، وعلى المتلقي أن يبحث في لوحته ليكتشف الجماليات التي زرعها في مساحات مختلفة من اللوحة، ويضيف: «اللون الذي يستخدمه ينتمي إليه، يذوب في عناصره ليحقق البصيرة الفنية النافذة، وعبر تكثيف شديد الحضور تجد نفسك كمتلقٍ بحاجة إلى رؤية اللوحة لعدة مرات».

الفنان "الصوفي" من مواليد "حمص" عام 1969، تخرج في قسم التصوير الزيتي، كلية الفنون الجميلة بـ"دمشق"، عرض في عدة مدن سورية وعربية ودولية، وهو اليوم مدير مركز الفنون التشكيلية في المجمع الثقافي في "حمص"، لوحاته مقتناة في عدة أماكن منها متحف الفن الحديث في "بغداد".