أنجز كثيراً من الأيقونات السورية الفنية المذهلة التفاصيل، وبتوقيعه المعروف يتابع الفنان السوري "أيمن بيطار" عمله الفني كواحد ممن تركوا بصمتهم الخاصة في هذا المجال على مستوى العالم.

تتغذى الأيقونات وفنونها من روح الكلمات المقدسة، فهي فن الكلمات المصورة لمن لا يقرأ، وحتى تنجز الأيقونة مهمتها التواصلية مع العين، تحتفي باللون والخط والإيقاع والمكان المقدس نفسه. وتذهب الدراسات التخصصية في علوم الأيقونات، إلى أن المدرسة السورية التي بدأ إبداعها قبل القرن السابع الميلادي، كانت ومازالت من أهم المدارس التي قدمت إلى العالم أجمل الأيقونات وأحلاها شكلاً ومضموناً وقيمةً فنية، ويرجع هذا إلى ما يسميه الخبراء "فن تربية رسام الأيقونة".

هذا الفن يعتمد على الرموز، كل خط، وكل لون له رمزيته الخاصة، يسمح لنا في الرسم استخدام أحد عشر لوناً فقط، وعلى هذه الألوان يلعب الرسام، ويتم الرسم إما على الجدران، أو على الخشب، أو باستخدام مواد خاصة صالحة لهذا العمل

الفنان السوري "أيمن بيطار" (مواليد 1963 في مدينة حمص) خضع لهذه التربية، يتحدث لمدونة وطن “eSyria” بتاريخ 12 شباط 2014، فيقول: «هناك العديد من المدارس والجامعات التي تدرس فن الأيقونات، لكن هذا كله لا ينفع في تخريج رسام أيقونات، يجب أن يكون هناك معلم، معلمٌ يتولى تعليم التلميذ هذا الفن، هناك شروط قاسية جداً لرسم الأيقونات، منها ما يتعلق ببنية الفن نفسه لجهة الألوان والمقاسات ونوعية المادة والموضوع، وأخرى تتعلق بالرسام نفسه وإيمانه وصبره وجهده، يلازم التلميذ معلمه ملازمة صوفيةً، يأكل ويشرب وينام معه تحت سقف واحد، لمدة تختلف حسب الفنان وموهبته وقدرته على التعلم، وتشرُّب أصول هذا الفن، المعلم لا يعلم ولكن يفتح المجال، كعلاقة المتصوف بالله».

من الأعمال الجديدة

يعود هذا التقليد بملازمة الفنان لمعلمه إلى أكثر من ألف عام خلت، آنذاك لم تكن هناك مدارس فنية لتعليم الرسم، وقد استمر هذا التقليد في مدارس الأيقونة السورية، من هنا وبعد أن رسم الفنان "بيطار" أول لوحة له بعمر العاشرة، ودخل في سن الثالثة عشرة إلى مركز "صبحي شعيب" للفنون التشكيلية في "حمص" مدة أربع سنوات، بُعِث بمنحةٍ دراسيّة إلى اليونان (أثينا) للتخصّص في رسم الأيقونات لمدة ناهزت عشر سنوات، بفضل ومساعدة المطران "أليكسي عبد الكريم" مطران "حمص" وتوابعها، بعد أن أُعجب كثيراً بموهبته التي ظهرت في عدة لوحات رسمها من وحي الكتاب المقدس، ولاقت صدى حسناً لدى الجمهور.

ينتمي فن الأيقونة السورية إلى فن أشمل هو فن الأيقونة البيزنطية، وقد اكتسب هذا الاسم حسبما يقول الفنان "بيطار" منذ منتصف القرن الخامس عشر، حيث انتشر فن الأيقونات بكثافة، رغم الأوضاع السياسية المضطربة آنذاك، فقد كانت بيزنطة تحتضر، والإمبراطورية الرومانيّة الشرقيّة بادت، لكنّ الكنيسة استمرّت، وظلّ فنّها يشعّ في ظلّ الحكم العثماني، وعرفت الأيقونة قمّة ازدهارها وتجدّدها بفضل الطاقات الخلاقة الجديدة التي بدأت تظهر في مدارس "أنطاكية وحلب" السوريتين، وبدأ رسامو الأيقونات من يونانيين وسوريين يمارسون نشاطاً واحداً، في العديد من الورشات الفنية التي تولت رسم الأيقونات وتوزيعها على مختلف الأماكن المقدسة، كما هو الحال في كنيسة المهد في "فلسطين"، وتحتلّ الأيقونة الحلبيّة، وهي أروع أعمال الفنّ السوريّ المسيحيّ، بفضل جهود مؤسسيها وإبداعاتهم، مكان الشرف في تاريخ الفنّ ما بعد البيزنطي.

المطران إبراهيم نعمة في تكريس إحدى الأيقونات

لهذا الفن شروطه الفنية التي يوجزها الفنان بقوله: «هذا الفن يعتمد على الرموز، كل خط، وكل لون له رمزيته الخاصة، يسمح لنا في الرسم استخدام أحد عشر لوناً فقط، وعلى هذه الألوان يلعب الرسام، ويتم الرسم إما على الجدران، أو على الخشب، أو باستخدام مواد خاصة صالحة لهذا العمل».

يتم اختيار موضوع الأيقونة حسب رغبة الكنيسة، وكل كنيسة يجب أن يكون فيها أيقونات، وتأتي أهمية الموضوع من نوعية الاختيار، فكل ما ورد في "الكتاب المقدس" قابل للتحويل إلى أيقونة مشهدية جدارية أو خشبية، ويأتي بعد ذلك "التكريس" الكنسي لها الذي له طقوسه الخاصة، ويستغرق رسمها وقتاً يختلف بحسب حجم الأيقونة ونوعية المادة المستخدمة والفنان أيضاً.

في كولن بألمانيا

وبين الأيقونة الشرقية السورية واليونانية، ومثيلتها الغربية يرى الفنان "بيطار" أن الغربية كلاسيكية جداً لا تخرج عن إطار المواضيع المعروفة، أما الأيقونة الشرقية فهي تنظر دائماً إلى ما وراء المشهد البصري، ما وراء الموضوع المرسوم، فهي أقرب إلى الروحانية بمختلف تجلياتها وألوانها وحضورها.

ما يميز الأيقونات التي رسمها الفنان "بيطار" هو التكوين المتمكن لموضوع الأيقونة، يقول المطران "إبراهيم نعمة" متروبوليت "حمص وحماة ويبرود" وتوابعهم، ويضيف بالقول: «ترنو بناظريك إلى هذه الأيقونات، فتستشف على الفور ريشةً ثابتةً عالية التقنية، تنم عن قدرة الارتقاء إلى أعلى وأعمق الأجواء الروحانية سواء أكان يقدم أيقونات للسيد أو للسيدة أو لأحد القديسين، أم كان يقدم جوانب من حياة السيد أو السيدة أو من الأسرار الإلهية».

أما المطران "سلوانس نعمة" مطران "حمص وحماة" للسريان الأرثوذكس، فلفت إلى أن رسوم الفنان "بيطار" في كنيستي سيدة السلام والأربعين في "حمص"، تستمد جماليتها من البساطة والزهد والنسك الذي يجللها، ويرى أن ريشة الفنان المبدعة قادرة على التعامل مع مختلف الموضوعات الأيقونية بسهولة ويسر.

الفنان "بيطار" درس الفنون الجميلة بالتوازي مع دراسة الأيقونات في اليونان في إحدى الكليات المتخصصة في هذا المجال، ومنذ عام 1992 عمل مع أستاذه في الكلية بمجال رسم جداريات الكنائس لخمس سنوات، وتتوزع أيقوناته في مختلف دول العالم، ومنها: "اليونان، الولايات المتحدة الأميركية، ألمانيا، لبنان وسورية"، وحتى اليوم يعمل بهذا المجال ويرفض العمل بأي مجال آخر رغم شهاداته الفنية التي حصل عليها وموهبته في الرسم العادي.

يعمل حالياً على رسم مجموعة أيقونات في كنيسة "سيدة الحواش" في ريف "حمص"، وهي إحدى الكنائس الكبيرة في المنطقة.