يغوص الفنان "شعلان الحموي" لأكثر من ألف عام ليخرج التحف الموسيقية السريانية القديمة ويكتب لها توزيعات جديدة.

المشروع الذي بدأه سيادة المطران "مار سلوانس بطرس النعمة" مطران "حمص وحماة "وتوابعهما للسريان الأرثوذكس والشماس "طوني يعقوب" وعازف الكمان والموزع "شعلان الحموي" بالعمل عليه هو توثيق طقس القداس السرياني و تسجيله في ألبوم وذلك ضمن توزيع موسيقي جديد.

من كنيسة سريانية أصيلة كنيسة السيدة أم الزنار التي يعود تاريخ بنائها للقرن الأول الميلادي والتي تحمل عبق المسيح ورائحته الزكيّة

بدايةً يتحدث الفنان "الحموي" وهو الموزع والمشرف الموسيقي على هذا المشروع لموقعeHoms فيقول: «أتعامل هنا مع ألحان "ميلوديات" مغناة و هي ألحان قديمة، وما أفعله باختصار هو كتابة مقدمات و فواصل موسيقية للتراتيل من وحي اللحن نفسه وموضوع التراتيل، ومن ثم معالجة الخط الغنائي بأسلوب "بوليفوني"، و يعني ذلك التوزيع العمودي لأصوات الكورال بحيث لا يقتصر الغناء على اللحن الواحد.

الفنان "شعلان الحموي"

ويؤكد الفنان "شعلان" أن العمل لم يكن هذا سهلاً أبداً: «بالنسبة لي كان تحدياً كبيراً، فبعض هذه الألحان يعود لأكثر من ألف سنة، و قد لا تتبع وحدة إيقاعية متكررة لأنها تتبع النص، و كان أكبر الصعوبات هو عدم المساس بأصالة وعراقة هذه الألحان و الحفاظ على البساطة والقوة التي تحلت بها لقرون، باختصار عملت على توزيع الميلوديات السريانية القديمة بأسلوب أوركسترالي أكاديمي والعمل على نسيج هارموني و بوليفوني».

ورداً على سؤال حول إمكانية عزف هذه الألحان بشكل حي والآلات التي يكتب لها العمل أجاب: «التوزيع يمكن أداؤه بشكل حي ولكن بالطبع هناك بعض التفاصيل التقنية التي تختلف بين التسجيل في الاستوديو وبين الأداء الحي أما الآلات التي استخدمتها فهي الوتريات "كمان، فيولا، تشيلو، كونترباص و الأورغن و البيانو" و آلات شرقية "قانون، ناي، عود"».

جوقة كنيسة "أم الزنار"

ويؤكد موزع العمل أنه على صعيد البحث و التأريخ في الموسيقا السريانية هناك أسماء كبيرة لها فضل في توثيق التراث السرياني مثل: «"عيسى أسعد و نوري اسكندر" مع حفظ الألقاب، كما أن هناك تجارب لتوزيع بعض من هذه الموسيقا أكاديمياً من قبل موسيقيين سوريين و لبنانيين و هي برأيي تجارب بغاية الأهمية».

ويضيف أن التراث السرياني غني و ضخم: «وقد ساعدني هذا على استخدام عدة أساليب للتوزيع الموسيقي و الكتابة بعدة لغات هارمونية، هناك أحياناً نص ملحن بأكثر من خمسة ألحان مختلفة، و كذلك تختلف بعض التفاصيل حسب المدارس السريانية "الجزيرة السورية، العراق، تركيا، وسط سوريا" و هذا التنوع الكبير أعطاني حرية في التوزيع».

سيادة المطران "مار سلوانس بطرس النعمة"

ويختم الفنان "شعلان" بالقول: «العمل هو توثيق لمادة عمرها مئات السنين، وهو أول عمل من نوعه كتوثيق كامل لطقس القداس السرياني، أي أنه ذو أهمية تاريخية استثنائية، فإلى جانب تدوين "تنويط" هذه الألحان التي اعتمدت على التناقل الشفهي لقرون، فهي موزعة بأسلوب يجعلها منمنمات فنية يمكن أن تستمتع بسماعها حتى لو لم تلمّ باللغة السريانية».

الشماس "طوني يعقوب" المشرف العام على العمل يرى أن التراث الموسيقي السرياني تراث أصيل يحمل في طياته شعوراً رائعاً يربط الإنسان الذي يصلي بالله خالقه بشكل فريد من نوعه: «وبما أن القداس الإلهي هو حالة لقاء مباشر مع الله وصلاة وتسابيح تتخللها ترانيم وابتهالات سريانية رائعة لذلك فكرنا بأن نسجّل هذه الصلوات والتراتيل بصوت ورعاية نيافة المطران مار سلوانس بطرس النعمة مطران حمص وحماة وتوابعهما للسريان الأرثوذكس، وأن تسجّل هذه الترانيم جوقة كاتدرائية السيدة العذراء أم الزنار بأسلوب جديد وتوزيع أوركسترالي».

ويؤكد الشماس "طوني" أن روح العمل ستكون: «من كنيسة سريانية أصيلة كنيسة السيدة أم الزنار التي يعود تاريخ بنائها للقرن الأول الميلادي والتي تحمل عبق المسيح ورائحته الزكيّة».

راعي العمل نيافة المطران "مار سلوانس بطرس النعمة" تحدث لموقع eHoms فقال: «لقد أردنا من خلال تسجيلنا لطقس القداس الإلهي بحسب كنيستنا السريانية الأرثوذكسية أن نحافظ على عراقة هذا الطقس الأنطاكي الجميل الذي نظمه آباءنا السريان الميامين عبر الأجيال السابقة لنعيش من خلالها جواً روحياً مع الله، نشترك فيه معاً في سر الشكر الإلهي، سر القربان المقدس الذي أسسه سيدنا يسوع المسيح يوم العشاء السري مع تلاميذه، ولنتناول فيه جسده ودمه الأقدسين ليكونا للثبات فيه وعربوناً للحياة الأبدية».

ويضيف السيد المطران: «اخترنا أن يكون هذا النشاط في مناسبة عيد انتقال السيدة مريم العذراء أم الزنار، هذا اليوم العظيم الذي تحتفل به الكنيسة الجامعة، وفيه سلّمت أمنا العذراء مريم زنارها المقدس للرسول توما ليُثبت حقيقة انتقالها ومنه وصل عبر الزمن لكنيستنا في حمص عام /476/ م. وقد اخترنا الآية الكتابية المقدسة وهي ما قالت العذراء مريم للملاك بيوم بشارتها: ((تعظِّم نفسي الرب وتبتهج روحي بالله مخلصي.. وها منذ الآن تطوبني جميع الأجيال لأن القدير صنع بي العظائم)) فإن أعظم عطية أولاً اختيار الله للعذراء مريم بين النساء لتكون أمَّاً للإله الذي تجسد ربنا يسوع المسيح، وثانياً أعطتنا المخلص الذي تجسد وتألم ومات وقام ليحيينا وينقلنا إلى ملكوته السماوي وطننا الأول. لذلك تعظّم وتغبّط شأنها قبائل الدنيا بأسرها».

ويختم حديثه بالقول: «هذا القداس الإلهي يتضمن صلوات فردية وجماعية شارك فيها شمامسة الكنيسة واهتم بإعدادها وترتيبها وتنسيقها الشماس طوني يعقوب الذي يقود جوقة الكنيسة التي ستسمعون أداءها الجميل بأسلوب عصري وحديث، واهتم ووزّع بشكل احترافي ورائع الموسيقا الأستاذ "شعلان الحموي" أحد أهم العازفين البارعين والموزعين الذين نشكرهم ونشكر كل من تعب ونسّق وساهم معهم لإخراج هذا العمل الروحي المبارك الذي نأمل أن يصل إلى كل بينت ليصلي من خلاله ويترنّم بطقسنا السرياني الروحي الرائع والذي سيُغني المكتبات الكنسية والرب يكون معكم».

يذكر أن تسجيل العمل سيكون في مدينة حمص ذاتها في استديو"Zoom" مع مهندسي الصوت "شادي عبارة وإيهاب سلطان"، وسيكون العمل جاهزا في نهاية أيلول عام /2011/.