رسم الأيقونات فن قديم نشأ وتطور مع نشوء المسيحية الأولى، حيث يذهب بعض الباحثين إلى أن نشأته كانت في سورية، ولكن للأسف قلائل اليوم في بلدنا هم الذين يشتغلون في هذا الفن المتفرد بخصوصيته، والذي يخضع لقواعد أساسية أعطته تفرداً خاصاً عن سائر الفنون التشكيلية.

ومن هؤلاء الفنانين الذين اختصوا بالفن الأيقونغرافي في "حمص" الفنان "إياد نادر"، الذي التقيناه في صالة دير "مار اليان" بتاريخ (7/2/2009) خلال معرض الأيقونات الخاص به، فأجرينا معه حواراً عن فن رسم الأيقونات وكيف تعرف عليه وتخصص وتابع فيه.

  • كيف كانت بداية علاقتك الأولى مع الرسم والتشكيل وتعرفك على الأيقونة؟
  • من ايقونات المعرض للفنان "إياد نادر"

    ** محاولاتي الأولى كانت منذ الصغر في رسم العديد من الموضوعات الحياتية والأشكال الطبيعية، فبدأت بقلم الرصاص ثم الفحم، وبعدها استخدمت الألوان المائية والزيتية وصرت أشتغل بالرسومات الواقعية والكلاسيكية، لكن عندما تعرفت أكثر على فن الأيقونة انبهرت به وأعجبني العمق الرمزي الموجود في الأيقونة بشكل أكثر من الفن الكلاسيكي والواقعي الذي كنت أعمل به فبدأت بمحاولة رسم الأيقونات».

    وعن تطور آلية رسم الأيقونات لديه يتابع: «وبعد التحاقي بدير "مار جرجس" في "صيدنايا" عام /1996/ وإقامتي فيه لمدة تسع سنوات طلباً للتلمذة الروحية.

    ونظراً لشغفي بالرسم والأيقونة شجعني الأب "يوحنا التلي" رئيس الدير وأولاني اهتماماً ورعاية في هذا المجال وتعرفت خلال إقامتي في الدير على عدد من رسامي الأيقونات، أهمهم الأخت "إيمان" من دير "سيدة كفتون" في لبنان، وهي كانت أول من رسم أيقونة للقديس "يوسف الدمشقي" عندما تم تطويبه قديساً، فاستمديت منها الكثير من الأفكار حول هذا الفن.

    كما استفدت كثيراً من الدكتور "إلياس الزيات" الذي يعتبر من أشهر رسامي الأيقونات في المنطقة، كما يعد المرجعية الأولى لهذا الفن في وزارة الثقافة واعتمدت على جهدي الشخصي في المتابعة برسم الأيقونات من خلال الاستفادة من الرسامين الذين قابلتهم والقراءات الكثيرة عن هذا الفن.

    خلال افتتاح معرضه (اشخاص قديسون)

  • ماذا تحدثنا عن ماهية فن رسم الأيقونات وبماذا يتميز عن باقي الفنون التشكيلية الأخرى؟
  • ** إن الأيقونة غنية جداً، كسائر الفنون التشكيلية الأخرى ولها تقنياتها الخاصة بها، والتي أصبحت تقليداً يحافظ عليه، وفن الأيقونات هو رمزي من خلال رموزها، وحيّ من خلال موادها ومعانيها. وتعتبر الأيقونة لدى اللاهوتيين والمصلين نافذة يُتطلع بها إلى السماء، فهي ليست صنعة خيال بشري، لذلك وجب صنعها من مواد طبيعية حية مستخرجة من التراب والبيض والصمغ والخشب وليس من مواد صناعية.

  • ما رأيك في قول الباحثين بأن نشوء فن الأيقونات تأثر بشكل كبير بالفن التدمري السوري؟
  • ** على الأرجح فإن هذا الفن نشأ أول ما نشأ متأثراً بالفن التدمري، وذلك بحسب رأي الدكتور "الياس الزيات"، وانتشر بعدها في شتى أنحاء الإمبراطورية الرومانية، ويدلنا على هذا الأيقونات التي ما تزال من القرون المسيحية الأولى في "دياميس" روما. وأنا شخصياً أوافق الدكتور "الزيات" نظريته هذه فقد أراني عندما اجتمعت به مقارنة بين ما اكتشف في "تدمر" من رسومات جدارية وما بين الفن الكلاسيكي القديم للأيقونة، فلاحظت مدى تشابه فن الأيقونة الكبير مع الفن التدمري القديم.

  • كيف ترى الأيقونة السورية وانتشارها بين المدارس الأخرى في رسم الأيقونات؟
  • ** إن الأيقونة السورية ظلت متمسكة بالصرامة أكثر من الأيقونة البيزنطية، ولم تتأثر على الإطلاق بالفنون الحديثة، فمشت في سياق شبه موحد رمزي عميق، وقد يكون عدم اهتمام هذا الفن بالجمالية إلى حد بعيد سبب عدم انتشاره على نطاق واسع حتى اليوم، وعودة السيطرة للفن البيزنطي.

  • ماذا تحدثنا عن معرضك الأخير الذي أقمته في دير "مار اليان" وعن الأنشطة الأخرى القادمة؟
  • ** المعرض هو المعرض الفردي الأول لي، وقد أقيم برعاية سيادة المطران "جاورجيوس أبو زخم" احتفالاً بعيد القديس "إليان"، وحمل اسم (أشخاص قديسون). وعلى العموم فإن هدف الأيقونة أولاً وآخراً هو الصلاة لذا أحاول في كل رسوماتي تجنب الجانب الجمالي بشكل كبير وأعتمد على الألوان الهادئة الخشوعية التي تساعد على الصلاة.

    شاركت من قبل بمعارض جماعية محلية، وأعتبر هذا المعرض تجربة مفيدة استمعت من خلالها لآراء عدد من الفنانين والآباء الذين زاروه، في السعي لتدارك الأخطاء وتلافيها في المعرض القادم الذي سأبدأ بالتحضير له وسيقام في المركز الثقافي العربي (أبو رمانة) بـ"دمشق" في الشهر السادس لعام /2009/، وسيكون على نطاق أوسع من حيث حجم الأعمال وتنوعها، فبالإضافة إلى الرسومات الخشبية سأعرض الرسومات على الفخار إضافة للأعمال الأخرى المرسومة على الخزف والزجاج.

  • ماذا عن الطموحات التي ترغب بتحقيقها على مستوى فن الأيقونات؟
  • ** طموحي الاستمرار بالخدمة ضمن إطار هذا الفن الكنسي المتميّز، وأتمنى لهذا الفن أن يأخذ حقه من الانتشار والاهتمام أسوة بالفنون الأخرى، والجميل بهذا الفن أنه يعلّم الرسام الصبر وطول الأناة. وآمل أن يكون هناك تشجيعاً أكبر لهذا الفن من خلال إقامة دورات تعليمية خاصة به، وبنهاية الأمر فرسم الأيقونة برأيي بحاجة للتأمل والصلاة أكثر من الموهبة على خلاف الفنون الأخرى، لأن الفنان الذي يرسم بالأسلوب الواقعي أو التجريدي مطالب بإعطاء فكرة والتعبير عنها أما في فن الأيقونة فاللون هو تجسيد للفكرة الكتابية أو اللاهوتية الموجودة أصلاً.