يعدُّ "المصدَّر والمعنَّا" من الأغاني التراثية التي اشتهرت بها مدينة "حمص"، لكن ليس من المعروف تحديداً الزمن الذي يعود إليه ظهورها، وهذا حال معظم الأغاني الشعبية ومنها "الدلعونا" مثالاً.

هذا ما يقوله الموسيقي "أمين رومية" رئيس فرع نقابة الفنانين في "حمص"، والذي أوضح بأنَّ هذه القوالب الموسيقية كانت تؤدى في الحفلات الغنائية التي كانت تجري قديماً في حارات المدينة القديمة ضمن بيوت الميسورين الحمصية، وتحديداً في سهرة يوم الخميس، حيث يتم تأديتها على شكل وصلات موسيقية بما يشبه نمط "النوبة" التي تشتهر بها بلدان "المغرب العربي" و"مصر" أيضاً، ضمن قوالب موسيقية معينة منها "الدولاب" و"السماعي" و"البشرف" حيث يتم توزيعها على زمن الوصلة الغنائية، التي كانت تؤدى فيها "القدود" و"الموشحات" وختامها "الأدوار" لأنها تحتاج إلى مطربين أصحاب خامات صوتية قوية ومن ذوي الخبرة العالية بالمقامات والإيقاعات.

ويتابع "رومية" شرحه عن "المصدَّر" الحمصي ليذكر بأن قدود وموشحات الشيخ "أمين الجندي" التي قام بتأليفها وغنائها، هي أكثر ما كان يتم تأديته في تلك الأمسيات الموسيقية، وأشهرها "يا نسيمات الخزامى" و"في ظلام الليل هيجت وجدي" إلى جانب بعض الموشحات البسيطة، وباللغة العربية الفصيحة، وأكثر المقامات الموسيقية المستخدمة في أغانيه هي "الحجاز" إلى جانب مقام "الهزام" و"الراست" ومعها "البيات"، وعلى إيقاعات "الوحدة" و"البلدي" و"المصمودي" في أغلب الأحيان، وكما ذكرنا بأنَّ الموروث الغنائي الشعبي غير محدد الظهور الزمني له؛ لذا فقد كان محتواه الشعري يتبدَّل بحسب الزمن الذي يؤدى فيه، ويتضمن العديد من الكلمات الدارجة في كلِّ زمن.

أمين رومية رئيس فرع نقابة الفنانين في حمص

أمَّا في الحديث عن "المعنّا" فهو يصنف كقالب غنائي يؤديه مغنيان على طريقة المحاورة، يؤديان فيه بعضاً من الموروث الشعبي القديم، لا يخلو من الارتجال في بعض الأحيان تبعاً لموضوع المحاورة القائمة، ولا يخلو أيضاً من الفكاهة والترفيه في كلماته وشكل تأديته، لم يكن له موسيقا محددة وخاصة به، وإنما عبارة عن لحن سماعي موروث غير واضح المقامات الموسيقية، ومن دون موسيقا مرافقة له، هنا جاء دور الموسيقي الراحل "زيد حسن آغا" الذي كان له الفضل في إحياء هذين القالبين، وتطويرهما ليناسبا عصرنا الحالي، وكان هدفه الأساس تدوين هذا التراث الشعبي الحمصي والتعريف به، وتجلى ذلك في عمله الفنِّي "السهرة الحمصية" والذي قدَّمه في أكثر من مدينة سورية، حتى أنَّه ترجم إلى عمل تلفزيوني حمل ذات الاسم.

برأي الموسيقي "أمين رومية" فإنَّ ما فعله "زيد حسن آغا" مع نهاية سبعينيات القرن الماضي، هو جمع كل ما يتعلق بهذا التراث الغنائي، من خلال البحث الدقيق والطويل، وتوثيق ما تيسر له من ذاكرة الأشخاص الذين عاصروا هذا الفن، وحفظوا بعضاً مما كان يغنى في السهرات والحفلات الخاصة، والاستعانة ببعض الشعراء من أجل استبدال بعض الكلمات لتهذيب محتوى الأغاني، كما أنَّه قام بوضع ألحان من تأليفه على نمط ما فعله الموسيقي المصري "زكريا أحمد"، الذي أضاف لحناً جديداً على اللحن الأساسي لمذهب الأغنية، وإضافة لحن لكل غصن من أغصانها، وهذا ما تتألف منه الأغنية، ومن هنا نشأ ما عرف حينها بأغنية "الطقطوقة"، هذا تماماً ما عمل عليه الراحل "زيد حسن آغا"، والذي يحسب له بأنَّه أهم -إن لم يكن الوحيد- من حافظ وطوَّر ودوَّن تراث "المصدَّر والمعنَّا" الحمصي.

فرقة نادي "دار الفنون" هي من قامت بإبراز هذا الفن التراثي عبر عملها الفنِّي "السهرة الحمصية" كما يذكر "محمد خير الكيلاني" الممثل المسرحي، والذي شارك في ذاك العمل حينها، وقد وضَّح بأنَّ "المعنَّا" يعتمد على محاورة غنائية بين طرفين، موضوعها غزلي بامتياز، حيث يتغنى كل طرف (قوَّال) بمحبوبته، فأحدهما يغني للسمراء والآخر للبيضاء (الشقراء)، وينقسم الحضور إلى فريقين يساند كلٌّ منهما طرفي المحاورة، وكانت تمتد تلك السهرات التي تجري فيها حتى ساعات الفجر الأولى، وهي عبارة عن أغاني شعبية بسيطة الكلمات ومرتجلة في قسم منها، وباللهجة المحكية لكنها تحوَّلت إلى أغانٍ ذات ألحان وكلمات موزونة، بفضل الموسيقي الراحل "زيد حسن آغا".

الجدير ذكره بأنَّ اللقاءات مع الضيوف تمَّ إجراؤها بتاريخ 14 كانون الثاني 2021.