استطاع الباحث والمحقق التاريخي المهندس "نهاد سمعان" أن يضيء على مرحلة مهمة من تاريخ "سورية" لا يعرفها الكثيرون من السوريين يسميها الباحثون حقبة "ملوك سورية"، خلال محاضرته التي قدمها عن "الملك السوري أنطيوخوس الرابع أبيفانيوس".

مدونة وطن "eSyria" التقت المهندس "سمعان" بتاريخ 10 شباط 2015، فتحدث عن أهمية ما قدّمه بالقول: «إنه لمن المؤسف حقاً أن لا يعرف كثيرون من أبناء "سورية" اليوم شيئاً عن تلك الفترة الممتدة بين دخول الإسكندر 333ق.م، ودخول الرومان العام 64ق.م، أو ما تسمى في التاريخ العالمي حقبة "ملوك سورية" الذين حكموا في تلك الفترة».

إنها من أهم فترات تاريخ "سورية" إثارةً، ففيها وُضعت بصمات ما زالت واضحة على جبين "سورية" حتى اليوم في روح وشكل هذا المزيج الراقي الذي يسمى اليوم "السوريين"، ففي تلك الفترة تغيّر وجه التاريخ ومفرداته أكثر من مرة

وأضاف: «إنها من أهم فترات تاريخ "سورية" إثارةً، ففيها وُضعت بصمات ما زالت واضحة على جبين "سورية" حتى اليوم في روح وشكل هذا المزيج الراقي الذي يسمى اليوم "السوريين"، ففي تلك الفترة تغيّر وجه التاريخ ومفرداته أكثر من مرة».

جانب من الحضور

وتحدث م. "سمعان" عن كيفية اقتسام العالم بين قادة الإسكندر العظماء في "سورية" وتكوّن المملكة السورية السلوقية قائلاً: «بعد وفاة "الإسكندر المقدوني الكبير" الملقب "ذو القرنين" عام 323ق.م، لم يكن واضحاً بشأن تحديد خلف له، فاجتمع قادته العظماء الأربعة لاقتسام تركة سيدهم في مؤتمر الجنّات الثلاث (TRIPARADISUS) في المنطقة التي تسمى اليوم "جوسية الخراب" قرب بلدة "ربلة" في ريف "حمص" الغربي، فآلت الأمور في البداية إلى قسمة التركة إلى أربعة أقسام بين العظماء الأربعة ولم تمض فترة قصيرة حتى نشبت حروب بينهم كل يريد توسيع مملكته وتسوية حدودها، ولم تكن "سورية" غرب الفرات ومن ضمنها فلسطين مع "سلوقس" في البداية، بل كانت مع "أنتيغونس" الذي يحكم آسيا الصغرى (الأناضول).

واستطاع "سلوقس" انتزاع ما كان يسيطر عليه "أنتيغونس" من "سورية" فاكتملت المنطقة الشمالية من الفرات وحتى المتوسط، إضافة إلى الجزء الشرقي من آسيا الصغرى، وضمها إلى مملكته وبنى على العاصي مدينة أنطاكيا وسماها على اسم والده "أنطيوخوس" وجعلها مقراً لحكومته، وبحكم سلوقس هذا ظهر اسم "ملوك سورية" لأول مرة في التاريخ عام 312ق.م وبدأ التقويم السلوقي».

المهندس "نهاد سمعان" خلال تقديمه المحاضرة

وفي حديثه عن أهمية ما قدّمه الملك "أنطيوخوس الرابع" قال: «لقّب هذا الملك "بإبيفانيوس" ومعناها الشريف، فكان ثامن ملوك "سورية" وحكم من (175-164ق.م)، وقد كانت له بصمات واضحة في جبين "سورية" التي أحبها، وأهمها خوضه للحرب السورية السادسة مع مصر وانتصاره على خصومه واسترجاع فلسطين إلى حضن المملكة السورية بشكل نهائي، والنقطة الثانية محاولته إدماج اليهود بالمجتمع السوري؛ حيث أراد أن يكون شعبه واحداً موحداً يعتنق عقيدة واحدة، حتى لا ينشأ بينهم خلاف مفكك للأمة ومشتت للقوى ولا يكون في البيت الواحد سبب مقنع للاقتتال، وكما هو واضح قبل بعض الشباب المتحضرين من اليهود الفكرة وخاصة سكان "القدس" وأعربوا لـ"أنطيوخوس" عن تأييدهم له ورغبتهم في نشر الفكر الهيليني بين صفوف ملّتهم، وبدوره أمدّ "أنطيوخوس" الشباب المتحمسين للاندماج بالدعم المادي والمعنوي فأقاموا مدرسة في "القدس" لتعليم الفلسفة الأبيقورية والرواقية».

وأضاف: «لا نستطيع ونحن في مجال سرد سيرة هذا الملك أن نغفل ذكر أكبر احتفالات أو مهرجانات العصر التي نظمها هذا الملك، فقد كان وضعه من النواحي السياسية والعسكرية والاقتصادية قوياً لدرجة أنه قرر الرد على الاحتفال الكبير الذي أقامته روما سنة 167ق.م في مدينة "أمفيبوليس" اليونانية بمناسبة انتصارهم وقهر مقدونية بإقامة احتفال في ضاحية دفنة (بالقرب من أنطاكيا) يضاهي احتفال الرومان عظمة وفخامة، وقد تضمنت الاحتفالات التي استمرت شهراً إقامة الألعاب الرياضية، ومشاهد المصارعين المحترفين، وعراك الحيوانات المتوحشة».

الجدير ذكره، أن الأستاذ "نهاد سمعان" مهندس معماري، وباحث في التاريخ السوري القديم وله الكثير من الدراسات فيه، وهو عضو ناشط في لجنة التراث في نقابة المهندسين بـ"حمص" منذ تأسيسها وحتى الوقت الحاضر.

كما تجدر الإشارة إلى أن هذا اللقاء جاء ضمن برنامج محاضرات "جمعية العاديات بحمص" بالتعاون مع مديرية الثقافة في "ثقافي حمص".